أما «الجرامافون»، فهو جهاز ضخم اخترعه توماس أديسون فى القرن التاسع عشر ليقوم بتسجيل واسترجاع الأصوات التى يسجلها. وأما «الآى فون» فهو جهاز اخترعته شركة «أبل» ليقوم بوظيفة «الجرامافون» والكاميرا والمنبه والساعة والبوصلة والراديو ومسجل الأصوات والكمبيوتر.. آه وكمان تليفون.
جيل «الجرامافون» فى مصر يحكم جيل «الآى فون»، والتواصل بين الطرفين يبدو ضعيفاً أو ربما غير موجود. جيل «الجرامافون» هو شبه «الجرامافون»، جسم ضخم مع وظيفة واحدة، وهذا ما أنتج الدولة العميقة التى هى فى نفس الوقت عقيمة، ونتيجة لعقمها فهى كالنجار الفاشل الذى يملك من أدوات النجارة فقط الشاكوش، فيرى كل مشكلة مسماراً يخبطه على دماغه علشان يخلص منه.
جيل «الآى فون» مختلف، مليان «أبليكيشنز» (APPLICATIONS) ولديه فرص لا نهائية للتطور والتطوير. «الآى فون» صغير الحجم قابل للشحن السريع ويتحرك بلمسة إصبع. أما «الجرامافون» فهو يعتمد على بيئة استثنائية تقوم على افتراض أن كل شىء سيتحرك وسيتصرف وفقاً لنسق محكم من الشروط، وبالتالى أى شرخ صغير فى الأسطوانة يترتب عليه خروج على الوظيفة، وتظل الأسطوانة المشروخة تتكرر وتتكرر حتى يملها الناس، ويفقد الكلام معناه ودلالته وكأنه لم يُقَل.
جيل «الآى فون» فيه «فيرجنس» (VERSIONS)، أى: أجيال متعاقبة قادرة على أن تصحح أخطاء الماضى وتطور من رؤيتها للمستقبل. جيل «الجرامافون» هو جيل واحد، حتى إن تنوعت ماركاته. ولا تملك حياله إلا إما أن تحتفظ به كأنتيكة وإما أن يتحول إلى عبء عليك أن تتخلص منه؛ لأنه غير قابل للتطوير أو التطور.
جيل «الآى فون» فيه عيوب برمجة «BUGS»، لكنها قابلة للإصلاح، وبالفعل يتم إصلاحها؛ لأنها كلها أجهزة واصلة بالفضاء الإلكترونى ومتصلة ببعضها وهذا سر قوتها. أما «الجرامافون» فعقيم، غير قابل للإصلاح.
جيل «الآى فون» ألغى فكرة أنه يتوقف عن العمل، لا يذهب إلى حالة «OFF»، بعبارة أخرى (OFF IS OVER، YOU ARE ALWAYS ON AND IN)، أنت دائماً موجود وحاضر ومتفاعل؛ ممكن يحصل له غفوة (HYPERNATION)، لكن بعدما يستيقظ سيسعى لتعويض ما فاته. جيل «الجرامافون» ممكن يموت وينتهى ويختفى وينزوى وبعد أن يستيقظ يكون الزمن فاته.
جيل «الآى فون» يريد أن يعيش فى واقع صنعه هو وليس مفروضاً عليه؛ لأنه يرى أن الكون سلسلة من المتغيرات التى يتحكم فيها، جيل «الجرامافون» لا يملك إلا أن يتكيف مع الواقع الذى ورثه؛ لأنه يعيش فى سلسلة من الثوابت التى لا فكاك منها.
معضلة جيل «الجرامافون» أنه بلا ذاكرة (MEMORY) أو قرص صلب يمكن التسجيل عليه (HARD DRIVE)، وبالتالى هو غير قادر على تطوير نفسه أو استقبال معلومات جديدة. والأسوأ أنه لا يدرك كل ذلك، فيظن أنه قادر على حكم بل والتحكم فى جيل «الآى فون»، ولهذا لن ينجح.
كتبت من قبل عن أن ثورتنا هذه ليس ثورة واحدة وإنما هى عشر ثورات متداخلة؛ لأنها تفتح عشرة صراعات كانت كامنة فى المجتمع: صراع الهوية الدينية والعلمانية، صراع المدنيين والعسكريين، صراع الديمقراطية والبيروقراطية (أى: الدولة العميقة العقيمة القمعية)، صراع جيلى بين الكبار والصغار، صراع طبقى بين الأغنياء والفقراء، صراع جغرافى بين المركز القاهرى والهوامش الريفية والصحراوية، صراع نوعى بين الثقافة الذكورية والثقافة الإنسانية التى لا تفرق بين الرجل والمرأة، ترتيب الملفات بين المسلمين والمسيحيين، صراع بين الاستقلال الوطنى والريادة الإقليمية من ناحية وبين الانكفاء والاستباحة للقوى الدولية والإقليمية من ناحية أخرى، ثم أخيراً بين التقدم والحداثة وبين التخلف والرجعية.
جيل «الجرامافون» لا مكان له إن انتصرت قيم معينة على غيرها؛ لذا هو يدافع عن مصر التى اعتاد عليها. وجيل «الآى فون» لا مكان له إن لم تنجح قيمه التى يريدها.
طيب، هل هناك حل لهذه المشكلة يا مُعمُع؟
آه، اسمه القيادة المتقدمة على زمانها، التى جذورها راسخة فى الأرض وساقها فى عنان السماء.
ملحوظة: «الجرامافون» ليس إشارة لمتغير زمنى أو جيلى، وإنما إشارة لعقلية إما منفتحة وإما مغلقة.