سيادة المستشار.. تحية طيبة وبعد..
لعلك تابعت مقال صديقتى العزيزة نهال عهدى فى جريدة «الوطن» التى طالبت فيه حضرتك بأن تكون رئيساً لمجلس النواب المقبل، ولعلك أيضاً تابعت ردود أفعال كثيرين ممن تلقفوا الفكرة بالكثير من الترحاب.
وأضيف إلى سيادتكم أننى طرحت الفكرة على مستويات أعلى فى الدولة، وكان الرد «يا ريت يوافق» بحماس شديد.
وأضيف إلى سيادتكم أن الكثيرين يثقون فيك، حتى وإن اختلفوا معك فى بعض ما قررته، والأهم بعض ما امتنعت عن تقريره أو إقراره أثناء فترة وجود سيادتكم فى السلطة، وأنا أحد هؤلاء. واختلافى مع حضرتك اختلاف ملىء بالاطمئنان، وهو أنه اختلاف مع شخص يحب هذا البلد وحريص عليه وأنا أطمئن لذلك. وهو ما يتناقض شكلاً وموضوعاً مع أولئك الذين يتشكك الإنسان فى نواياهم وبوصلة تفكيرهم: هل هى مصالح فئوية أو حزبية أو غيرها؟
سيادة الرئيس السابق للدولة والرئيس الحالى للمحكمة الدستورية العليا، أنت مرشح بل مستدعى مرة أخرى لوطن ما بخل عليك ولا علينا من قبل، وأعطى أهله ويعطون يومياً من التضحيات ما أنت أعلم به منى. وها هم وجدوا أنفسهم بحاجة لمؤسسات الدولة وللعاملين فيها وللخارجين منها كى يتعاونوا مع السياسيين والحزبيين والمستقلين كى تعمل الدولة فى تناغم.
سيادة المستشار عدلى منصور..
البرلمان المقبل بحاجة لشخصية ليست حزبية كى تقوده. أقول هذا وأنا أعلم أنها مهمة فى منتهى التعقيد لأن مصر أصبحت مثل الغابة بدون أسد، والأهم بدون ضوابط. والخوف كل الخوف أن يتحول البرلمان المقبل إلى كيان بلا مايسترو أو قائد يتمتع بالمصداقية نتيجة وجوده خارج الفرق الحزبية والنزاعات السياسية.
البرلمان المقبل لا يوجد فيه كمال الشاذلى ولا الحزب الوطنى بأغلبية كاسحة وقيادة تدعى الحديث باسم جموع الشعب. البرلمان المقبل لا يوجد فيه الكتاتنى أو البلتاجى ولا الحرية والعدالة، مدعين أنهم حزب الأكثرية القوية التى قادت الثورة. البرلمان المقبل لا يوجد فيه كتلة سلفية متماسكة تأتمر بأمر هيئة شرعية ما تأمر والباقى يطيع، البرلمان المقبل بلا قيادة واضحة.
والأهم من كل ذلك، البرلمان المقبل يأتى بلا تقاليد ديمقراطية حقيقية ومستقرة، وهذا أخطر ما فى الموضوع، البرلمان المقبل بحاجة لـ«جون مارشال» ولكن فى البرلمان وليس فى المحكمة الدستورية، وحضرتك تفهمنى قطعاً.
لا أريد لسيادة المستشار أن ينضم لحزب أو تيار أو ائتلاف ولكن أن يرشح نفسه كغيره من المرشحين المستقلين وأن تدعمه الإرادة الشعبية عضواً فى البرلمان ثم رئيساً له. وأرجو أن يتعلم الحزبيون والمتحزبون من أخطاء الماضى القريب فى مصر والعراق وتونس وليبيا، وأول الدروس أنه فى أحيان كثيرة يكون على الإنسان أو الحزب أن يختار بين السلطة أو الديمقراطية أو الدولة.
«المالكى» فى العراق تشبث بالسلطة فضيع الديمقراطية وضيع الدولة. «مرسى» فى مصر تشبث بالسلطة فكاد أن يضيع الدولة وأصاب التجربة الديمقراطية التى أتت به إلى السلطة بخلل شديد. «الغنوشى» فى تونس عرف أنه لا يمكن الجمع بين الاثنين فضحى بالسلطة من أجل الديمقراطية التى يمكن أن تأتى له بالسلطة لاحقاً.
الأحزاب المختلفة فى تركيا منذ السبعينات وهى تناضل من أجل مكان لها تحت شمس الشرعية وما نجحت إلا بعد أن استوعبت أن عليها أن تضحى بالسلطة أحياناً كى تظل فى ملعب الديمقراطية دائماً. لكن «الإسلاميين» فى مصر، أضاعوا على أنفسهم كل شىء.
هذه ليست فترة تراجع عن دور يمكن أن نقوم به لخدمة الوطن يا سيادة المستشار.
وأنا أكتب هذا معتقداً أن وجودك على قمة هرم السلطة التشريعية سيجعلنى وكثيرين مثلى أقل توجساً وخوفاً من أن الحزبية المقيتة أو الصراعات الشخصية الدنيئة ستتغلب على المصالح العليا للوطن.
لا فضل لأحد على مصر، ولكنها هى التى غمرتك بأفضالها. فرد دينها الذى فى رقبتك يا سيادة المستشار وأنت ابن بار بها. استخر واستشر. وعسى الله أن يجعل بين أهل مصر مودة ورحمة وأن يجمع شتات أمرنا لما فيه خير بلادنا.
مع عظيم مودتى، ووافر احترامى.