معتز بالله عبد الفتاح
بقدر ما كان مشهد تنصيب الرئيس الجديد مهيباً ومحترماً، هرمنا من أجل أن نراه فى حياتنا حيث يسلم الرئيس السابق السلطة والمسئولية للرئيس الجديد، بقدر ما كانت ليلة التنصيب مرتبطة بفاجعة تحرش بعض المستهترين بفتاة فى ميدان التحرير.
المفارقة لافتة للنظر.
مصر التى يتحدث عنها الرئيسان عدلى منصور وعبدالفتاح السيسى، مصر متطلعة إلى الأمام، آملة فى مستقبل أفضل، تتحدث عن الحرية المسئولة، وعن التنمية المتوازنة. لكنها غير مصر التى فى الشارع، حيث تتراجع هذه القيم والمفاهيم فلا حقوق ولا التزامات. بل إنه حتى داخل قصر القبة نفسه وبعد أن انتهت المراسم كانت هناك حالة من الهرجلة غير المفهومة. وكأن هدف النظام هو إرضاء الرئيسين وإعطاء انطباع إيجابى أمام الكاميرات. وقد كان.
لكن ما وراء ذلك وما بعده، نعود إلى سابق عهدنا من اللاتخطيط والعشوائية والارتجالية.
وبعد أن تخرج من قصر القبة تجد عدداً كبيراً من أهلنا الذين يصطفون على جانبى الطريق يعبرون عن فرحتهم وتبدو عليهم مظاهر السعادة ولكن تجد أيضاً من يشكو من أن بعض السيارات قد أصابها شىء من التدمير لأن البعض أراد أن يسجل احتفاله بليلة التنصيب بأن يكسر «مرآة سيارة» أو أن يدمر «زجاجها» أو أياً من هذا.
هذه الملامح كلها توضح صعوبة ما نحن مقبلون عليه.
ناظر المدرسة يذهب إلى المدرسة ليجد طلاباً يتنافسون فى اختراق القوانين وفى انتهاك القواعد وإهانة المدرسين، فيحاول أن يدفعهم دفعاً فى اتجاه الانضباط لكنهم يرفضون الانضباط لأنهم ألفوا وسعدوا واستكانوا للفوضى؛ فيقاومون قدر ما يستطيعون.
وهنا تكون المعضلة: هل نحن بصدد انضباط أم استبداد؟
قلت من قبل ما يؤدى إلى الاستبداد ليس فقط المدح المبالغ فيه ولكن كذلك الفوضى التى لا ضوابط لها. العقلية المصرية اعتادت على واقع لا يدعم فكرة النهضة ولا التقدم ولا الانضباط.
نحن بحاجة لأن نعيد تعريف أنفسنا وأن نعيد تربية أنفسنا وأن نعيد تهيئة أنفسنا على قيم جديدة هى حقيقة عكس الكثير مما اعتدناه وما نعيش عليه.
هذه هى معضلتنا الأكبر وهى مهمة صعبة تحتاج وقتاً وجهداً منظماً.
قالوا للإمام محمد عبده: «كم نحتاج لتربية الأمة على قيمة النهضة؟» فرد بأننا بحاجة إلى خمسة عشر عاماً. فقالوا له إن هذا كثير، فقال إن خمسة عشر عاماً ليست كثيرة على تربية أَمَة (أى فتاة) فما بالكم بتربية أُمّة (بضم الألف).
نحن بحاجة للجنة عليا يرأسها رئيس الجمهورية شخصياً لمراجعة ما الذى نقوله وما الذى نفعله كى نكون مجتمعاً بهذه الدرجة من الازدواجية فى الكلام عن القيم وعدم الالتزام بها، مجتمع لا يخشى الرذيلة بقدر ما يخشى الفضيحة.
هذه من مهام الرئاسة الجديدة، وهى لا تقل أهمية عن مهام توسيع العمران وبناء المدن وتشييد المصانع. والله المستعان.