قاعد أنا و«أم ميئش»، القطة بتاعتى، إمبارح نتفرج على التليفزيون. وفجأة لقيتها اتفزعت وبرّقت وتوترت. وبدأت تطلع منها أصوات غريبة.
بحاول أفهم هو إيه الجديد. أتارينى جبت محطة كان فيها نقاش مهم جداً يعبر عن سعة الاطلاع وجم المعرفة وتوقد القريحة بشأن الجن والعفاريت على فضائية من الفضائيات المصرية. «أم ميئش» قطة مثقفة.. بتهتم بقضايا الوطن، ولسة عندها أمل. ونفسها «ميئش» لما يتولد يعيش فى «مصر أفضل».
حاولنا نفهم هو الحوار عن إيه، لغاية ما تبين إن فيه برامج مصرية عظيمة الشأن بتهتم بهذه الأمور.
قالت «أم ميئش»، وهى خبيرة بهذه الأمور: «إيه البلد اللى إعلامها بيناقش الجن والعفاريت بقاله أسبوع ده؟ إنتم معمول لكم عمل، بس إنتم اللى عاملينه لنفسكم.
ثم انفعلت، وقالت: «أشتاتاً أشتوت، شمهورش بيهروشنى وحبرشنى يا حبرشنى. تفتكر شمهورش اللى عاملكم عمل، ولا إنتم اللى عاملين شمهورش؟».
قلت لـ«أم ميئش»: مش عارف، بس أنا كل ما أفتح موقع من المواقع المحترمة زى الإيكونومست البريطانية أو الفورين بوليسى الأمريكية أو الاتحاد الإماراتية أو هآرتس الإسرائيلية أو الشروق الجزائرية ألاقى العالم بيناقش مستقبله فى التعليم والطاقة والبطالة والتكنولوجيا، وإحنا إعلامنا فاتح المندل. مش كله طبعاً، بس جزء ملحوظ منه.
سألتنى «أم ميئش»: طيب هو ده جهل أم محاولة لاستغلال جهل الناس؟
قلت لها: فى مصر، صعب تعرفى إيه الجهل وإيه العلم. أنا اكتشفت إننا مجتمع ليس فقط غير متعلم، ولكنه يكره العلم والعلماء. ينجح فيه الجاهل مدعى العلم، ويفشل فيه العالم الحقيقى. وشوفى من ينعم فى الجهالة ومن يضطر للسفر هروباً بعلمه. قالت «أم ميئش» بصوت رخيم مليان «نوناوه»: «على رأى أم محمود بتاعة الخضار، محاولة استخدام العلم لعلاج مشاكل مجتمع ابن ستين قطة، بيكره العلم، هى محاولة غير علمية فى حد ذاتها».
قلت: «تفتكرى هو مين مسئول عن إيه يا صديقتى الصدوقة؟»
قالت «أم ميئش»: ما هو من قمة الجهل يا «موع موع» إنك حتى ما بتبقاش عارف هو مين مسئول عن إيه. يعنى نشر الجهل بهذا الكم من الاحتراف والرغبة الأكيدة فى جذب الناس لمشاهدة ما يضرهم يؤكد أن كلام الرئيس بتاعكم عن حروب الجيل الرابع غير كاف. ده أنتم فى حروب الجيل الأربعين. وهى أن تكون من التفاهة لدرجة أن تتطوع بتدمير مجتمعك دون أن تكون مدفوعاً بمؤامرة خارجية. يعنى غبى لدرجة أنك غير مدرك الصح من الخطأ مع إنهم المفروض يكونون «الإنتليجينسيا» بتاعة المجتمع.
قلت لـ«أم ميئش»: يعنى إيه «إنتليجينسيا»؟
قالت «أم ميئش»: يعنى النخبة المثقفة (بفتح القاف) المثقفة (بكسر القاف) أى التى عليها أن تتعلم لتعلم الناس. لكن إنتم عندكم إنتليجينسيا جاهلة بتعلم الناس الجهل، وهى تدعى العلم والوطنية. يعنى لو شفت القناة الثانية فى التليفزيون الإسرائيلى مثلاً هتجد أفضل العقول الإسرائيلية بتختار أهم القضايا علشان تضعها على أجندة الناس وتترك التفاهات والتافهين فى غيهم يعمهون.
قلت لـ«أم ميئش»: كفاية كلام فى الموضوع ده. وغالباً لن أسمح لك بمشاهدة التليفزيون تانى، لأن دماغك شكلها هتضرب وتعملى زى حسن عابدين، الله يرحمه، لما كان يمسح على دماغه ويقول: «آه يا دماغى».
قالت «أم ميئش»: يا عم أنا مالى، دى بلادكم وأنتم أحرار فيها. هات لى قنوات الحيوانات. على الأقل هناك الأمور منطقية: الأسد أسد، والحمار حمار، والقرد قرد. إنتم عندكم الحمار أسد، والأسد حمار، والقرد ملك الغابة.
وقبل أن تتثاءب وتتحرك من مكانها، قالت لى: بس لى رجاء أخير يا «موع موع» إبقوا اتأكدوا بعد كده إن رئيس الوزراء بتاعكم بيكون بيعرف يفتح المندل والغوا المدارس والجامعات واتفقوا مع أم حوكشة تعملكم حجاب. شكلكم مكملين فى الملف ده شويتين. لكن لما البلد تضيع ما تقولوش مؤامرات خارجية. إنتم تافهين بما فيه الكفاية. ولما تعرف مين المسئول ما تبقاش تقولى. مش مهم.
وتثاءبت ونامت.