توقيت القاهرة المحلي 03:59:49 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عش كالطير: تفاءل فى زمن التوتر

  مصر اليوم -

عش كالطير تفاءل فى زمن التوتر

معتز بالله عبد الفتاح


لن أتحدث عن «داعش» و«الإخوان» أو السياسة، بل سأتحدث عنى وعنك، عن إنسانيتنا وحياتنا التى لوثها الدم وأضاعها صراع غبى على حطام زائل.

للمؤلف الأمريكى، إرنست هيمنجواى عبارة بليغة تتلخص فى ثلاث كلمات: Live like a bird أى: «عش كطائر».

الطائر يعيش ويكدح ويعمل ويناضل، ولكنه لا يحمل هم المستقبل كثيراً.

قال الشيخ الغزالى فى كتابه «جدد حياتك»:

من أخطاء الإنسان أن ينوء فى حاضره بأعباء مستقبله الطويل.

لماذا تخامرك الريبة ويخالجك القلق؟! عش فى حدود يومك، فذلك أجدر بك، وأصلح لك.

والعيش فى حدود اليوم يتسق مع قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «من أصبح آمناً فى سربه، معافى فى بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها». إنك تملك العالم كله يوم تجمع هذه العناصر كلها فى يديك، فاحذر أن تحقّرها.

وبعض الناس يستهين بما أولاه الله من سلامة وطمأنينة فى نفسه وأهله، وقد يزدرى هذه الآلاء العظيمة، ويضخّم آثار الحرمان من حظوظ الثروة والتمكين. وهذه الاستهانة غَمط للواقع ومتلفة للدين والدنيا.

إن الاكتفاء الذاتى، وحسن استغلال ما فى اليد، ونبذ الاتكال على المُنى هى نواة العظمة النفسية وسر الانتصار على الظروف المُعنتة.

والذين لا يشكون الحرمان -لأنهم أوتوا الكثير- قلما ينتفعون بما أوتوا إذا هم فقدوا الطاقة النفسية على استغلال ما معهم والإفادة مما حولهم. هذه حقيقة يؤكدها النبى الكريم مطلع كل صباح، فيقول: «ما طلعت شمس قط إلا بعث بجنبتيها ملكان يُسمعان أهل الأرض إلا الثقلين: يا أيها الناس، هلموا إلى ربكم، فإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى. ولا غربت شمس قط، إلا وبعث بجنبيها ملكان يناديان: اللهم عجّل لمنفق خلفاً وعجل لممسك تلفاً».

على أن العيش فى حدود اليوم لا يعنى تجاهل المستقبل، أو ترك الإعداد له، فإن اهتمام المرء بغده وتفكيره فيه حصافة وعقل.

وهناك فرق بين الاهتمام بالمستقبل والاغتمام به، بين الاستعداد له والاستغراق فيه، بين التيقظ فى استغلال اليوم الحاضر وبين التوجس المربك المحير مما قد يفد به الغد.

كان لأحد الملوك وزير حكيم وكان الملك يقربه منه ويصطحبه معه فى كل مكان. وكان كلما أصاب الملك ما يكدره، قال له الوزير: «لعله خيرٌ»، فيهدأ الملك.

وفى إحدى المرات قُطع إصبع الملك، فقال الوزير: «لعله خيرٌ» فغضب الملك غضباً شديداً وقال: ما الخير فى ذلك؟! وأمر بحبس الوزير.

فقال الوزير الحكيم: «لعله خيرٌ»، ومكث الوزير فترة طويلة فى السجن.

وفى يوم خرج الملك للصيد وابتعد عن الحراس ليتعقب فريسته، فمر على قوم يعبدون صنماً، فقبضوا عليه ليقدموه قرباناً للصنم ولكنهم تركوه بعد أن اكتشفوا أن قربانهم إصبعه مقطوع.

فانطلق الملك فرحاً بعد أن هرب من الذبح تحت قدم تمثال لا ينفع ولا يضر وأول ما أمر به فور وصوله القصر أن أمر الحراس أن يأتوا بوزيره من السجن واعتذر له عما صنعه معه، وقال إنه أدرك الآن الخير فى قطع إصبعه.

ولكنه سأله عندما أمرت بسجنك، قلت: «لعله خير»، فما الخير فى ذلك؟

فأجابه الوزير أنه لو لم يسجنه، لَصاحَبَهُ فى الصيد، فكان سيُقدم قرباناً بدلاً من الملك، فكان فى ذلك كل الخير.

استمتع بما تملك قَل أو كثر، واحمد الله عليه، وعش كالطير. قال الرسول الكريم (ص): «لو توكلتم على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً (أى تطير جائعة) وتروح بطاناً (أى تعود وبطنها يمتلئ بالطعام). طيب لو لم تعد؟ وإيه يعنى؟ راحت عند اللى خالقها.

قال تعالى: «اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِى الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِى الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ» (الحديد، 20).

وتذكر، واهتف: «ما قل وكفى، خيرٌ مما كثر وألهى».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عش كالطير تفاءل فى زمن التوتر عش كالطير تفاءل فى زمن التوتر



GMT 08:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 08:46 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 08:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 08:44 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 08:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 08:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 08:32 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

GMT 08:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon