توقيت القاهرة المحلي 07:05:12 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لماذا تأتي صافينار وتذهب صفاء؟

  مصر اليوم -

لماذا تأتي صافينار وتذهب صفاء

معتز بالله عبد الفتاح

صافينار هى الراقصة التى جاءت من الخارج لتعيش وتعمل فى مصر، صفاء هى باحثة مصرية فى تخصص دقيق ذهبت إلى الخارج كى تعمل والتقيت بها منذ يومين، وحاولت أن أفهم منها كيف يمكن لمصر أن تستفيد منها، فتبين لى أنها طرقت كل الأبواب المتاحة ولكنها وجدت من يخاف منها لأنها أعلم، ومن يتربص بها لأنها أكفأ، فقررت أن تزور الأهل والأصدقاء وتعود من حيث جاءت: لا فائدة ولا استفادة، ولا ضرر ولا ضرار.

فى مارس 2010 كتبت مقالاً بعنوان: «أين ذهب زملائى فى فصل أولى 15؟»، ناقش هذا المقال هماً عاماً حتى وإن بدا من العنوان أنه يناقش قضية شخصية، تبدأ القصة حين التحقت فى عام 1986 مع عدد من متفوقى الشهادة الإعدادية بفصل المتفوقين الذى كان يحمل رقم (15/1) فى المدرسة الإبراهيمية الثانوية فى قلب القاهرة، وكان هذا الفصل يضم 35 طالباً ممن حصلوا على 93 بالمائة أو أكثر فى امتحان الإعدادية فى مدارس القاهرة المختلفة، وقد كان هذا الجمع من الطلاب يمثل بحق نخبة من بذور علماء ومفكرين وباحثين مرموقين فى المستقبل إن توافرت لهم بيئة صالحة تشجعهم على العلم وتفيد من اجتهادهم، وقد خصصت إدارة المدرسة لهذا الفصل عدداً ممن اعتبرتهم أفضل الأساتذة فى كل المواد العلمية، حتى وإن اختلف تقييم الطلاب لأداء بعض هؤلاء المدرسين الأفاضل.

تمر الأيام ونتخرج من مدرستنا العزيزة إلى جامعة القاهرة بين كليات الطب والهندسة والصيدلة والعلوم والحقوق والاقتصاد والعلوم السياسية، وكلما مرت سنة، ضعفت روابطنا بحكم تباين الاهتمامات وتباعد المسافات، ولكن كان الخبر يأتى إلى أحدنا بأن الزميل هشام هو أول دفعته فى كلية الهندسة قسم مدنى، والزميل عمرو هو أول دفعته فى كلية الهندسة قسم اتصالات، وأن «فلان وعلان» هما من الأوائل على الدفعة فى كلية طب قصر العينى، وقد كان خبر تفوق أى زميل دافعاً مضاعفاً لكل الزملاء بأن يدعوا الكسل وأن يشحذوا الهمم، وكل فى كليته، قد أحسن وأضاف بقدر ما استطاع، ولم يكن مستغرباً أن يُعيّن معظم الزملاء معيدين فى كلياتهم بحكم أنهم أوائل دفعاتهم.

وتمر السنون، وتتفرق بنا السبل ليس بين كليات متقاربة فى جامعة واحدة، وإنما فى بلدان لا يجمعها رابط إلا أنها انتصرت للعلم ونصرت أهله بأن وفرت لهم بيئة صالحة يجمعون فيها بين العمل لله (أى بما لا يتعارض مع نواهيه)، والعمل للوطن (أى بما لا ينال من مصالحه)، والعمل للحياة الكريمة لأن أياً منا لا يستطيع بحكم الفطرة أن يقبل حياة تهينه أو ذويه، علمت من أحد زملائى أنه لا يوجد فى مصر من بين هؤلاء الـ35 متفوقاً سوى خمسة تقريباً، أما الآخرون فهم فى زوايا الأرض الأربع باحثين وعلماء، أطباء ومهندسين يبنون حياتهم بعيداً عن الوطن، لأنه كان عليهم الاختيار، وما دمنا قد اخترنا فقد ضحينا: إما التضحية بالعمل لله ومن ثم إتيان الحرام، أو التضحية بالحياة الكريمة وقبول ما لا يقبله راشد، وهما تضحيتان لا يقبلهما إنسان سوى، ومن هنا كانت تضحيتهم بالعمل للوطن داخل الوطن، وهو ما قد يُفهم على أنه ليس نقيضاً لأن يعمل المرء للوطن حتى وإن كان خارج الوطن، فأكثر من 60 بالمائة من الأبحاث التى يجريها الباحثون الإسرائيليون تكون فى جامعات أوروبية أو أمريكية لكنها تتم بالتعاون بين الجامعات الأم فى إسرائيل وهذه الجامعات الكبرى فى العالم، ثم ذكرت فى المقال المشار إليه أن القائمين على شئون الوطن لا يرون قيمة أو فائدة من أولئك العاملين فى الخارج، وهو ما يتناقض مضموناً ويتعارض قطعاً مع الحديث عن جهود مصر لتحقيق التنمية، فيبدو أن السادة المسئولين معنيون أكثر بسؤال «ما» الذى تصدره مصر و«ما» الذى تستورده من الخارج؟ ولكنها غير معنية بسؤال «من» الذين تصدرهم مصر و«من» الذين تستوردهم من الخارج؟ بل إنها حتى ليست معنية بأن تعطيهم حقهم فى أن يشاركوا أقرانهم فى الوطن فى عملية انتخاب البرلمان والرئيس، لأنها تعلم يقيناً أن هؤلاء قد خرجوا من الكهف ويشعرون بالأسى لما آلت إليه أوضاع مصر «اللى تتقدم بينا» دون أن ندرى، ولو اختاروا فإنهم سيختارون معاقبة من أساء لوطن يستحق أفضل وأكثر كثيراً مما نحن عليه. إن مصر تصدر للعالم الخارجى أفضل عقولها، علماء ومفكرين ومهندسين ومدرسين بل وعمالاً حرفيين، أى أنها تصدر للخارج كل بناة النهضة وحملة مشعل التقدم وفى المقابل تستورد «أهل الدعة والسكون» كما قال ابن خلدون، من مدربى ولاعبى الكرة، ومغنى وممثلى العرب أى أهل التسلية والفرفشة، لا سيما أنهم لا يقدمون لنا فى أعمالهم الفنية فضيلة تُرجى أو معلومة تُفيد إلا فيما ندر، فمصر بالنسبة لهم ملهى ليلى ضخم واستوديو مهول، وحتى لا يبدو الأمر ضرباً من الخيال فلنستدع مثالاً استثنائياً لقيادة عبقرية تعلم القيمة الضخمة لأبناء الوطن فى الخارج، بما لا ينال من مكانة وعطاء نظرائهم فى الداخل، هذا المثال ارتبط باسم مهاتير محمد، رئيس الوزراء الماليزى الذى أرسل إلى الطلاب الماليزيين رسالة بعد أن تولى الحكم فى ماليزيا فى عام 1981 بألا تعودوا الآن، نعم قال لهم لا تعودوا الآن، امكثوا حيث أنتم تعلموا واكتسبوا مهارات أكثر وخبرة أوسع حتى نعيد تخطيط مؤسسات الدولة والمجتمع بما يجعلنا قادرين على الإفادة منكم، ولكن سجلوا أسماءكم وتخصصاتكم وعناوينكم مع القنصليات الماليزية فى الخارج، حتى تعرف ماليزيا الوطن أين يعيش خيرة أبنائها حتى تستدعيهم لخدمتها، وقد كان! وهكذا نهضت ماليزيا بين 1981 وحتى تاريخ كتابة هذا المقال لتكون نمراً يستطيع الماليزى أن يجمع فيها وعلى أرضها بين العمل لله والوطن والحياة الكريمة دون أى تناقض أو شعور بالاغتراب أو الاستلاب (أى شعور الإنسان بالعجز عن تغيير واقعه).

ما دام أفضل عقول مصر يختارون السفر تحت شعار: «الله، الوطن، الهجرة» وما دام أهل الدعة والسكون والترفيه والمجون هم المقدمين، فإن ميزان الحياة فى مصر لا يستقيم.

ووعد الرئيس السيسى بعمل وزارة للمصريين فى الخارج، قد يكون نقطة بداية للاستفادة من هؤلاء وربطهم بالوطن مرة أخرى، وستظل المعضلة الأكبر هى لماذا يضطر المتفوقون إلى الهجرة وما العمل؟ وهذا موضوع نقاش آخر.

قولوا يا رب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا تأتي صافينار وتذهب صفاء لماذا تأتي صافينار وتذهب صفاء



GMT 07:05 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

اللغة التى يفهمها ترامب

GMT 07:04 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

رجال الأعمال والبحث العلمي

GMT 07:03 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

نهايتان!

GMT 07:02 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

«غزة الأسود»: شهادة على مأساة إنسانية

GMT 07:01 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

القصة مُدرس ومَدرسة

GMT 07:00 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

سعادة لا يطالها أمثالُنا

GMT 06:59 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

عصر ترامب؟!

GMT 06:58 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

الديكتاتورية فى أمريكا

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon