توقيت القاهرة المحلي 22:14:20 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل «داعش» تمثل الإسلام؟

  مصر اليوم -

هل «داعش» تمثل الإسلام

معتز بالله عبد الفتاح

قال الرئيس الأمريكى باراك أوباما، منذ أسبوعين إن «حركة داعش لا تمثل الإسلام».

وكانت هذه فرصة لكثيرين من ناقدى الإسلام، بل ناقدى الأديان كلها، لرفض مقولة الرجل وشن حملة على الأديان ومن ضمنها، بل على رأسها، الإسلام. ومن هؤلاء كان «بل مار» (Bill Maher) أحد مقدمى البرامج المهمين فى الولايات المتحدة، الذى أدار نقاشاً ليؤكد فيه: «أن داعش فيها الكثير من الإسلام، بل هى تمثل الإسلام وحتى إن لم يُرد الرئيس الأمريكى أن يقول هذه الحقيقة جهاراً لأسباب سياسية».

يذكّرنى هذا الجدل بمقولة للشيخ محمد الغزالى، رحمة الله عليه، تقول: «إن المسلمين جدار كثيف بين العالمين ودينهم» يقصد إن سلوك المسلمين خلق فجوة هائلة بين حقيقة الإسلام وغير المسلمين، فحين ينظر غير المسلمين إلى الإسلام من خلال هذا الجدار الكثيف الذى هو نحن المسلمين يزداد اقتناعاً بأن هذا ليس الدين الحق.

كتب «رضا أصلان» (Reza Aslan) مقالاً فى «نيويورك تايمز» يناقش قضية علاقة المسلمين بالإسلام والمسيحيين بالمسيحية واليهود باليهودية من منظور أيهما يؤثر فى الآخر.

وكنت دائماً ما أشرح لطلابى فى الجامعة المعادلة التالية:

النص المقدس + العقل البشرى + البيئة الحاضنة = التفسير الدينى

النص الدينى ديناميكى ولا يعيش فى فراغ. والمقصود أن النص لا يتم التعامل معه بمعزل عن سياقه، وإنما هو متفاعل بالضرورة مع البيئة ومع العقل القارئ للنص والمتفاعل معه. وهذا هو ما يجعل أحدنا يلتقى مسيحياً فى جنوب مصر يفهم نفس نصوص الإنجيل بطريقة تختلف كثيراً عن الطريقة التى يفسرها بها مسيحى من شمال العراق أو غرب السنغال أو فى أىٍّ من بقاع العالم المختلف. وينطبق هذا على معظم النصوص فى معظم الأديان، وبالذات فى النصوص التى لها دلالات تاريخية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية وتقتضى من المخاطب بها أن يرسم حياته وفقاً لها.

بل حتى داخل الدين الواحد وداخل النص المقدّس الواحد يتفاعل العقل البشرى معها على نحو يغلب آية على آية أو سياقاً على سياق. ففى التوراة، هناك نص يدعو اليهود أن «أحبوا جيرانكم كما تحبون أنفسكم» (Leviticus 19:18) ولكن هناك نصاً آخر يدعوهم أن: «اقتلوا كل رجل وكل امرأة، طفل ورضيع، خراف وماشية، جمال وحمير» ممن يعبدون رباً آخر (Sam 15:3).

وفى الإنجيل، يقول السيد المسيح عليه السلام، لحواريه: «أدر خدك الآخر لمن يضربك» (Matthew 5:39)، ولكن هناك نصاً آخر يقول لهم «أنا لم آتِ كى أجلب السلام، بل جئت للسيف» (Matthew 10:34)، ثم يقول لهم «من لم يشترِ سيفاً، فعليه أن يبيع ما يملك ويشترى سيفاً» (Luke 22:36).

وفى القرآن الكريم: «مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا»، وهناك آية أخرى فى سورة «التوبة» تقول: ««فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ».

مفهوم لكل معتدل فى تديّنه أن لكل آية سياقها، وأن آيات القرآن الكريم التى نزلت لحض المؤمنين على القتال نزلت وهم أقرب إلى ساحة المعركة، بل ربما وهم فيها. وبالتالى لا مناص من الحرب. ومفهوم كذلك لكل معتدل فى تديّنه أن الآيات التى تحضّ المؤمنين على السلام هى الأصل الذى يكون الخروج عليه حين يحدث اعتداء.

ولكن مرة أخرى، هذا فهم «معتدل» ويمكن أن يقول أحدنا هذا هو الفهم الصحيح. لكن هنا احتجنا لأن نفرّق بين «فهم» معتدل و«فهم» غير معتدل. ومن هنا يأتى الدور الأساسى الذى يلعبه العقل البشرى والبيئة الحاضنة. وهما معاً فى أحيان كثيرة من يحددان معنى النص، وليس النص بألفاظه.

النص ثابت لم يتغير منذ قرون طويلة، ولكن ما يتغير هو العقل المتفاعل والبيئة الحاضنة، فنجد الشخص نفسه حينما يسافر من بيئة إلى أخرى، قد يتغير فهمه للنص. ونجد داخل البيئة نفسها شخصين لكل منهما فهمه للنص.

لا يهود إسرائيل يفكرون بنفس طريقة يهود روسيا، أو يهود أمريكا اللاتينية لهم نفس معايير الحكم على الأشياء مثل يهود المغرب. وهو ما ينطبق على أتباع كل دين. وعلى هذا فإن ناقدى الأديان عليهم دائماً أن يفرّقوا بين الأديان المختلفة، بل وأن يفرقوا بين الفرق والمدارس والحركات المختلفة داخل الدين الواحد، بل أزعم أننا نعيش عصراً يمكن أن يزعم فيه الإنسان أن هناك من أنماط الدين بقدر ما فيه من منتسبين للدين. بل إن الكثيرين ينتسبون إلى الدين انتساب «الهوية والتعريف» وليس انتساب «الإيمان والتصديق».

أعود إلى النصوص السابقة، وهى فى معظمها اقتباسات من مقالة «بل مار» المشار إليها، لأقول إن العقل البشرى والبيئة الحاضنة (لا سيما البيئة السياسية والاقتصادية) هى التى جعلت قساوسة أوروبيين يدعمون ويجمعون الأموال للحملات الصليبية ضد بلدان المسلمين، فلجأوا للنص الذى يدعم شراء السيف. واتخذوا من حادثة حرق إحدى الكنائس المهمة فى عهد الفاطميين ذريعة لإعلان الحرب المقدسة على المسلمين الذين كانوا يضطهدون المسيحيين فى الشرق.

ولكن حين بدا أن الانتصار التام على المسلمين كان مشكوكاً فيه إلا بتكلفة مبالغ فيه، لجأوا إلى الآيات التى تتحدث عن السلام ومهادنة المسالم وإدارة الخد الأيسر إذا ضُربت على خدك الأيمن.

ولا ننسى الجدل الذى ثار حين قرّر الرئيس السادات أن يعقد صلحاً مع إسرائيل بين من اعتبر أن الصلح غير شرعى، مستنداً إلى آيات وأحاديث، لأن إسرائيل مغتصبة لأرض عربية، وقاد هذا التوجه الشيخ القرضاوى، فى مواجهة من اعتبر أن الصلح جائز شرعاً، مستنداً إلى آيات وأحاديث أخرى، بل وتفسيرات مختلفة للآيات والأحاديث نفسها التى استند إليها الفريق الأول، وقاد هذا الفريق الشيخ ابن باز.

وبدلاً ما كان الشعار المرفوع هو «قَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ» تحول إلى «وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا».

قصارى القول:

1- أبناء «داعش» مسلمون، لا نستطيع أن ننفى عنهم ذلك وإلا نكون مثلهم، نكفّرهم مثلما يكفروننا، و«داعش» بنتنا.. من صلبنا.. ناس متخلفة زينا، بس هم أكثر تخلف شويتين. لكن نفس البيئة الحاضنة المتخلفة التى أنتجتنا، تفاعلت مع عقول أكثر تطرفاً منا فى فهم النصوص وفى التأثر بالواقع المعاش، فلجأت إلى نصوص دينية وفسرتها فى اتجاه يخدم فكرها. هم لم يتأثروا بالدين بقدر ما هم وظّفوا الدين لخدمة ما فى عقولهم.

2- الأديان حمّالة أوجه ويمكن أن تستخدم لخدمة الحق كما يمكن أن تستخدم لخدمة الباطل، وضعف الدين عن حمل الناس إلى الحق لا يرجع إلى ضعف الدين، ولكن يرجع إلى ضعف القائمين عليه.

3- أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً وجميع أنبيائه رسل الله.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل «داعش» تمثل الإسلام هل «داعش» تمثل الإسلام



GMT 08:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 08:46 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 08:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 08:44 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 08:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 08:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 08:32 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

GMT 08:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 11:43 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تامر حسني يدعو لتبني طفل عبقري

GMT 14:33 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا العبدالله تستمتع بوقتها مع حفيدتها

GMT 07:55 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتقاضى 634 ألف دولار يومياً مع النصر السعودي

GMT 09:37 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السيارات الكهربائية في طريقها لتراجع كبير

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

مرشح رئاسي معتدل ينتقد سياسة الحجاب في إيران

GMT 05:33 2021 الأحد ,26 كانون الأول / ديسمبر

جالطة سراي يخطر الزمالك بتفعيل بند شراء مصطفى محمد

GMT 03:52 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تدريس الرياضيات يحسّن من مستوى الطلبة؟
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon