بقلم - أسامة الرنتيسي
ليست المرة الأولى التي تقع فيها أفعال “بلطجة” في نقابة المحامين، فما زلنا نذكر ما وقع في 25 / 5 /2015، في انتخابات النقابة ووصلنا يومها فعلًا إلى مرحلة صعبة لا بد فيها من تغييرات سريعة، وإلّا فإننا ذاهبون إلى “البلطجة” في كل شيء.
مرة ثانية وقع “الجمعة” في اجتماع الهيئة العامة، وتجاوز الأمر إلى الكراسي والأيدي، ولولا لطف الله لوقع ما لا تحمد عقباه.
إذا كان جسم نقابة المحامين الذي يفترض فيه أن يكون الجسم الأكثر حساسية للعدالة، تحدث عنده شبهات ومشادات بهذا الشكل من أشكال “البلطجة” فإننا في مواجهة أزمة أخلاقية ضربت القيم، وكل ما هو جميل في حياتنا.
الحل بوضوح، ومن دون مواربة، هو في التغيير، الذي لا بد أن يقع في النظام الانتخابي، لأن “نظام الغلبة” في الانتخابات لم يعد له مكان في الواقع بعد أن تشبّع المواطن البسيط بالحقوق والديمقراطية والمشاركة في صنع القرار، ومن دون تغيير بنية الأنظمة الانتخابية إلى قوائم نسبية، يحصل كل إنسان على حصته التي يمثلها في الموقع الموجود فيه، من دون إقصاء، ولا شطب للوزن الانتخابي الذي حصل عليه، فسنبقى أسرى العصبيات، والعودة للبلطجة حتى نضمن أن لا يَشطُب حقَّنا أحدٌ.
لم تعد لنظام الغلبة قدمان يمشي عليهما في الواقع، فالنقابات المهنية، بيوت الخبرة، وساحة الطبقة الوسطى، والنخبة المتعلمة، تستطيع أن تشق طريق التغيير والتطوير في حياتنا السياسية، من خلال الانتقال فورًا إلى تغيير انظمة الانتخاب، إلى التمثيل النسبي، بحيث تقدم أنموذجًا متقدمًا في التغيير الذي يتحدث عنه الجميع، لكن من دون أن يدفع طرف فاتورته.
بعد أن انتقلت أهم انتخابات في البلاد (الانتخابات النيابية) إلى القوائم النسبية فلا حجة للنقابات المهنية ولا العمالية من البقاء تحت رحمة قوانين المغالبة، فالقوانين هي مربط الفرس الحقيقي للتغيير، وشرطها العدالة للجميع، بحيث يتم إنصاف الناس جميعا، ولا يضطر أحدهم إلى البلطجة لانتزاع حقوقه.
لقد فقد غالبية الأردنيين الثقة في أي انتخابات تقع، وهاجس التزوير وصل إلى كل الانتخابات، حتى انتخابات الجمعيات الأسرية، واذا لم تعالج هذه الثقافة الأخلاقية التي أصابت الأردنيين، فإننا في مواجهة مرحلة لن نجد فيها أردنيًا يذهب إلى صناديق الاقتراع مؤمنًا بضرورة التغيير والمشاركة، لأن التجارب المريرة التي مر بها، خلقت لديه قناعة بأن الصوت الذي يدلي به ليس ضروريا أن يذهب إلى صاحبه، بل إلى من تريده القوى المتنفذة.
علينا مغادرة مرحلة “هَيّْنا لقينا صندوق” و”كشوفات مفقودة” و”غرف سوداء في الفرز” و”ورقة اقتراع سقطت في أثناء الفرز”.
مهما تحدثنا عن الإصلاح السياسي الشامل في البلاد، وعن الأهداف المعلنة وغير المعلنة للمشتغلين بالحراك في الشارع، فإن مربط الفرس في أي تطور تجاه الإصلاح يرتبط عضويا بالانتخابات والمحافظة على نزاهتها، وكما يقول المخضرم محمد داودية “نزاهة الانتخابات أهم من قانونها” فإننا في لحظة الفحص الحقيقي لنوايا الإصلاح السياسي، أما إذا بقي حالنا شبيه بالانتخابات في سنوات مضت، كل شيء “مهندس ومرتب ومتكتك” فإننا “نشتري الوقت حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا” مثلما يقول أبو جورج.
الدايم الله….