د.أسامة الغزالي حرب
فى مساء الأربعاء الماضى روعتنا أنباء الجريمة الإرهابية الدموية البشعة التى وقعت فى باريس ضد صحفيى مجلة «شارلى إبدو» الفرنسية، التى راح ضحيتها أربعة من أبرز رسامى الكاريكاتير فى الصحيفة فضلا عن رئيس تحريرها على يد مجموعة من المسلحين «الإسلاميين»!
حقا، إن الصحيفة مشهورة ومعروفة بمعالجتها الساخرة والحادة لكل القضايا والشخصيات التى تتناولها، ولا قداسة عندها لأى نبى أو قديس أو رجل دين إو زعيم سياسى، وهى تسخر من بابا روما ومن حاخامات اليهود، مثلما استباحت لنفسها السخرية من رموز الدين الإسلامى، وفق المعايير السائدة لحرية التعبير فى أوروبا كلها، ولكن يبدو أن غلطتها القاتلة كانت هى السخرية من زعيم داعش أبو بكر البغدادى، فكانت هذه الجريمة الشائنة التى لم تعرف لها فرنسا مثيلا منذ عقود، وهى فى نفس الوقت جريمة ضد الثقافة وضد حرية التعبير.
إننى اتصور أن تلك الجريمة البشعة سوف تكون نقطة تحول مهمة فى فرنسا، وفى أوروبا كلها، بل وفى كل بلاد العالم فى الحرب ضد الإرهاب الذى يرتكب باسم الإسلام والمسلمين. غير اننى فى مساء اليوم التالى (الخميس 8/1) وبدعوة من أخى وصديقى العزيز د. ممدوح حمزة استمتعت بمشاهدة مسرحية «بحلم يامصر» لنجوم المسرح القومى على مسرح الأزبكية التى كتبها نعمان عاشور وأعدها وأخرجها عصام السيد وقام بدور البطولة فيها الفنان على الحجار مع نخبة من نجوم المسرح القومى المتميزين، والتى تدور حول سيرة ابن مصر النابغة رفاعة الطهطاوى. ولم يكن من الممكن أن أقاوم الخواطر التى تواردت إلى ذهنى وأنا أتابع مشاهد المسرحية التى تستعرض حياة الطهطاوى فى باريس منذ مائة وتسعين عاما، وبين ماحدث الأربعاء الماضى هناك!
وكأن بلادنا، او بالأدق بعض الذين يعيشون فيها، يعودون إلى الخلف، ولا يتقدمون أبدا للأمام. لقد رأى الطهطاوى فى باريس الحرية و الديمقراطية والجمال والإبداع، ورأى فيها مظاهر عديدة للحريات وحقوق الإنسان فاستوعبها وتمثلها وحلم بتحقيقها فى بلده مصر. ولكن من المؤكد أن رفاعة الطهطاوى لم يكن ليتخيل أبدا أنه بعد مائة وتسعين عاما من رحلته إلى باريس سوف يقوم أفراد «مسلمون» بفتح النار على أبناء تلك المدينة التى أحبها، ويقتلون صحفيين وفنانين فى عقر دارهم! أما العرض المسرحى فى الأزبكية واختيار الوزير المبدع جابر عصفور له ليكون البداية لاستئناف نشاط المسرح القومى، فيستحق حديثا آخر.