بقلم : د.أسامة الغزالي حرب
فى عام 1975 زرت باريس لأول مرة، كان عمرى آنذاك ثمانية وعشرين عاما، وكنت عضوا فى وفد للجهاز المركزى للمحاسبات فى الطريق لمؤتمر فى ياوندى عاصمة الكاميرون. نزلت أتمشى فى الشانزليزيه، وفى يدى قطعة من الحلوى أخرجتها من غلافها الذى ألقيته بتلقائية وأنا أهم بأكلها، وعلى الفور فوجئت بشخص «يزغدنى» بقوة من الخلف، فاستدرت لأجد رجلا عاديا يشير لى بصرامة إلى الوريقة التى ألقيتها، ففهمت مقصده وألتقطت الورقة من الأرض لأضعها فى إحدى السلال المنتشرة فى الشارع! كان ذلك هو الدرس الأول لى فى عاصمة النور.
إن النظافة سلوك وثقافة وحضارة، قبل أى شيء آخر. قفز إلى ذهنى هذا الخاطر وأنا أقرا ماجاء أمس فى «الأهرام والمصرى اليوم»، عن اجتماع 3 وزراء و4 محافظين لتأسيس شركة قابضة للنظافة. هذا تعبير غير دقيق، قولوا شركة لجمع وتدوير القمامة، فمهمة جمع القمامة هى بلا شك فى مقدمة مهام الأجهزة المحلية فى المدن، وقد عاصرنا فى العقود القليلة الماضية فى القاهرة عربات الزبالة الكارو التى يجرها حمار، وكانت تؤدى دورها على نحو طيب برغم مظهرها غير الطيب. ومن سافر منا إلى الخارج تعود على صوت عربات القمامة العملاقة التى تجمعها فى الليل و تنظف الشوارع. غير أنه من الغريب أننا ونحن فى العقد الثانى من القرن الحادى والعشرين، وفى القاهرة، لا نزال نعانى من مشكلة التخلص من القمامة ونناقش مشكلات جمعها وتدويرها. على أى حال، أتمنى ألا نتحدث عن شركات أجنبية كما حدث للأسف من قبل وأن تتصدى شركة أو شركات خاصة مصرية لتلك المهمة، مهمة جمع القمامة، أما النظافة فهى شىء آخر، هى كما قلت سلوك وثقافة وحضارة.
وقد لاحظ مستشرقون ورحالة زاروا مصر قديما، التناقض بين النظافة الشخصية للمصريين... وبين قذارة الشوارع! ذلك أمر مطلوب علاجه بالتغيير الثقافى والسلوكى، وليس بشركة قابضة او تابعة أو غيرها!