د.أسامة الغزالي حرب
عندما تحدث مشكلة مثل تلك التى حدثت بين وزارة الداخلية ونقابة الصحفيين فى بلد ديمقراطى «حقيقى».. فإن الاغلب هو أن وزير الداخلية سوف يستقيل من منصبه وأن هذه الاستقالة سوف تنهى الازمة كلها، لتلتفت البلاد إلى ما هو أهم! إن الاستقالة هى احدى الآليات التى يعرفها العالم الديمقراطى كله، وعلى كل المستويات، بدءا من رؤساء الجمهوريات و حتى الوزراء وكبار الموظفين. هل أذكركم باستقالة الجنرال ديجول من رئاسة الجمهورية فى فرنسا عام 1969 عندما لم يحصل على القبول الشعبى الكافى للاصلاحات السياسية والإدارية التى كان يقترحها؟ أو باستقالة الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون عام 1974 عقب فضيحة ووترجيت؟ ويتذكر جيلى بالطبع استقالة وزير الحربية البريطانى جون بروفيمو بعد فضيحة كشف علاقته بكريستين كيللر، والتى أدت أيضا إلى استقالة رئيس الوزراء ماكميلان؟... وألم تعرف مصر الديمقراطية أيضا قبل 1952 استقالة عدلى يكن عام 1921 واستقالة سعد زغلول عام 1923.... إلخ غير ان تقليد الاستقالة تقلص بشدة بعد ذلك فى فترة الحكم السلطوى الطويل فى مصر طوال ستين عاما بين ثورتى 23 يوليو 1952 و25 يناير 2011. فلا نتذكر فيها إلا حالات نادرة مثل استقالة كمال الدين حسين أو استقالة د. محمد حلمى مراد وكلتاهما كانت أمرا شاذا وغير مقبول! ومع ذلك فإن جمال عبدالناصر نفسه لم يجد مفرا من الاستقالة أو «التنحى» عن الحكم عقب هزيمة 1967. وللأسف فإن النظام القائم اليوم فى مصر، بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو لا يمكن وصفه إلا بأنه نظام «يسعى لأن يكون ديمقراطيا». فى هذا السياق كتبت عمود 27 مارس الماضى، عقب اكتشاف جثة الطالب الإيطالى جوليو ريجينى، تحت عنوان «استقل يا وزير الداخلية» موقنا أن تلك الاستقالة كانت هى الحل الوحيد لحفظ ماء وجه النظام المصرى وكرامته، ولكن هذا لم يحدث بالطبع! والآن وقد حدثت واقعة أو فضيحة أخرى باقتحام مقر نقابة الصحفيين، أطالبه ــ مرة أخرى ــ بالاستقالة.