د.أسامة الغزالي حرب
هل شاهدتم صور الجثث الملقاة في الشوارع, وتلك المحمولة علي عربة كارو في أسوان عقب الاشتباكات القبلية المشينة هناك, وكأنها صور التطهير العرقي في رواندا التي اقشعرت لها أبدان العالم يوما ما؟.
أعلم أن في تشبيهي ذلك مبالغة, ولكنه الخوف و الحرص علي روح مصر! هل هذه هي أسوان إحدي أجمل مدن مصر و واحدة من أجمل مشاتي العالم؟ هل كان أكثر الناس تشاؤما يتصور أن يقتل مصريون بعضهم بعضا علي الهوية؟ علي العرق؟ أين التعليم, أين الإعلام, أين أجهزة الثقافة؟ أين الدستور, وأين المواطنة؟ في أسوان- في حدود علمي وخبرتي المباشرة- قصر للثقافة فاخر و مشرف, وفي أسوان أيضا مالايقل عن ستة بيوت للثقافة, كانت يوما, ويمكن أن تكون دائما, منارات للإبداع الفني و الأدبي وللتفاعل الفكري بين مواطني أسوان بكل انتماءاتهم.ماذا فعلت تلك القصور و البيوت؟ نعم, هناك تقصير أمني فادح يجب ان يكون محلا للتحقيق و المحاسبة, وأوكار المخدرات وكميات السلاح الهائلة التي تدفقت, هناك جرائم ينبغي القضاء عليها, فضلا عن معدل البطالة المفزع, الذي ضاعف منه شلل النشاط السياحي.ولكن علينا أن نعترف بأن المحنة في أسوان هي محنة ثقافية في المقام الأول, هي الواقع المؤلم للقيم و التقاليد و الممارسات التي تكرس للقبلية, بعيدا عن روح المواطنة! لقد كان مهما سفر رئيس الوزراء إلي هناك لاحتواء الموقف, ولكن لم يكن غريبا أن تجددت بعد عودته للقاهرة أعمال العنف و القتل, فالسلاح المتراكم والمخدرات وجيوش العاطلين لن تختف بين يوم وليلة! ينبغي التصدي للقيم و التقاليد البالية التي فرضت نفسها في غياب أي جهد ثقافي مخطط و مدروس طوال السنوات الماضية! أدعو ان يذهب إلي أسوان شخصيات اسوانية ونوبية لها مكانتها مثل علاء الأسواني ومحمد منير. علينا أن ننبه أبناء النوبة و أسوان إلي أن مايحدث يدمر بلدهم وسمعتها, ويضرب في مقتل النشاط السياحي الذي هو عصب الاقتصاد في أسوان, والأهم من ذلك أنه يصيب و يهين روح مصر التي لم تعرف أبدا ذلك العنف العرقي المشين, وسوف تلفظه بسرعة بإذن الله!
"الأهرام"