د.أسامة الغزالي حرب
أعتقد أن كثيرين سوف يتفقون معى فى تقدير أن دار الأوبرا المصرية تشهد هذه الأيام نشاطا ملحوظا ومتميزا، يضعها فى مقدمة منارات الثقافة فى مصر. ذلك أمر لايمكن فصله- فى الواقع- عن شخصية د.إيناس عبد الدايم رئيسة الأوبرا.
لقد تعرفت على د. إيناس شخصيا لأول مرة بمناسبة القرار الشهير الذى صدر من وزير الثقافة الإخوانى بإنهاء انتدابها! وكان ذلك بمثابة الشرارة التى غذت إعتصام المثقفين بوزارة الثقافة ، والذى كان بدوره المقدمة للإطاحة بالحكم الإخوانى من مصر كلها! حقا، لقد لفتت تلك الواقعة الأنظار إلى إيناس، ولكنها فى الحقيقة- وكما تثبت كل يوم- تقف فى الصف الأول من الشخصيات النسائية البارزة فى مصر و العالم العربى كله.إن إيناس تجلس اليوم فى المقعد الذى سبقتها إليه ماجدة صالح و رتيبة الحفنى وناصر الأنصارى ومصطفى ناجى وطارق على حسن وسمير فرج وعبد المنعم كامل، ولكن إيناس لها وزن و مكانة خاصة،مما يجعلها ليس فقط رئيسة لدار الأوبرا، وإنما هى تضفى فى الحقيقة، على تلك الدار العريقة، مكانة تليق بها مصريا ودوليا.إن «دار الأوبرا» هى إحدى علامات التميز الثقافى المصرى بلا منازع، منذ إنشاء «دار الأوبرا» الخديوية (ثم الملكية) والتى كانت الاولى من نوعها فى الشرق الأوسط و إفريقيا، التى افتتحها الخديوى إسماعيل رسميا فى عام 1871 بأوبرا عايدة لفيردى. وللأسف، وبعد مائة عام بالضبط، فى أكتوبر 1971احترقت أوبرا القاهرة فى واحد من أكثر الأحداث مأساوية فى التاريخ المصرى المعاصر! غير أن ماتقوم به إيناس اليوم من نشاط إنما يعيد للأوبرا المصرية أمجادها، سواء من خلال الأنشطة فى أوبرا «القاهرة» نفسها، أم فى المسارح التابعة لها فى الإسكندرية و دمنهور و مسرح الجمهورية بالقاهرة كذلك معهد الموسيقى العربية.وليس ذلك مستغربا من إيناس ذات التاريخ العلمى والفنى المرموق، منذ أن حصلت على شهادتها بامتياز من كونسرفتوار القاهرة، والدكتوراه بمرتبة الشرف من فرنسا، لتصير واحدة من أشهر عازفات الفلوت فى العالم، فضلا عن حصولها على جائزة الدولة التشجيعية عام 2001. إن ماتقوم به إيناس يعيد إلينا حلم صلاح جاهين بأن توجد يوما «تماثيل رخام عالترعة و أوبرا فى كل قرية عربية!» لا، أنا أحلم بما هو أقل، وذلك حديث آخر.
"الأهرام"