د.أسامة الغزالى حرب
قالت لى أمى رحمها الله- اننى ولدت يوم «شم النسيم»! ولكن شم النسيم لا يأتى فى نفس اليوم من السنة الميلادية،
وإن كان يأتى فى الربيع. غير أن اعتزازى بيوم «شم النسيم» له أسباب أخرى، فهو فى الحقيقة أحد ملامح الخصوصية المصرية الثقافية والحضارية، إنه رمز للاستمرارية المصرية منذ آلاف السنين، السابقة لكل الأديان، والعابرة لكل الطبقات والفئآت الإجتماعية! فالإحتفال بشم النسيم يعود إلى مايقرب من خمسة آلاف عام، وارتبط فلكيا، فى توقيته العبقرى، بالإنقلاب الربيعى الذى رصده المصريون القدماء، أى تساوى الليل والنهار. وأخذ اليهود عن المصريين احتفالهم به، فجعلوه عيدا لهم تحت مسمى «عيد الفصح». وعندما دخلت المسيحية مصر ارتبط الإحتفال بعيد القيامة بيوم شم النسيم.ومع دخول الإسلام مصر، استمر الإحتفال بشم النسيم بكل طقوسه وعاداته المحببة التى لم تطرأ عليها تغييرات كثيرة! ومثلما يعد شم النسيم عابرا للأديان، فهو أيضا عيد عابر للطبقات والفئآت الإجتماعية، «إنه يوم قومى» مصرى بمعنى الكلمة، المصرية! أنت مصرى، إذن أنت تعرف شم النسيم وتحتفل به، سواء كنت من سكان الريف أو سكان الحضر، سواء كنت غنيا أم فقيرا! وفى هذا السياق، ليس غريبا أن طقوس وأطعمة شم النسيم لها كلها تفسيرها الضارب فى أعماق التاريخ المصرى والحضارة المصرية. ففى غمار احتفالنا كمصريين بالربيع هناك مغزى و معنى لكل ما يمارس ويؤكل مع الخروج الجماعى للهواء الطلق فى النيل وعلى شاطئيه ، وفى الحقول والحدائق! إنه ليس مجرد «أكل والسلام»! فكما تصور النقوش الفرعونية فإن «البيض» هو رمز لخلق الحياة، والسمك المملح»الفسيخ» هو أولا من نتاج النيل، وتمليحه هو وسيلة للحفاظ عليه أطول مدة، والبصل إعتقد المصريون عن حق- فى فوائده الصحية، وكذلك الخس الذى إعتقدوا فى جدواه للخصوبة والتناسل، اما «الملانة» أو الحمص الأخضر، فإن نضجها يتلازم مع مقدم الربيع! وأخيرا، هل تتذكرون الفتاوى التى خرج بها بعضهم فى ظل «العام الإخوانى» الذى مر على مصر، تحرم على المصريين الإحتفال بشم النسيم، وتحذر من «التشبه باليهود والنصارى»؟ حقا، لقد كانت 30 يونيو ثورة من أجل الهوية المصرية. كل عام وأنتم بخير!
نقلا عن الأهرام