د.أسامة الغزالي حرب
«الثورة المضادة» ظاهرة عرفتها وتعرفها كل الثورات فى العالم، ويرصدها ويعرفها دارسو الثورة، ويقصد بها محاولات أنصار وعملاء «النظام القديم» الانقضاض عليها، والانتقام منها، وتشويهها، ويحدث هذا عادة بعد انقضاء فترة من الوقت، تهدأ فيها الأمور نوعا ما، وينسى الناس بعضا أو كثيرا من وقائع الماضى الذى ولي!
أحد الأمثلة المباشرة على ذلك يجرى الآن فى الإعلام المصرى فى قناة يمتلكها رجل أعمال شهير، ومن خلال برنامج لـ«مذيع» امتهن تلك المهنة حديثا، ولكن الغالبية العظمى من مشاهديه يعرفون ارتباطاته «الأمنية»، الملفت للنظر، والمثير للدهشة، والرثاء والسخرية معا، انه يقوم الآن بحملة لاقناع مستمعيه، ومشاهديه بأن ثورة 25 يناير كانت «مؤامرة» حاكها بعض الشباب المأجورين الذين تدربوا فى صربيا!
لا أتابع هذا البرنامج، ولكن اصدقاء نبهونى إليه، وشاهدت إحدى حلقاته على «اليوتيوب» فسمعت كلاما يستحق ان يكون بلاغا للنائب العام على الفور، وموضعا للتحقيق والمساءلة، ولكن مالفت نظرى كباحث للسياسة هو ملاحظة تفاصيل ووقائع تدخل تحت بند «الثورة المضادة» بكل معنى الكلمة! فهو مثلا يستضيف صحفية مغمورة سبقت ان أوقفت عن عملها وشطبت لمدة عام من نقابة الصحفيين، لتحكى هى التفاصيل الخفية لثورة أو مؤامرة يناير ويستضيف شخصا آخر يعلم كل من يعرفه أنه عميل للأمن لابأس فى ذلك فالأمن فى الدنيا كلها يعتمد على «عملاء» فى أدائه لوظيفته المهمة، ولكن الرجل يتحدث بثقة، مدهشة مشيرا للصحفية إياها على أنها بطلة قومية تستحق التكريم!
وعما قام به شعب مصر لم يكن ـ كما تتوهمون ـ ثورة هزت العالم وأبهرته، إنما كانت مجرد نتاج لمؤامرة أمريكية، تدرب عليه شباب مأجورون فى صربيا، وانساق وراءها الناس بلا وعى اياه، إلى هذا الحد يبلغ فجور قوى الثورة المضادة، وإلى هذا الحد يفقدون صوابهم، إنها ظاهرة تستحق الدراسة، ولكنها تثير أيضا تساؤلا مهما عمن يسمح لهؤلاء بل ويدفعهم للحديث ولهذا الظهور العلنى الفاجر، ويثير التساؤل المهم حول الدور الراهن لأجهزة الأمن التى نظن أنها تطهرت!