د.أسامة الغزالى حرب
ساقتنى الصدفة، وأنا أقضى بضعة أيام فى الساحل الشمالي، فى أثناء تقليب قنوات التليفزيون بالـ «ريموت كنترول» أن أشهد بضعة دقائق من القناة المسماة «الجزيرة مباشر مصر»،
وشاهدت المذيع (الذى يحمل للأسف الجنسية المصرية) ويدير حوارا مع ضيفين مصريين أولهما طبيبة لا استطيع أن اجزم بهوية سياسية لها، متعاطفة مع الشعب الفلسطينى فى غزة ضد الوحشية الإسرائيلية،أما الثانى فهو طبيب «إخواني» كان يتحدث كاذبا، بطريقة تثير الدهشة و الرثاء معا، عن محاربة الإسلام فى مصر وعن منع صلاة التراويح! وتبع هذا نشرة لأخبار مصر! تخللتها فقرة تتضمن تسجيلات لعدد من الشخصيات الدولية الى تدين محاكمة بعض مراسلى الجزيرة فى مصر باسم حرية الإعلام! غير أن ما شهدته من برامج كان ينطوى بوضوح على الرد القاطع على أولئك المتباكين على حرية الإعلام، وعلى حرية صحفييى الجزيرة المقبوض عليهم! هل «الجزيرة مباشر مصر»، وأنا هنا أطرح هذا السؤال على أساتذة الإعلام فى مصر، تنتمى إلى مجال «الإعلام»؟ ولكى يكون سؤالى واضحا، فإننى أكرر أننى لا اتحدث عن قنوات الجزيرة العامة، سواء بالعربية أو بالإنجليزية، وإنما أتحدث عن “مباشر مصر”! إن هذه القناة لا علاقة لها بالإعلام بالمعنى العلمى بأى صلة، إنها إحدى أدوات الدعاية ، أو على وجه أدق «الدعاية السوداء» التى تستخدم فى الصراعات الدولية كأداة للحرب النفسية التى أخذ العالم يعرفها منذ الحرب العالمية الأولي. الدعاية السوداء هى معلومات ومواد زائفة و كاذبة تستخدم من طرف معاد لتشويه «العدو»، والسمة الرئيسة للدعاية السوداء هى أن الجمهور الذى تستهدفه لا يدرك عادة أن جهة ما تسعى إلى التأثير عليه، وأنه يدفع إلى اتجاه معين. الدعاية السوداء هى أحد مظاهر الحرب النفسية التى عادة ما تخفى مصدرها، وتسعى إلى نشر الأكاذيب والمواد الزائفة والخادعة، ولذلك فإن الذين يعملون فى مثل تلك القنوات ليسوا إعلاميين بالمعنى المهنى السليم، وإنما هم موظفون أو عملاء فى شبكة للحرب النفسية وللدعاية السوداء. هذا كله يطرح أسئلة كثيرة حول كيفية التعامل معهم، وكذلك حول دور الإعلام الحقيقى (العام والخاص) وكذلك دور وزارة الثقافة فى كشف ومواجهة تلك الدعاية السوداء.