د.أسامة الغزالي حرب
لا أعتقد أن هناك مأزقا وضعت نقابة الصحفيين نفسها فيه، ربما فى تاريخها كله مثل مأزق القرارات المتعاقبة لجمعيتها العمومية حول «حظر جميع أشكال التطبيع المهنى والشخصى والنقابى مع الإسرائيليين» .
ودعوتها المتكررة «لجميع الزملاء للالتزام بالقرار» بل وتهديد كل من يخرقه باتخاذ الإجراءات التأديبية بحقه! وذلك لأكثر من سبب. أولا، أنه من الصحيح بالقطع ان اعتراف الدوله المصرية بإسرائيل لا يلزم أى مواطن مصرى بالتعامل مع الاسرائيليين، أى تطبيع العلاقات معهم، فذلك أمر يدخل فى إطار حريته فى الرأى والتعبير التى يقرها ويضمنها الدستور والقانون، ولكن بالمثل، لا يحق لأى جهة، حكومية كانت أو نقابية أو أهلية، أن تحجر تحت أى مسمى على حرية أى مواطن، فضلا عن أى صحفي، فى أن يعبر عن الآراء، ويتخذ المواقف التى تعبر عن قناعاته الخاصة رفضا للتطبيع أو قبولا به، فما بالك وقد اتخذت هذا القرار نقابة يفترض أن مهمتها الأولى هى الدفاع عن حرية الرأى والتعبير! هذا الحجر على الحرية لا تعرفه إلا النظم الشمولية والسلطوية.ثانيا، النتيجة الأخرى الكارثية والأخطر لذلك الموقف هو حرمان الصحفيين المصريين من أى معرفة مباشرة، ومن الحصول على الخبر أو المعلومة، التى هى المهمة الاولى لأى صحفى بشأن أخطر خصوم وطنهم وأكبر تحد له، فى حين يدخل مصر فى أى وقت صحفيون إسرائيليون فضلا عن الصحفيين اليهود من كل الجنسيات الذين يتحركون بحرية بين البلدين. لقد تنبه إلى ذلك القصور مبكرا للغاية كاتبنا العظيم الراحل أحمد بهاء الدين فكتب مؤلفه الشهير «إسرائيليات» عام 1972 لينبه الرأى العام- بعد هزيمة 1967 - إلى كارثة الجهل بإسرائيل! ثالثا، لم يكن غريبا إذن أن بعضا من أفضل كتاب و مثقفى مصر تعاملوا بلا حساسية مع الإسرائيليين. أو «طبعوا» معهم من موقع الكبرياء والثقة بالنفس مثل نجيب محفوظ ود. حسين فوزي، ومحمد سيد أحمد، ود. لويس عوض، ولطفى الخولى وغيرهم كثر من الأحياء الذين هم أجدر-كما قلت- بالتعبير عن أنفسهم.وأخيرا، فإن المسألة بلغت نوعا من التزيد المقيت الذى وصل إلى محاسبة الصحفيين الذين تواصلوا مع أشقائنا فى الضفة الغربية والسلطة الفلسطينية وزاروا القدس والتقوا برموزها الدينية الاسلامية والمسيحية. هذا عبث، ومأزق، على النقابة أن تخلص نفسها منه مثلما أوقعت نفسها فيه!