بقلم - طلال سلمان
حفل الأسبوع الماضى بسلسلة من التطورات السياسية والدبلوماسية الملفتة والمؤشرة فى تزامنها إلى «تغيير» أو «تعديل» فى سياسات بعض «دول القرار الكونى» يتوقع أن تكون لها انعكاساتها على الأوضاع العربية والعلاقات فى ما بين الدول المعنية.
بين هذه التطورات المتلاحقة:
الزيارة المباغتة التى قام بها، من خارج التوقع، الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ترافقه زوجته وبعض مستشاريه، إلى القاعدة العسكرية الأمريكية فى الأنبار، فى العراق من دون إبلاغ السلطات الرسمية فى بغداد بها، مما جعل الرئيس العراقى يمتنع عن الرد على مكالمة ترامب الهاتفية احتجاجا على تجاوز الرئيس الأمريكى الأصول الواجب مراعاتها احتراما لسيادة الدولة العراقية.. حتى لو كان فيها قواعد عسكرية أمريكية، امتدادا لواقع الاحتلال العسكرى الأمريكى بعد خلع صدام حسين فى مايو 2003.
وتبين فى ما بعد، أن طائرة الرئيس الأمريكى قد وقفت لمدة وجيزة، فى مطار العديد فى قطر، قبل أن تكمل رحلتها إلى الأنبار.
فى هذا التوقيت بالذات أصدرت «الإمارات العربية المتحدة» قرارا مباغتا بإعادة فتح سفارتها المغلقة فى دمشق، منذ سنوات، وبذريعة القرار الهمايونى الذى اتخذته جامعة الدول العربية، قبل بضع سنوات، بطلب من قطر وتأييد من دول الخليج انساقت معه معظم الدول العربية.
وبطريقة آلية سرعان ما أعلنت «مملكة البحرين» أنها ستعيد فتح سفارتها فى دمشق، موصية أن ثمة قرارا ضمنيا قد اتخذ أو سوف يتخذ فى مجلس التعاون الخليجى.
بعد ذلك مباشرة، جاء التعديل الواسع فى الحكومة السعودية الذى كان بين أبرز ما فيه ما وصف بأن ولى العهد الأمير محمد بن سلمان قد وضع يده، كليا، على القرار فى المملكة فى محاولة لتخطى الأزمة الخطيرة التى شوهت صورة القرار السعودى بعد جريمة اغتيال الصحفى السعودى فى قنصلية بلاده فى إسطنبول وتقطيع جثته ورميها فى غابة قريبة أو جهة أخرى ما تزال مجهولة حتى الساعة.
تخلل هذه التطورات الغارة الإسرائيلية الجديدة على بعض ضواحى دمشق، بزعم ضرب «قواعد عسكرية إيرانية» هناك، والرد عليها بصواريخ سورية نوهت موسكو بفعاليتها.. وانطوى الحكم فى لبنان على نفسه خجلا، لأن الطائرات الحربية الإسرائيلية اخترقت الأجواء اللبنانية، بينما الجيش الإسرائيلى يحفر عند الحدود الجنوبية فى لبنان، بذريعة تهديم خنادق ادعى أن «حزب الله» قد حفرها داخل الأرض الفلسطينية المحتلة.
فى ظل هذا كله، يبقى لبنان بلا حكومة للشهر الثامن على التوالى، وتتجمد الاستشارات و«تنزل» الخلافات إلى الشارع منذرة بتطورات غير متوقعة، خصوصا مع انفتاح البلاد ذات التركيبة الهشة على الرياح جميعا، عربيا ودوليا، شرقا وغربا.
***
فى هذا الوقت، لا بد من ملاحظة المؤشرات التالية:
إقدام المواطن التونسى عبدالرزاق الرزقى، على إحراق نفسه فى مدينة القصرين، فى تكرار لحادثة إحراق محمد البوعزيزى نفسه فى مدينة سيدى بوزيد فى 17 ديسمبر 2010 التى خلعت الحكم العسكرى القائم آنذاك بقيادة الجنرال زين العابدين بن على.. وهزت الوطن العربى بأسره، وفجرت الانتفاضة العظيمة فى مصر.
وكانت تونس قد استقبلت قبل أيام، ولساعتين وسط حراسة مشددة ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان، بعد محطته الأولى فى القاهرة، وهو فى طريقه إلى الأرجنتين.. ثم عرج فى طريق عودته على موريتانيا، وبعدها على الجزائر.
وهكذا يكون ولى العهد السعودى قد ألقى خلفه الاتهامات التى كيلت لحكومته ومخابراتها حول اغتيال الخاشقجى.. وأمسك بالقرار فى بلاده، بينما الرئيس الأمريكى ترامب يتهمها بأنها «أغنى مما يجب» وأن «عليها أن تدفع للولايات المتحدة الأمريكية أكلاف حمايتها من ثروتها الهائلة والتى قدرها بمئات المليارات من الدولارات.
ليس ضروريا أن نشير إلى أن معظم الدول العربية الطبيعية، تلك التى لا تقوم بنيتها على النفط والغاز، تعانى وطأة مشكلات وأزمات اقتصادية ومعيشية ثقيلة الوطأة، وأنها بحاجة إلى من يساعدها فى مختلف مجالات الحياة.
وملفت، بالتالى، أن تكون بعض دول الخليج العربى عادت تلتفت إلى «أشقائها» فى المشرق العربى، وتعيد وصل ما انقطع معها، بعنوان سوريا، بعد سنوات طويلة من القطيعة والاتهامات بمسئولية ما عما حدث فى «عاصمة الأمويين» من مذابح وتهديم على أيدى العصابات المسلحة التى وجدت من رعاها حتى صارت «جيوشا» بمدفعية ودبابات وصواريخ ورواتب شهرية.. إلخ
هل نحن أمام مرحلة «عربية» جديدة؟
وهل كل هذا يتم بإيعاز أمريكى.. خصوصا أننا لم نألف تحرك العديد من الدول العربية لا سيما النفطية منها، والاندفاع فى مغامرات غير محسوبة النتائج سلفا، لأن ثمة فى البعيد من يحاسبها على مثل هذا «التطرف»؟
لا بد هنا من الإشارة إلى أن الغارة الإسرائيلية الأخيرة على محيط دمشق لم تمر من دون حساب.. فقد ردت سوريا بصواريخ مضادة وقع بعضها داخل الأرض الفلسطينية المحتلة، بشهادة القوات الروسية المرابطة فى بعض المواقع الاستراتيجية السورية كـ(المطارات والموانئ.. إلخ) فضلا عن الاعتراف الإسرائيلى الناقص بوقائعها، والاتصالات الروسية التى أعقبتها مع تل أبيب.
***
لا يعنى هذا أن أحوال العرب، عامة، بألف خير..
فالأزمات الاقتصادية تنهك البلاد غير النفطية، بما فى ذلك العراق المنهوبة ثرواته التى تعطيها أرضه، ناهيك بمصر التى تلهث حكومتها خلف الزيادة السكانية المتصاعدة والتى تستنزف مواردها.. أما لبنان فأزماته من صنع حكوماته البائسة والنهب المنظم لموارده وخزينة دولته.
أما ليبيا التى فقدت دولتها بمواردها الغنية، وتقاسمتها القبائل المسلحة التى تجد من يدعمها فى الخارج العربى، فضلا عن التدخلات الدولية، فإنها ما تزال تبحث عن مصيرها.. وبعض الاقتراحات تشير إلى ضرورة إعادة الاعتبار إلى الراحل معمر القذافى عبر اعتماد نجله سيف الإسلام شخصية محورية.
لنأمل خيرا، مع بداية العالم الجديد، مع أن الوقائع الصلبة لا تخدم التفاؤل كثيرا.
فالتفكك العربى يكاد يكون شاملا ومنذرا بمخاطر كثيرة، أبسطها الظاهر احتمال قيام تقاسم نفوذ جديد بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا لهذه المنطقة الغنية بمواردها الطبيعية.
ومن الأسف فإن القيادة المؤهلة على إعادة تجميع صفوف العرب المتفرقين إلى حد العداء، ليست موجودة، أو ــ أقله ــ ليست ظاهرة.
مع ذلك، ولمناسبة رأس السنة الجديدة فلنأمل خيرا..
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع