توقيت القاهرة المحلي 19:07:42 آخر تحديث
  مصر اليوم -

في وداع لبنان

  مصر اليوم -

في وداع لبنان

طلال سلمان
بقلم - طلال سلمان

سأخونك يا وطني

ضع نقطة على سطر التاريخ. لبنان انتهى. الهاوية تتسع. الآلام تتعاظم. الرؤيا عمياء. لا بارقة أمل. الطوائف قتلت لبنان، ولا تريد دفنه، ولا أحد مستعد لوراثة التركة المزمنة.

كان ذلك متوقعاً. شياطين الطوائف عاثت بالتجربة اللبنانية المتهالكة، مرة تلوة مرة، أو مراراً كثيرة. منعت عنه العافية الوطنية. لم يكن وطناً هذا الكيان. كان ملجأ مفترضاً، أضحى مغارة للصوص السياسة وفقهاء التبرير وأبالسة المال وعصابات النهب. ولا مرة كان لبنان وطناً، ولا مرة كان سكانه مواطنين. ولا مرة كان يتقدم، بل كان يتراجع دائماً، حتى بلغ المئة سنة، وهو لقيط لطوائف سامة وطائفيين متمرسين بألاعيب معيبة، وعلنية، وبلا خجل.

حلمنا مراراً أن يصير لبنان دولة، وطناً، او مأوى مناسباً. فشلنا، وكان الفشل ثقيلاً… حلمنا بديموقراطية مقبولة. منعوها. عوّضوا عنها بالتوافقية النفاقية. دربونا على التعصب، وعلى التكاذب. قضوا على أفكار خلاصية، كالمدنية والحرية والمساءلة والمحاسبة والقضاء النزيه، والإنفاق المدروس، والتربية الوطنية وألف صفة من صفات المواطنة… كانوا عباقرة في الإرتكاب. انتزعوا منا كل ما هو جميل ونظيف وإنساني وإجتماعي وتقدمي ووطني. أقاموا لنا زرائب حيوانية، فتحوَّل الكثيرون إلى قطعان طائفية هائجة كثيراً في ساحة، “كالتوريرو”.

الغريب جداً، أنهم يعرفون ما نعرفه عنهم ولا يبالون. يعرفون رأينا فيهم علناً. يعرفون أننا نعرف نهبهم وسرقاتهم وانتماءاتهم وعقولهم الجهنمية وخياناتهم السياسية. إنهم على دين الإرتكاب، والناس خلفهم عل دين ملوكها. وملوكنا “زعماء” كذبة. ماهرون في الكذب والتكاذب، وممثلون يجيدون الخيانة ببراءة كاذبة.

هذا الكيان الذي كنا فيه، أفلس تماماً. خلقياً وعقلياً ومالياً وقضائياً وصحياً وتربوياً وإنسانياً وإجتماعياً. أفلس على الملأ. ومع ذلك يتبارون في الرقص على جثة البلد… كل المحاولات الإنقاذية فشلت. عفواً. أفشلوها بذكاء شيطاني. وكلهم يعني كلهم. لا بريء أبداً في ما بينهم. عباقرة في الإرتكاب.

صدف أن وجد في هذه الجغرافيا الملعونة، أناس مؤمنون بالوطن. حاولوا. فشلوا. صمدوا ثم تبدّدوا. رغبوا ثم خابوا. تأملوا ثم يئسوا. أكثرية الشعب اللبناني مؤلفة من أقليات متنازعة. هؤلاء، لا يصنعون ثورة. يكتفون وبالإعلان عنها شفهياً. لا أحزاب علمانية وديموقراطية وتقدمية. لغتها خشبية. لا نقابات البتة. هياكل عظمية لا روح فيها. النقابات تابعة للطوائفيات.

دلونا على جسم سليم في هذا الكيان السقيم. لا شيء يبشر بفجر. كله كالح. أسود. أو رمادي يعمي العيون ويطفئ القلوب.

وبعد كل ذلك، فما العمل؟

لم يتبق لنا سوى الخيانة.

نعم الخيانة. علينا أن نصل إلى القطعية التامة مع هذا النظام المسخ، هذا الكيان اللاغي للوطن، هذا الوطن الذي يمتنع عن الحضور.

بكل موضوعية، أعلن خيانتي لهذا اللبنان المسخ. أحببناه فكرهنا. قدمناه على الطائفية فتشبث بها. فعلنا ما نستطيع، ولو قليلاً، ولكنه تجنبنا وشرَّدنا. شعبه يملك من الذكاء والعلم والعبقرية الكثير، ولكنه محكوم بعصابات شاطرة جداً في الغزو والفتك والبقاء، وإحاطة مواقعهم بأتباع أحقر من أحقر الكائنات. يحمون محمياتهم بتأصيل التعصب والكراهية، ويتبارون في ارتكاب الزنى السياسي، في فراش الحكم الفاسق.

غداً، سيموت اللبنانيون قهراً وجوعاً وفقراً وعوزاً ومرضاً. لم يبق لسكان هذا الكيان رغيف خبز بسعر عرق الجبين. لا دواء غداً. الإفلاس، الذي ارتكبه الحكام، قديماً وحديثاً، هو نتيجة طبيعية لتراخي الناس ومسامحتهم لزعمائهم. إنهم متهمون بخيانة أنفسهم لصالح مقاماتهم السياسية والمذهبية… كان يشبه مغاور اللصوص.

الكيان الموروث من الإستعمار، فشل المستعمرون في إصلاحه. حاولت فرنسا محاولة خائبة. فشلت بسرعة. كيان مشلَّع بين محاور. هذا الأمر ليس جديداً أبداً. طول عمره موزع بالولاءات بين محاور ومذاهب وبلاد وثقافات. لا شيء يجمعه سوى سرقة البلد وأهله.

هل من إصلاح؟ سؤال سخيف ومنحط. من سيقوم بهذه المهمة؟ الناس؟ أين هم؟ الأزلام؟ لقد قاموا بمهمة التدمير. عبث. لا حل أبداً، لا في الأفق المنظور ولا في الأفق البعيد.

نحبك يا لبنان الذي حلمنا به وطناً. نكرهك يا لبنان الذي هو صنيعة لصوص السياسة. وأفضل ما نقوم به، هو خيانة هذا “اللبنان”، على أمل، قد يكون مستحيلاً، في ولادة لبنان آخر، في زمن غير معروف.

لقد انتهى لبنان. مات. جثته حية ترزق، لأن لا أحد مؤهل لدفنه أو لقيامته.

وعليه، سأخونك يا بلدي الحبيب. وفي عيني دموع، وفي قلبي غصة، وفي أفقي عتمة.

اللعنة، ثم اللعنة، على من قتل لبنان الذي حلمنا به وطناً، وحوَّلوه إلى مبغى.

فوداعاً يا لبنان

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في وداع لبنان في وداع لبنان



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 00:02 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة
  مصر اليوم - انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة

GMT 11:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 20:28 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

قصف إسرائيلي على مناطق جنوب لبنان بعد هجوم لحزب الله
  مصر اليوم - قصف إسرائيلي على مناطق جنوب لبنان بعد هجوم لحزب الله

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

سوسن بدر تخوض تجربة فنية جديدة
  مصر اليوم - سوسن بدر تخوض تجربة فنية جديدة

GMT 11:08 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
  مصر اليوم - الكشف عن قائمة بي بي سي لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 19:42 2019 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

قلق في "أرامكو" بسبب هجمات الخليج وارتفاع سعر النفط

GMT 02:08 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

مي عمر تكشف عن حقيقة علمها بمقلب "رامز في الشلال"

GMT 07:15 2019 الثلاثاء ,19 شباط / فبراير

كشف غموض وفاة 22 عالمًا بعد فتح مقبرة توت عنخ آمون

GMT 10:06 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

رسالة حسن الرداد إلى محمد رمضان بعد أغنية "نمبر وان"

GMT 22:21 2019 الإثنين ,21 كانون الثاني / يناير

روبرتو فيرمينو يُجدد شكره لزميله "محمد صلاح"

GMT 06:52 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

"مشاهير حول العالم راحوا ضحية "الالتهاب الرئوي

GMT 11:08 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

تعرَّف على أنواع السيارات الأكثر مبيعًا في عام 2018

GMT 15:10 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

علامة "كايلي" و"كاندال" تطلق حقائب زهيدة الثمن

GMT 14:17 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي على أفكار إضاءة رائعة لحفلة زفافك الخارجية

GMT 10:13 2018 الجمعة ,07 أيلول / سبتمبر

اكتشفي طرق مختلفة لتحضير الفول
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon