بقلم طلال سلمان
& هل تبقى سوريا التي تثقل الحرب فيها وعليها كاهلها، كدولة، وتناثر شعبها أشتاتاً بين مناطقها في الداخل التي يتوزعها النظام ومجاميع المعارضات، وبينها المنظمات الأكثر دموية في تطرفها الذي تغطيه بالشعار الإسلامي، التي «توظفها» بعض الدول العظمى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، فضلاً عن بعض دول الجوار، وتركيا تحديداً لمصلحتها؟ هل تبقى سوريا هذه المنهكة، والتي طلب نظامها النجدة من روسيا بوتين، دولة موحدة، أم تذهب وحدتها، كدولة، الشهيد الأعظم للحرب فيها وعليها؟ هل يتهددها خطر التقسيم على قاعدة طائفية ـ مذهبية (سنة، علويين..) أم تبقى دولة واحدة عبر تسوية قد تعدل في نظامها السياسي من دون أن تمس كيانها الوطني؟
& ثم هل يبقى العراق دولة واحدة، مع التسليم بالنظام الفدرالي، أم تأخذ العنصرية، المعززة بدعم دولي مفتوح تسنده أطراف عربية، الشمال الكردي إلى التقسيم، بإقامته «دولة مستقلة» لم يعد الملا مصطفى البرزاني يخفي طموحه إليها، وهو قد عبّر عن هذا التطلع بوضوح في تصريحات رسمية أدلى بها وهو يرتدي ملابسه العسكرية مشاركاً في جانب من معركة تحرير الموصل تنحصر في المناطق الكردية، مضافاً إليها بعض جواره الذي ابتنته منذ بداية التاريخ، وما تزال تعيش فيه حتى الآن، بعض الأقليات الدينية أو «القومية»، أبرزها الأزيديون فضلاً عمن تبقى من الأشوريين والكلدان الخ... مع الإشارة إلى الرعاية الأميركية لهذا المشروع الكردي، وهي مثبتة بوقائع زيارات المسؤولين الأميركيين لأربيل، وفيهم وزراء وضباط كبار وشركات تعمل في مجالات مختلفة. هذا من دون أن ننسى «الوجود» الاسرائيلي الفاعل في هذه المنطقة من العراق، التي لا تفتأ قيادتها البرزانية تعمل على توسعتها بطرد العرب منها، كما جرى في كركوك، على هامش معركة الموصل. ولقد ظهر بعض ذلك الوجود في الإعلام، وعبر بعض «المراسلين الحربيين»!
& تقاتل منظمات مسلحة معظمها معززة بالشعار الإسلامي النظام السوري، وقد اتخذت من تركيا حامياً لها وملجأ وداعماً بالسلاح والتدريب، تحت أنظار وزارة الدفاع والمخابرات الأميركية التي تعززها ببعض أنواع السلاح الثقيل أخطره المضاد للطائرات. وفيما تدعم تركيا كل من يعادي النظام السوري، نراها تستفيق فجأة إلى معاهدة 1923، فتطالب، إضافة إلى بعض المناطق الحدودية في سوريا، بمدينة الموصل في العراق، وينبري رئيسها أردوغان إلى التذكير بالمعاهدة التي أنهت السلطنة العثمانية وأعادت تركيا إلى حجمها (بوضعها الراهن).. علما أن الموصل لم تكن تركية وإن انتبه الرئيس التركي إلى أنها مدينة سنية، مع أن فيها إلى جانب أكثريتها السنية، كثيراً من المسيحيين وفي محيطها بعض الشيعة والكل عراقيون.
صرنا بمواجهة التداعيات الميدانية لمعاهدة «سايكس ـ بيكو» التي عقدها البريطانيون والفرنسيون مع ظهور ملامح انتصارهم في الحرب العالمية الأولى على ألمانيا وتركيا، بعدما تقدم «ورثتهم» الأميركيون للهيمنة على معظم المنطقة العربية والعراق ضمناً، مع تقاسم ضمني مع إيران، وشراكة علنية بطبيعة الحال مع إسرائيل. وها هي تركيا ترفض نتائجها التي قبلها العرب مرغمين، ثم تستذكر معاهدة 1923 التي رفضتها من قبل، مفترضة أن الظروف الراهنة التي تعيشها سوريا والعراق قد تسمح لها باقتطاع بعض مساحة البلدين اللذين كانا «ولايات عثمانية» في سابق العصر والأوان. بل إن تركيا تتصرف وكأن العراق ومعه سوريا ذاهبان إلى التقسيم، وهي تريد حصة في كل منهما بذرائع مختلفة، بينها «الأمن القومي» وحماية تركيا من مخاطر تقسيمية تحركها «الانتفاضات» الكردية المتوالية، فضلاً عن المزايدة على معارضتها التي شرعت في تنفيذ مشروع انقلاب مكشوف قبل أسابيع قليلة.
ولقد أقامت تركيا قبل سنوات قليلة «قاعدة عسكرية» في بعشيقة العراقية أدخلت اليها عسكرها، عبر اتفاق مع البرزاني، بذريعة تدريب جنود البشمركة (جيش كردستان). أما الآن فإنها تريد حصة في الشمال العراقي، وعلى الأرجح بالتواطؤ مع البرزاني، برغم أنها تقاتل الأكراد في تركيا (وأعدادهم تزيد عن عشرة ملايين نسمة أي أكثر بأضعاف أعداد الأكراد في العراق).
÷ نعود إلى أساس الموضوع، أي إلى المخاطر التي تتهدد وحدة الكيان السياسي (الدولة) لكل من سوريا والعراق:
ففي بغداد نفوذ سياسي (ووجود عسكري مؤثر) للولايات المتحدة الأميركية، إلى جانب الوجود والنفوذ والمشاركة المباشرة في القرار للجمهورية الإسلامية في إيران. في المقابل، فإن في دمشق نفوذاً سياسياً ووجوداً عسكرياً مؤثراً لروسيا بوتين، فضلاً عن أن بعض أقوى أسطولها البحري الحربي موجود عند الشاطئ السوري (في طرطوس)، وكذلك بعض أقوى طائراتها الحربية، إضافة إلى أعداد غير محددة من الضباط والجنود. بل إنها، على المستوى السياسي، تجتهد في إجراء المصالحات دعماً للنظام، وهو الوجه الآخر لدعمها العسكري المفتوح للنظام في دمشق.
في المقابل، فإن فيها نفوذاً سياسياً ووجوداً عسكرياً مؤثراً لإيران، فضلا عن المشاركة المباشرة لـ «حزب الله» في المعارك. ومع أن علاقات التعاون بين موسكو وطهران وثيقة وهي تزداد تعاظماً كل يوم، والتنسيق قائم (سياسياً وعسكرياً واقتصادياً) في ما يتصل بسوريا، (وآخر أدلّته اللقاء الثلاثي الذي جمع بين وزراء خارجية روسيا وإيران وسوريا في موسكو، الأسبوع الماضي)، إلا أن ثمة من يرى أن حاجة النظام السوري إليهما تجعله في موقف ضعف، نسبياً، بينما كانت علاقته بهما ندية).
وقد تسبب الدعم الروسي لسوريا في ضرب التنظيمات السياسية المغطاة بالإرهاب الديني إلى كشف التدخل التركي العسكري، إضافة إلى السياسي، والذي تمثل في احتلال بعض مناطق الشمال السوري (مدينة جرابلس ومحيطها)، مع تهديد بالتقدم نحو الرقة بزعم المشاركة في تحريرها من «داعش». هذا في الوقت الذي تعتبر واشنطن أنها معنية بتحرير الرقة، ومنع انتقال «داعش» بقواتها المهزومة من الموصل (متى انتهت معركتها) إليها، وتكاد «تقتطعها» من سوريا.
إن الدول العربية مختلفة في ما بينها. بل إن بعضها يقاتل، علناً، البعض الآخر. فليس سراً أن السعودية وبعض دول الخليج، قطر أساساً ومعها الإمارات، قد عززت علاقاتها مع تركيا (التي تخاصم العراق وسوريا إلى حد الحرب أو التلويح بها واحتلال بعض المناطق فيهما). ثم إنها تدعم العصابات المسلحة التي تقاتل سوريا، ولا تتقدم لدعم العراق في معركته ضد «داعش» الذي اجتاحت جحافله أرضه قادمة عبر تركيا حتى حدود بغداد والتي تُمترس الآن في الموصل. كذلك فإن السعودية ومعها بعض دول الخليج تقاتل الآن في اليمن وتفتك طائراتها بمدنه ذات التاريخ المجيد وبشعبه الفقير.
ماذا يريد العدو الإسرائيلي أكثر من هذه المكاسب التي يكاد يتعب من جَنيها، مجاناً وبغير قتال... خصوصاً أن بعض دول الخليج (قطر، مثالاً) تقيم معه علاقات علنية، ودولة الإمارات باشرت علاقات رسمية وإن لم تكن علنية معه، فضلاً عن التواصل السعودي المتصاعد معه (لقاءات الأمير تركي الفيصل وبعض المطالبات العلنية بضرورة إقامة علاقات ديبلوماسية مع الكيان الصهيوني).
هل نعمل في خدمة العدو؟
إن خطايا أنظمتنا وأخطاءها تدمّر الأوطان ودولها، فهل ثمة خدمة للعدو أعظم من هذه الخدمة؟
وهل أعظم من هذه الإنجازات في تدمير المستقبل العربي؟