بقلم طلال سلمان
بعد التبريك للعماد ميشال عون بتسنمه أخيراً، منصب رئيس الدولة، وبعد صبر جميل في منفى قاس، ونضال طويل في وطن مثخن بجراح الفراغ والتفريغ، لا بد من التمني عليه أن يبدأ «عهده» بنسيان الماضي بكل الصراعات والصدامات التي انخرط فيها، أو فرضت عليه خلال ربع قرن أو يزيد... وكان المسؤول الأول الرئيس الذي ترك لبنان للفراغ باحتمالاته المدمرة!
لقد تجاوز اللبنانيون الماضي، واجتهدوا في نسيان التجارب المريرة التي حفل بها فأنهكتهم كشعب، وكادت تذهب بدولتهم... وأسقطوا من حسابهم أخطاء القادة وخطاياهم... من دون أن ينسوا ما أصابهم فهو يدمر دولتهم ووحدتهم الوطنية ويحرمهم من أجيالهم الجديدة الذين «هجوا» إلى أي بلاد مؤهلة لأن تستفيد من كفاءاتهم وعرق الجباه مقابل الأمن والاطمئنان إلى مستقبلهم.. مع حفظ كراماتهم.
وعلى هذا الأساس استقبلوا جلسة المجلس النيابي الذي عاد إلى الحياة بسحر ساحر، وانتخاب رئيس جديد للبلاد، بحماسة منقطعة النظير، لأنها تعيد إليهم الشعور المفتقد بأنهم «مواطنون في دولة»، وليسوا مجرد قطعان كرعايا لزعامات الطوائف.
كذلك فهم استقبلوا انتخاب العماد ميشال عون رئيساً بالتهليل، متمنين أن يكونوا ـ أخيراً ـ قد عرفوا الطريق للخروج، نهائياً، من مناخات الحرب الأهلية، وأن يكون هذا الانتخاب نقطة البداية لعودتهم جميعاً ـ وهو في المقدمة ـ إلى الدولة وإلى الشرعية... والخروج نهائياً من الحرب الأهلية، سواء بين الطوائف أو داخل كل طائفة، والتي أخذت بعض قيادييهم إلى العدو الإسرائيلي وبعضهم الآخر إلى الشقيق العربي (السوري) حتى كانت النهاية في الطائف في رعاية مشتركة من سوريا والسعودية تحت المظلة الأميركية.
وفي التمني أن يكون نموذج «الرئيس» في نهجه المجدد أقرب إلى اللواء فؤاد شهاب باعتباره المهندس الأول لبناء الدولة والذي قضت عليه وعلى الطبقة السياسية ذاتها!
ويعرف فخامة الرئيس ـ العماد انه «لم ينتصر» بشخصه على أحد، بل ان انتخابه بهذا الزخم إنما يعبر عن الرغبة الشعبية العارمة بضرورة إنهاء «الفراغ» الذي دفع اللبنانيون، وما زالوا يدفعون، كلفته الباهظة من حقهم في حياة كريمة يبنونها بكفاءاتهم وجهودهم وعرق الجباه... حتى والدولة غائبة أو مغيبة! هذا في حين كان غياب الدولة مصدر نفع وانتفاع للطبقة السياسية المسؤولة عن إطالة أمد الفراغ الذي تسبب بانتشار الفوضى في مختلف مجالات الحياة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وتربوياً، في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وفوضى السلاح وانتشار الرشوة في معظم دوائر السلطة.
بل لعل اللبنانيين، الذين لاحظوا ان دولتهم سائرة إلى التفكك، قد ضغطوا على القوى السياسية ونوابها بضرورة حسم مسألة الرئاسة، تمهيداً لتجديد دورة الحياة في الدولة ومختلف مجالات العمل العام... ومن ضمنها، بل على رأسها إقرار مشروع جديد للانتخابات النيابية ينهي الحكم بإعدام الحياة السياسية عبر استرهانها بالقيد الطائفي الذي يلغي السياسة ويمكّن الأكثر غلوا ومزايدة في طائفيته من الفوز، كأسرع وسيلة للوصول على حساب الإرادة الشعبية أو الديموقراطية.
بالمقابل، فإن اللبنانيين، إذ يستقبلون ويتقبلون الرئيس سعد الحريري رئيساً لحكومتهم العتيدة ـ مرة أخرى ـ يتمنون أن يكون قد استفاد من فترة البعد، أو الإبعاد، عن الموقع الثالث في حرم السلطة، للقيام بمراجعة نقدية لتجربته (في ضوء تجربة والده الشهيد رفيق الحريري، أساساً)، بمعزل عن نزعة الكيدية والرغبة في الانتقام التي ستسيء إلى صورته الجديدة... خصوصاً إذا ما انتبه إلى انه كان الركن الثالث (وربما الرابع) في التسوية التي أمنت قيام العهد الجديد، حتى مع الأخذ بالاعتبار ان صوته كان الصوت المرجح، بالتأكيد... وانه قد انضم مضطراً إلى «حليف مخاصم» كان قائماً منذ عشر سنوات، وان هذا «الخصم» المفترض «ـ حزب الله ـ» استمر حليفاً «للجنرال» طيلة الأيام الصعبة، وحتى لحظة انتخابه. ولا يغير في واقع الأمر انه كان ـ فعلا ـ الصوت المرجح (حارماً حليف الحريري السابق في 14 آذار، «القوات اللبنانية» من ادعاء هذا الشرف...).
أما الخاتمة ففي التمني ان تكون التظاهرة الشعبية التي قصدت القصر الجمهوري، أمس، مستذكرة الماضي الذي نريد جميعاً أن ننساه، التظاهرة الأخيرة في هذا السياق.
الجنرال الآن رئيس لدولة كل اللبنانيين، فلنأمل أن يتجه إلى المستقبل، وأن يعمل له!