توقيت القاهرة المحلي 14:27:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التفرد يرث الطغيان: ليس الشعار الإسلامي برنامجاً لحكم الغد

  مصر اليوم -

التفرد يرث الطغيان ليس الشعار الإسلامي برنامجاً لحكم الغد

طلال سلمان

غادرت حركات الإسلام السياسي حذرها التاريخي إزاء تهمة التفرد باحتكار الدين تمهيداً لاحتكار المرجعية الدنيوية، وتتبدى الآن متعجلة الى حد الهوس في سعيها للسيطرة على مواقع الحكم، حيث انفتح أمامها الباب للمشاركة في الحياة السياسية، بأسمائها الصريحة مباشرة، وأبرزها تنظيم «الإخوان المسلمين» وبعض الحركات السلفية في كل من مصر وتونس، وإلى حد ما في المغرب والأردن. ولا تخفي هذه الجماعات أن السلطة مكافأة مستحقة لها لتعويضها صنوف الاضطهاد التي تعرضت لها عبر عقود، غافلة أو متناسية إن أنظمة الطغيان قد اضطهدت الشعوب التي حكمتها جميعاً، بمختلف تنظيماتها وتشكيلاتها السياسية، وطنية كانت او قومية أو تقدمية، وصولاً إلى الجمعيات الأهلية. ومع أن عمر تنظيم «الإخوان» في مصر يتجاوز الثمانين عاماً، فإن ثورة الميدان قد كشفت تعجلهم الى تسلم السلطة، بل وإلى محاولة احتكارها، بالرغم من افتقارهم الى برنامج عصري وجدّي للحكم. لا يكفي الشعار الإسلامي برنامجاً، ولم يكن القرآن الكريم في أي يوم، ولن يكون، برنامجاً سياسياً لحكم ديموقراطي في مجتمع مدني. هو أسمى من ذلك بكثير. ولا تفيد الشعارات او حتى النظريات المركبة او الشعارات الإسلامية المستمدة من بعض الآيات الكريمة وبعض الأحاديث في صياغة برنامج لسلطة زمنية. قد تصلح كقواعد لتحقيق المساواة والعدالة بين الناس وتمكينهم من حقوقهم الطبيعية في أوطانهم ودولهم، ولكنها لم تكن تتحدث عن «السلطة» وأصول الحكم فتحدد قواعدها. ثم أن المسلمين، عرباً او من قوميات أخرى، لم يعرفوا بعد الخلفاء الراشدين، حكماً صادراً عن إرادة شعبية وله برنامجه او خطة عمله المحددة، بل لقد تحول الحكم وراثياً وصار الخليفة حاكماً مطلقاً، وصار المعارضون «خونة» يطارَدون فيسجَنون أو يُعدمون وتستأصل جذورهم، بوصفهم أعداء الأسرة الحاكمة التي نصبت نفسها المرجع الديني والزمني، لا راد لقرارها ولو مخطئاً والسيف لمن اعترض. وما يثير الاستغراب أن التنظيمات الإسلامية، التي أوصلتها المقادير في غياب الآخرين إلى السلطة، تتصرف وكأنها «أسر حاكمة»... لكأنما إسقاط حكم الطغيان، مبارك في مصر وبن علي في تونس، يبرر لها أن تتصرف وكأنها «الوريث الشرعي الوحيد» لكل منهما. وليس من شك في أن تنظيمات «الإخوان المسلمين» في كل من مصر وتونس تضم مناضلين وكفاءات محترمة في مختلف المجالات العلمية والعملية، لكن «الغالبية العظمى» من المصريين والتونسيين الذين لا يرون رأيهم تضم آلاف آلاف المناضلين والكفاءات الذين قدموا جهدهم لأوطانهم، وربما لقوا من العنت والاضطهاد والسجن في عهود الطغيان مثل ما لقي الإخوان وربما أكثر. ثم أن اعتقال المناضلين وسجنهم لسنوات طويلة لا يكفي وحده لتأكيد جدارتهم بأن يكونوا حكاماً بغير مشروع محدد او برنامج واضح.. علماً أن هذه «الميزة» تكاد تتمتع بها نخبة عريضة من أبناء الشعب المصري (وسائر الشعوب العربية، ولله الحمد..). إن انعدام الحياة السياسية في عهود الطغيان قد اضر بحاضر البلاد ومستقبلها وحرمها من قدرات جيلين او ثلاثة من أبنائها المؤهلين، بل كادت تدمر المجتمع المدني، فشردت نخبه بين المعتقلات والمنافي ودفعت بأعداد غفيرة منهم إلى اليأس من إمكان التغيير فأنكفأت عن العمل السياسي، حتى كاد شعار «لا مؤاخذه أنا ما ليش في السياسة» يصير طوق النجاة من الاعتقال أو السجن أو تسخير قائله للوشاية بمن «لهم في السياسة». في أي حال فالمؤكد انه لا الشعب المصري ولا الشعب التونسي أعطى «الإخوان» تفويضاًَ مطلقاً بأن يحكموا ببرنامجهم، هذا إذا ما افترضنا ان ما أنجزوه على صعيد الفكر السياسي يمكن اعتباره برنامجاً صالحاً للحكم في القرن الحادي والعشرين وفي ظروف صعبة يعيشها الشعبان، اقتصادياً واجتماعياً، تمكن للهيمنة الأجنبية ان تدخل من باب الأزمات، سياسية ومعيشية، كما تمكن للعدو الإسرائيلي ان يستمر في محاولاته لتقييد القرار الوطني المصري بل العربي عموماً، وفي كل دول هذه القارة العربية فسيحة الارجاء. وفي نموذج مصر، علي سبيل المثال، فإن عُشر الناخبين قد أعطوا أصواتهم للدكتور محمد مرسي في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية... أما في الجولة الثانية ونتيجة لظروف معروفة أبرزها منع عهد الطغيان من التمدد- ديموقراطياً- عبر احد أركانه، فقد أعطوه ربع أصواتهم، ولم يرفعوه الى سدة الخلافة. لقد تبدى الرئيس، الذي وصل الى السلطة بأصوات تحالف عريض فرضته الضرورة ولمنع مرشح النظام من الوصول، وكأنه يتجاهل هذه الحقيقة ويتصرف على قاعدة انه قد وصل بأصوات «الإخوان» وحدهم. في البداية، كان «التواطؤ» مع قيادة القوات المسلحة... وقد أنتج هذا التواطؤ تعطيل إعداد الدستور والاكتفاء بتعديل دستوري سمح لـ«الإخوان» بأن يتصدروا الصفوف في انتخابات المجلس النيابي ومجلس الشورى وإبعاد «الآخرين» من القوى الوطنية لأن الإخوان كانوا الأكثر جهوزية من بين سائر القوى السياسية. كذلك أنتج هذا التعطيل انتخابات رئاسية متعجلة، وبمن حضر، مكنت مرشحهم من الفوز بأصوات غيرهم، لكن الارتباك تبدى جلياً منذ اليوم الأول لانتخاب الرئيس الإخواني الأول في تاريخ مصر والوطن العربي عموماً. فلقد تصرف الرئيس مرسي في ميدان التحرير وكـأنه رئيس «الإخوان» وليس رئيس مصر الذي وصل إلى منصبه بتحالف عريض فيه كثير من الذين كانوا مناهضين لـ«الإخوان» تاريخياً، لكنهم قرروا أن يمنحوا «الإخوان» فرصة خصوصاً في ظل التخوف من أن ينجح مرشح نظام الطغيان. فهو، وبعد ساعات من إقرار انتخابه، تقصد أن يستعيد الخصومة مع جمال عبد الناصر بغير مبرر، وعبر جملة معترضة: «الستينيات وما أدراك ما الستينيات»... وهو يقصد ما أصاب «الإخوان» تحديداً من قمع لا يمكن تبريره، حتى وإن كانت له مقدماته في الصراع مع النظام آنذاك. ثم أن الرئيس قد اندفع متحمساَ لتوشيح قيادات المجلس العسكري بأرفع الأوسمة في مصر تمهيداً لأن يحيلهم الى التقاعد، تاركاً أمام الثأريين الفرصة لأن يطالبوا بمحاكمتهم... وكان ذلك مثلاً فجاً في المخادعة أو في الانتهازية التي لا تتورع عن اعتماد سلوكين متناقضين في الوقت ذاته ومن دون تقديم أي تبرير عن أيهما أو عن كليهما. وحين ذهب الى طهران، مضطراً، ألزمه الوضع أن يعترف بجمال عبد الناصر قائداً، ولكنه سرعان ما افتعل مشكلة مع مضيفيه عن طريق استعادة الخلافات التاريخية حول الحكم الإسلامي في ظل الخلفاء الراشدين ثم بعدهم. ثم توالت مفاجآت الرئيس مرسي: اتخاذ قرارات ثم التراجع عنها، بعد محاولة لتبرير صدورها، ثم إلغائها وقبل أن يجف حبرها: تم تعيين نواب للرئيس ثم قيل إنهم مستشارون أو مساعدون، وتم تشكيل الحكومة من دون استشارات وكأنها مهمة سرية، ومن بعد جاء القرار الهمايوني بإقالة النائب العام وتعيينه سفيراً في الفاتيكان، ثم التراجع عنه بعد الرفض الجماعي الذي واجه به القضاة هذا «الاعتداء على حصانة القضاء». إنه حكم بلا برنامج، يمارس السلطة في غياب المظلة الدستورية. والإجراءات المتتالية تعكس رغبة في التفرد ومحاولة للسيطرة على مفاصل الحكم جميعاً في اقصر وقت ممكن وقبل أن يتكامل بناء المؤسسات الدستورية التي تضع حدوداً لصلاحيات الرئيس (حتى لو كان منتخباً من الشعب في نظام رئاسي). كأن بين هواجس الرئيس الجديد وتنظيمه، الانتقام من الماضي عن طريق مصادرة الحاضر والمستقبل. يمكن إبداء الملاحظات ذاتها حول الحكم (شبه الإسلامي) في تونس، ولقد جاءت تصريحات القائد الإخواني التونسي راشد الغنوشي في الأيام القليلة الماضية، التي تم تسريبها بقصد مقصود الى الإعلام، لتؤكد ان الديموقراطية فكرة طارئة على فكر «الإخوان»، وأنهم، وقد صاروا هم السلطة، لا يرغبون كثيراً في أن يكون لهم شركاء، لا من «التقدميين» ولا حتى من بين «السلفيين». بل إن كثيراً من التصرفات تدل على أن «الإخوان» يتعمدون إنكار تاريخ القوى المعارضة الأخرى التي سبقتهم في التصدي لأنظمة الطغيان، بينما كانوا هم يترددون على بلاطها ويمنحونها شيئاً من التزكية أو التبرئة وهي تندفع في طريق الخطأ او الخطيئة... ولا يمكن فهم تكريم الرئيس الراحل أنور السادات في ذكرى حرب أكتوبر إلا كفعل انتقامي من جمال عبد الناصر، لا سيما إذا ما تذكرنا أن نظام مبارك الذي خلعه الميدان هو الامتداد «الشرعي»- سياسياً- لنظام السادات. أما الروح الثأرية تجاه الصحافة وأعلام الصحافيين، سواء في نقابة الصحافة او في مختلف وسائل الإعلام، فهي ظاهرة الى حد الفضيحة، سواء في مصر أم في تونس. والسؤال هو: متى ينتبه الناس إلى أن عهد ما بعد الميدان قد بدأ متخففاً من أثقال روح الانتقام من الماضي، ليلتفت إلى المستقبل فيمد اليد الى أهله ليباشروا البناء معاً؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التفرد يرث الطغيان ليس الشعار الإسلامي برنامجاً لحكم الغد التفرد يرث الطغيان ليس الشعار الإسلامي برنامجاً لحكم الغد



GMT 09:09 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 09:05 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 09:04 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 09:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 09:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 09:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 08:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 08:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon