توقيت القاهرة المحلي 20:36:25 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لبنان والحروب الأهلية العربية: حـركة اسـتيراد وتصديـر!

  مصر اليوم -

لبنان والحروب الأهلية العربية حـركة اسـتيراد وتصديـر

طلال سلمان

   في سابق العصر والأوان، كان لبنان منتجعاً ومصيفاً ودار نقاهة لإخوانه العرب، سوريين وعراقيين وخليجيين، مصريين وليبيين وتوانسة وسودانيين ومغاربة، ومن بعد جزائريين... يصدّر إليهم الثقافة، دواوين الشعر والروايات والقصص والمجلات الأدبية، وأهل الفن ممثلات وممثلين ومطربات ومطربين، والأخطر: الأفكار المبشّرة بالتغيير والدعوة إلى حرية العمل السياسي والانفتاح على الجديد في العالم. أما بعد دهر الحرب الأهلية، والعديد من الأنظمة العربية كان شريكاً فيها، فأخذ يصدّر أو يعيد إليهم بعض نتائج تلك الحرب التي خرّبت لبنان وسمّمت العلاقات العربية ـ العربية... وهكذا دخلت القاموس السياسي العربي تعابير مستجدة أو مستعادة من بطون عصور الظلام والانقسام والفتن، فإذا المسلمون سنة وشيعة ودروز وعلويون وإسماعيليون، وإذا المسيحيون موارنة وأرثوذكس وكاثوليك وبروتستانت فضلاً عن الأرمن والسريان والكلدان الذين يتوزعون بين أكثرية أرثوذكسية وأقلية كاثوليكية إلخ... اليوم يعلو الخطاب الطائفي بل المذهبي حتى يكاد يطمس الخطاب القومي أي العربي فضلاً عن الخطاب الوطني، في معظم الأقطار العربية، وتتفجر الخلافات التي كانت سياسية صراعاً طائفياً أو مذهبياً، ويقتبس الكل من التجربة اللبنانية المرة أقسى فصولها الدموية التي كادت تدمره في حرب أهلية مديدة لمّا نتخلص من آثارها بعد، ولا يبدو أننا سوف نتخلص منها في يوم قريب. لقد «نجح» العرب في استيراد أسوأ ما في النظام اللبناني تحت مسمى «الديموقراطية التعددية» لتمويه الطائفية والمذهبية، وأضافوا إليها بعض ما جاءت به الأصوليات والسلفيات، وها هم يصدّرون إليه «خيرات» هذه التنظيمات، ثم باشروا يصدّرون إلى الوطن الصغير والجميل الدعاة والوعاظ والمبشّرين بالدين الحنيف وكأنهم قد اكتشفوه للتو واندفعوا يعيدون نشره... بين المؤمنين. وها أن سرطان الطائفية والمذهبية يضرب في سوريا متسبباً في تحويل الصراع السياسي إلى مشروع حرب أهلية.. ويضرب في العراق ناشراً خطر التقسيم بالفتنة، في حين أنه ينشر مناخ التصادم بين المصريين مسلمين وأقباطاً، وقد عاشوا عبر التاريخ لحمة وطنية نموذجية. ولقد دفع شعب السودان، تحت حكم الإسلاميين، ضريبة ثقيلة إذ تمّ تقسيمه إلى شعبين في دولتين متواجهتين يفصل بينهما خط الجوع والخوف من حرب أهلية مفتوحة يزيدها النفط والتغلغل الإسرائيلي اشتعالاً. أما اليمن فثمة قوى دولية وإقليمية، وفي الطليعة منها جيرانه الأشقاء، يعملون على تحويل الصراع السياسي فيه إلى اقتتال طائفي يتهدد وحدة هذا الشعب الذي عرف «الدولة» قبل قرون من وصولها إلى أوروبا وأميركا. نعود إلى لبنان الذي يكاد كيانه الصغير يتوزع كانتونات طائفية متواجهة بالسياسة، وتفتقر إلى التوازن في علاقاتها بوصف أهلها أبناء شعب واحد في ماضيه وحاضره والمستقبل. إن هذا اللبنان يعاني الآن من مخاطر الأصوليات والسلفيات وهو لمّا يشف تماماً من جراح الانقسام الطائفي. وإذا كانت الأحداث الدموية في مخيم نهر البارد بداية الظهور المسلح للتنظيمات الأصولية، فإن ثمة جزراً عديدة للسلفيات الآن في أنحاء مختلفة من لبنان. ومن البديهي أن يتعزز وجود هذه الجزر وأن تتعاظم قوتها، عدداً وعدة، نتيجة للانفجار الدموي الذي تعيش سوريا في إساره منذ سنتين طويلتين والذي يشغل فيه الأصوليون موقعاً قيادياً. كذلك فإن وصول الإخوان المسلمين إلى سدة السلطة في مصر، أساساً، وفي تونس ولو بشراكة مهددة بالسقوط مع قوى سياسية أخرى، يعزز نفوذ التيارات الأصولية ويهيئ لانتشارها في أنحاء مختلفة من لبنان، عاصمة وجنوباً وجبلاً وشمالاً وبقاعاً، ويطلق مناخاً مثقلاً بالمخاوف والشكوك والريبة التي يمكن أن تخلخل العلاقات بين اللبنانيين بمختلف طوائفهم، وبالذات بين السنة والشيعة، وهي مهزوزة أصلاً ومنذ سنوات. بالمقابل فإن تفجر الخلافات السياسية في العراق والتي تتخذ أكثر فأكثر منحى التصادم بين السنة والشيعة، خصوصاً وأن ثمة بين الأنظمة العربية من يغذيها ويعمل على إدامتها وتسعيرها مما يهدد وحدة شعبها الذي عاش موحداً منذ إقامة الدولة في الكيان الذي استولد قيصرياً، مثله مثل سائر الكيانات السياسية في المشرق العربي، قبل قرن إلا قليلاً. وقبل حين من الزمن تمّ الهجوم على إرهاصات الثورة العربية والطموح إلى التغيير بتوجيه الاتهام إلى أحزابها وجماهيرها بالكفر والإلحاد. وكان لبنان المسرح والمختبر والمنبر لمواجهة فكرة الوحدة العربية بالتعددية الطائفية والمذهبية... وهكذا تمت مواجهة جمال عبد الناصر وزخم حركته الثورية في مختلف الساحات العربية بالخبرات اللبنانية معربة ومدولة. ومن المفارقات أن مواجهة المقاومة الفلسطينية وقيادتها، حين استقرت في لبنان، إنما تمت بالسلاح الطائفي ذاته، وهو سلاح يمكن تحويله بسهولة إلى المذهبية. إن الترسانة الطائفية جاهزة دائماً للاستخدام في مواجهة الدعوة إلى بناء دولة قادرة في لبنان، كما إلى ضرب وحدة الشعب ودولته في أقطار أخرى، كما يجري حالياً وكما يدبر لسوريا والعراق، بغض النظر عن طبيعة النظام الحاكم ومدى ديموقراطيته. وثمة من هو مستعد لتمويل هذه الترسانة وتعزيزها بالسلاح والتغطية السياسية، بمعزل عن أن هؤلاء «المستعدين» يحكمون «رعاياهم» بالسيف ويحرّمون الانتخابات ويمنعون المرأة من قيادة السيارة ويفرضون عليها النقاب،... ثم يذهبون «لنصرة» الديموقراطية في الأقطار الأخرى بإذكاء نار الفتنة والشقاق الطائفي والمذهبي. ومن أسف أن بين القوى السياسية في لبنان من هي شغوفة بلعبة الفتنة، مفترضة أنها مصدر أكيد للشعبية ولو على حساب الوطن ووحدة شعبه ودولته. ولسنا نملك غير التنبيه بالتذكير أن الحرب الأهلية لا تبني أوطاناً بل هي تذهب بالدول وتمزق شعوبها طوائف مقتتلة إلى يوم الدين. حمى الله لبنان وشعبه، وسائر الشعوب العربية من الفتنة التي تذر قرونها في مختلف الجهات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان والحروب الأهلية العربية حـركة اسـتيراد وتصديـر لبنان والحروب الأهلية العربية حـركة اسـتيراد وتصديـر



GMT 19:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

‫تكريم مصطفى الفقى‬

GMT 09:09 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 09:05 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 09:04 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 09:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 09:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 09:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 08:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon