توقيت القاهرة المحلي 08:41:10 آخر تحديث
  مصر اليوم -

دول ولا دولة!

  مصر اليوم -

دول ولا دولة

طلال سلمان

  لا خبر في لبنان وعنه إلا الحوادث الأمنية من ماركة «عاجل» التي تداهم الناس في بيوتهم فتقلق راحتهم لفترة ثم يعودون إلى ما كانوا فيه وقد رموا «الأخبار العاجلة» خلفهم لأن هموماً أثقل وأكثر إثارة للقلق تأخذهم إلى البعيد... سعياً إلى أبنائهم الذين ذهبوا ولن يعودوا، فإذا ما عادوا فلزيارة قصيرة يطمئنون خلالها عليهم، ثم يرجعون من حيث أتوا بهويات البلاد التي استضافتهم وارتاحوا إلى الإقامة فيها بل والانتماء إليها كمواطنين بعدما نالوا جنسياتها.  لا خبر في لبنان، وفي المنطقة من حوله، إلا تهاوي «الدولة» بما ينذر باضمحلالها...  ولا خبر في سوريا وعنها إلا أعداد القتلى والجرحى والمخطوفين والمفقودين وإلا صور المدن المهدمة والقرى المحروقة والمنشآت التي بناها السوريون بالعرق المسفوح فوق أرضهم المباركة ثم تمّ تدميرها وسط احتفالات بالنصر مسبوقة بالتكبير ومتبوعة بالصلاة على الرسول العربي وآله.  ولا خبر عن العراق إلا مواقع السيارات المفخخة التي تفجر بأبناء الرافدين رجالاً ونساءً وأطفالاً وإلا أعداد القتلى والجرحى في مختلف المناطق وبهدف توسيع دائرة الفتنة بين السنة والشيعة، مع هدف ثانوي يتمثل في تهجير الكلدان والأشوريين، وهم حملة تاريخ العراق وحفظته...  ولا خبر عن اليمن إلا «الإنجازات» المتوالية للطائرات الأميركية من دون طيار، وكم قتلت من اليمنيين في هذا اليوم بتهمة أنهم «إرهابيون»، كأن إنجازات هذه الطائرات لا تندرج في خانة الإرهاب...  في هذا الركام الدموي تضيع أخبار فلسطين ويتم التركيز على استنبات المستوطنات الإسرائيلية الجديدة أو توسيع القديمة منها على حساب أهالي المدن والقرى ذات التاريخ بهويتها الفلسطينية المصدّقة بدماء أبنائها وأشجار الزيتون التي تنتصب كشهود على الزور والتزوير الإسرائيلي ــــ الأميركي المشترك والذي لا ينفع استئناف المفاوضات إلا في طمسه تمهيداً لاستيلاد التاريخ المستحدث بقوة الحديد والنار والخرافات التوراتية.  ولقد كان اللبنانيون الأسبق إلى إلغاء دولتهم... فلقد أنجزت الطبقة السياسية فيه إعادة شعبه الممتاز قبائل وعشائر بعد أن أتمت تقسيمه إلى طوائف ومذاهب ليسهل الفصل الأبدي بينها: كيف يكون وطن ذلك الذي يهرب أبناؤه من جنسيته ومن البقاء فيه ومن الاهتمام بمصيره؟  إن تهديم الدولة جار على قدم وساق، وكل «الأهالي» لا يعيشون القلق على «دولتهم»، لأن لكل طائفة «دولتها» ولكل مذهب «كانتونه»... وحدهم أولئك المصرون على أن يبقوا «مواطنين» هم الذين يحتاجون الدولة ويحاولون حماية ما تبقى منها، في عصر اضمحلال الدول أو تفسخها في المحيط القريب.  دولة بحكومة مستقيلة ورئيس حكومة مكلف تعجزه الظروف عن تشكيلها، وهكذا يقدم لبنان في عيد جيشه صورة نادرة المثال لرئيسين ولا حكومة...  دولة بمجلس نواب تعطله النكايات إلا حين يتصل الأمر بالتمديد لنفسه فينعقد لدقائق ينجز فيها «أهله» المهمة الجليلة ثم ينصرفون ليكملوا «حروبهم» التي بلا قضية إلا «إثارة النعرات الطائفية والمذهبية» التي يفترض أن القانون يعاقب عليها بالحبس والغرامة، والتي هي هي مصدر وجودهم وسبب بقائهم في مواقعهم الممتازة.  دولة بسفراء أجانب يعرفون عن شؤونها وشجونها أكثر مما يعرف مسؤولوها، يحرّضون أهلها بعضهم ضد البعض الآخر، ويقسمون رعاياها بين «أصدقاء» و«إرهابيين».  دولة بمصارف وهيئات اقتصادية ورجال أعمال تخضع أعمالهم لرقابة أميركية صارمة، فلا يتحرك دولار، حتى في الداخل، إلا بعلم الهيئة الأميركية للرقابة على المال في العالم بعدما أتمت واشنطن توحيد العملة فيه بالأمر... وإلا فالقائمة السوداء والحصار الاقتصادي حتى التجويع.  دولة «أممية» يقوم جنود أجانب على حراسة العدو الإسرائيلي ــــ بالمعنى الرسمي ــــ من داخل أرضه وليس من داخل الأرض التي يحتلها العدو ويهدده منها.  دولة تعيش بلا دولة،  وحكومة تعيش وهي ليست حكومة،  ومجلس نواب يعيش وهو ليس مجلساً للنواب يمارس مهامه في التشريع...  وقضاء يتعاظم النقد لهيئاته التي يفترض أن تكون محصنة، ثم تزاد رواتب رجاله أضعافاً، بمقدار ما تتزايد الاتهامات الموجهة إليهم والمسيئة لكراماتهم من دون أن يثوروا ومن دون أن يحاسبوا مطلقي هذه الاتهامات المعلقة والتي لا يعرف ما هو الثابت منها وما هو المزور بالنكاية أو بالغرض...  دولة في كل منطقة من مناطقها دولة: فعرسال غير اليمونة التي عند بابها، وغير الهرمل وجرودها التي طالما كان أهلها شركاء للعراسلة في جرودهم فإذا ما اختلت الشراكة تفجرت المذهبية حروباً لها بين السياسيين من يستثمرها لتوطيد زعامته.  إنها دولة القضاء والقدر والإبداع اللبناني الذي لا شبيه له ولا مثيل. فلا تهتم للأخبار العاجلة... إنها بعد ساعات ستغدو حكايات قديمة. وستغطيها التصريحات والتصريحات المضادة فتصير من الماضي الذي يتحكّم بحاضرنا ومستقبلنا في هذا الوطن الذي بلا دولة.  عشتم وعاش لبنان. "السفير"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دول ولا دولة دول ولا دولة



GMT 15:38 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

سوريا بين المستقبل و«الحكم الأصولي»

GMT 15:35 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

سوريا.. أى مسار مستقبلى؟

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إسرائيل وثمن إسقاط الأسد

GMT 15:33 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

أنا المدير.. أنا لست جيدًا بما يكفى

GMT 08:31 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

الملاذ

GMT 08:29 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

وبقيت للأسد... زفرة

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

الشرع والعقبة

GMT 08:23 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل سوريا: مخاوف مشروعة

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين
  مصر اليوم - مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 08:48 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

دليل لاختيار أقمشة وسائد الأرائك وعددها المناسب وألوانها
  مصر اليوم - دليل لاختيار أقمشة وسائد الأرائك وعددها المناسب وألوانها

GMT 23:09 2019 الإثنين ,24 حزيران / يونيو

بورصة دبي تغلق دون تغيير يذكر عند مستوى 2640 نقطة

GMT 21:08 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

باريس سان جيرمان يستهدف صفقة من يوفنتوس

GMT 14:28 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير المصري تدعم إستمرار ميمي عبد الرازق كمدير فني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon