طلال سلمان
مبروك للرئيس ميشال سليمان هذه الخاتمة المذهّبة لعهده الذي لم يسعفه فيه الحظ لكي ينجز ما يستحق التباهي به.
لقد حظي، أمس، في باريس، برعاية دولية تذكّر بتلك الرعاية التي أوصلته إلى سدة الرئاسة، قبل ست سنوات إلا قليلاً.. من هنا يمكن القول إنه الرئيس الدولي في البداية كما في الختام.
كذلك حظي الرئيس تمام سلام برعاية تجاوزت وضع حكومته المعلّق على الصيغة الإنشائية للبيان الوزاري.. وهي بهذا المعنى غير مسبوقة، وستنعكس قطعاً على الثقة النيابية، وقد تعوّض التأخير في وصول «صاحب الدولة» إلى ذلك البيت في المصيطبة الذي «ابتدعت» فيه الراية الوطنية للدولة التي استولدت قيصرياً.
للتذكير فقط نشير إلى أن الدولة التي ترعى هذا المؤتمر لنجدة لبنان هي هي التي كانت ضد استقلاله عنها بإنهاء انتدابها، وهي هي التي اعتقلت القيادات الاستقلالية وبينهم أول رئيس للجمهورية الوليدة (الشيخ بشارة الخوري) وأول رئيس لحكومتها العتيدة (رياض الصلح) ومعهما بعض رموز الحركة الاستقلالية (كميل شمعون، عادل عسيران وعبد الحميد كرامي).
ذلك من التاريخ، وفرنسا اليوم هي غيرها في العام 1943، وإن كانت ما تزال تعامل لبنان برعاية الأم الحنون وأبرز الأدلة وأفصحها دلالة هو هذا المؤتمر الذي نظمته ورعته مجموعة الدعم الدولية للبنان.
ومع الشكر لفرنسا وسائر مجموعة الدعم الدولية فإن البيان الختامي قد أغفل، سهواً أو ربما نتيجة اللهفة والتسرع، بعض التهديدات الإرهابية للمدنيين اللبنانيين، ومنها ــــ على سبيل المثال لا الحصر، الاعتداءات اليومية التي ترتكبها إسرائيل ــــ ربما بالخطأ ــــ في حق لبنان برغم اعتماده السياسة ذات الشعار الفذ: النأي بالنفس..
ذلك أن لبنان المهيض الجناح لا يستطيع أن ينأى بنفسه جغرافياً عن دولة الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين... وربما لهذا يجوب سماءه الطيران الحربي الإسرائيلي كل يوم من أدنى الجنوب إلى أقصى الشمال والشرق، في حين تتكفل السفن الحربية الإسرائيلية ببحره في الغرب... وهي تمنعه من استخراج النفط والغاز من بعض هذا البحر.
ولقد أغفل الرئيس سليمان (ووفده) أن يشير إلى الغارة الإسرائيلية التي شنها طيران العدو على منطقة جنتا ــــ يحفوفا في البقاع الشمالي، قبل أيام.
ولما كان واضحاً أن هدايا السلاح الفرنسي التي سوف ينالها لبنان نتيجة المكرمة الملكية السعودية التي وهبها عبد الله بن عبد العزيز للرئيس الذي يعيش أسابيعه الأخيرة في القصر الجمهوري لتسليح جيش الوطن الصغير مهيض الجناح، لن تشمل أسلحة فعّالة يمكنه أن يستخدمها في الدفاع عن أجوائه وعن بحره، قبل الحديث عن البر وبعده، يصبح مشروعاً السؤال: لماذا هذا الكرم المتأخر في الدعم العسكري المكرّس للاستخدام في الداخل، وليس إلا في الداخل؟
يتصل بذلك سؤال آخر: إذا كان عدد الإخوة السوريين الذين لجأوا إلى لبنان قد بلغ، حتى الساعة، المليون نسمة، غالبيتهم من الأطفال والنساء، أفلم يكن أحرى بمجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان أن تكون أكرم على لبنان وعلى هؤلاء الذين جاءوا إليه هاربين من نيران القتل التي تكاد تلتهم وطنهم وتهدد جواره العربي (والتركي) جميعاً؟!
ألا يستحق هؤلاء الإخوة من ضحايا الحرب على سوريا وفيها سخاءً يوازي السخاء في شراء أسلحة ليست مؤهلة لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية الواقعة يومياً... ليس فقط من المملكة المذهّبة بل أيضاً من هذا الحشد الدولي المهيب في باريس.
مرة أخرى، مبروك للرئيس سليمان هذا الإنجاز المتأخر الذي ــــ لسوء الحظ ــــ لن يستطيع استخدامه من أجل التمديد أو التجديد.
ومبروك للرئيس سلام أن يكون قد حاز مثل هذه الثقة الدولية غير المسبوقة، من قبل أن تنجز حكومته العتيدة بيانها الوزاري ومن قبل مثولها أمام المجلس النيابي للحصول على ثقته الغالية..
وما قيمة نص البيان الوزاري والثقة النيابية أمام هذا التفويض الدولي المطلق، الذي مُنح للحكومة قيد الولادة من قبل أن تصير حكومة.. شرعية؟!