توقيت القاهرة المحلي 22:20:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لكي تستعيد الأمة قدرتها على بناء حياتها السياسية

  مصر اليوم -

لكي تستعيد الأمة قدرتها على بناء حياتها السياسية

طلال سلمان

يكاد العمل السياسي أن يندثر في كامل المنطقة العربية مشرقاً ومغرباً، مخلياً الساحة أمام قطبين محددين: الجيش والتنظيمات الإسلامية، بالمتطرف منها والمعتدل والبين بين. والحقيقة المحزنة أنه لم يسلم من تراث العمل الوطني والقومي، وكذلك التقدمي، إلا هياكل مفرغة لتنظيمات استهلكتها السلطة، مع أنها لم تكن في أي يوم مصدر القرار في أي سلطة، وإن كانت معظم القرارات قد صدرت باسمها وبأختامها. لقد غابت الأحزاب «التاريخية» عن الفعل وإن ظلت لافتاتها وشعاراتها مرفوعة فوق بعض الأبنية التي شكلت عناوين لمرحلة سابقة امتدت لنصف قرن أو يزيد، سواء بدور لها فعلي، أو بلافتات لها تغطي وتموه أصحاب القرار. فجأة، اختفت حقبة كاملة من التاريخ السياسي العربي مخلفة ذكريات سوداء عن أحزاب طليعية ومنظمات وهيئات لعبت دوراً ريادياً في الفكر والدعوة، مؤكدة جدارة الإنسان العربي في أن يصنع غده بإرادته وبقدراته بعد التحرر من التركة الثقيلة التي خلفها الاستعمار بعد دهر تحكمه بالقرار العربي. نبدأ من لبنان الذي كان المنبر والندوة والمختبر و«الساحة» المفتوحة أمام الحراك السياسي، بالدعوة كتابة أو تظاهراً، بالأحزاب والتنظيمات التي شكل العديد منها امتداداً للمركز الرئيسي خارجه: «الحزب الشيوعي»، «الحزب السوري القومي الاجتماعي»، «حزب البعث العربي الاشتراكي» فضلاً عن عشرات التنظيمات التي نشأت أو أنشئت في ظلال التجربة الناصرية، أو تلك التي استولدت بالرغبة أو بالتمني في ظل تجربة تمركز حركة الكفاح المسلح الفلسطيني في لبنان. لم يتبق الآن إلا الأحزاب والتنظيمات الطائفية والمذهبية. في سوريا تبخرت أسطورة الحزب الحاكم، منذ زمن طويل، وتحول «حزب البعث العربي الاشتراكي» إلى ستارة لحكم «الأخ الرفيق القائد»، المتحدر غالباً من الجيش. وذلك بدءاً من العام 1963 وبعد سنتين من انفراط عقد الوحدة بين مصر وسوريا في الجمهورية العربية المتحدة تحت قيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. وابتداءً من العام 1970 حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد سوريا لمدة ثلاثين سنة متصلة، محافظاً باستمرار على «القيادة القومية» التي كانت تؤكد ـ نظرياً - الهوية الجامعة للحزب عربياً، وعلى «القيادة القطرية» التي كان يفترض أن تكون رأس الحكم، مع جبهة شكلية جمعت إلى هذا الحزب بعض بقايا الأحزاب القومية والتقدمية (الشيوعي الذي صار أحزاباً، والقومي الذي تشقق فرقاً..). أما في العراق الذي «استولى» الحزب على الحكم بثورة 8 شباط 1963، ثم فقده ليستعيده ثانية في تموز ـ يوليو - 1968، وكان صدام حسين الحاكم الفعلي للعراق حتى الاجتياح الأميركي وإسقاطه ثم إعدامه بطريقة مهينة تقصد منها أن تثير الفتنة في صيف العام 2003. كانت اللافتة للحزب والحكم لصدام بمساعدة جهاز المخابرات... مع ملاحظة أن كل رئيس قائد كان يعتمد «جهازاً خاصاً» داخل المخابرات يرتبط به مباشرة ويأتمر بأمره من دون الرجوع إلى أية جهة أخرى. وفي هاتين الدولتين المشرقيتين كانت المخابرات (ومعها المباحث) هي حزب الحاكم الفرد، ترجع إليه في كل صغيرة وكبيرة وتنفذ تعليماته بدقة... بينما الحكومة بوزاراتها المختلفة وإداراتها المدنية جهاز تنفيذ لا شراكة له، بل ولا علاقة له بمركز القرار المفرد. حتى في اليمن الجنوبي (الذي اصطنعت له دولة ذات يوم تحت قيادة حزب أوحد يتحدر نظرياً من حركة القوميين العرب ثم انتهى ماركسياً لينينياً تابعاً لموسكو) انتهت التجربة بمذبحة هائلة، ثم حسم الجيش الخيار، فعاد الجنوب إلى أحضان اليمن الأم عبر حربين... ومنذ تلك اللحظة سيطر الجيش على السلطة شمالاً ثم في الشمال والجنوب معاً، وحكم الفريق علي عبدالله صالح لمدة ثلث قرن أو يزيد بالجيش والقبائل معاً، وإن تحت لافتة حزب سياسي، تاركاً لأحزاب المعارضة هامشاً من الحركة، حتى أسقطته انتفاضة شعبية ومعززة بدعم خارجي مفتوح لعبت فيها القبائل والريالات دوراً حاسماً.. وما زال الصراع مفتوحاً وما زال دور الجيش مؤكداً. أما في الضفة الأخرى من الوطن العربي، فقد لعبت الأحزاب السياسية في المغرب لمرحلة طويلة في الملعب الملكي. لكن تجاربها في السلطة المحكومة بقرار الملك - أمير المؤمنين - استهلكتها. وأما في الجزائر فقد كان الجيش هو الملك وهو القائد وهو الرئيس دائماً، سواء من خلف ستار أم عبر واحد من جنرالاته مباشرة.. وها هو ما زال الحاكم فعلاً، ولا يغير من هذه الحقيقة أن يستبقى عبد العزيز بوتفليقه رئيساً لدورة رابعة برغم مرضه الذي يقعده. ولقد كانت صورته وصندوقة الاقتراع تحمل إليه، وبعض وجهه مغطى بالكمامة، بينما ثمة من يسند يده وهي ترمي ورقة الفوز بالرئاسة مجدداً مثيرة للشفقة ومشاعر أخرى. فأما مصر فلم يكن ثمة حزب إلا الجيش منذ «ثورة 23 يوليو» 1952. كانت الأحزاب السياسية التقليدية، وأبرزها «الوفد» قد خسرت صدقيتها وحتى شرعيتها الشعبية قبل سنوات طويلة، في حين كان «الإخوان المسلمون» يدارون أن يظهروا كحزب سياسي، برغم استقطابهم لجمهور واسع من المناصرين بشعار الإسلام. ولقد فشلت الثورة في بناء «حزبها»، برغم شعبيتها الأكيدة، وظلت شخصية «القائد» هي الطاغية. ولم ينجح «تحديث الحزب» أو تعزيزه بتلك النخبة التي اجتمعت في «التنظيم الطليعي» في التقدم ليكون المرجعية السياسية، وإن استطاعت أن تلعب دوراً تنويرياً يجمّل صورة الحكم ويضفي عليه سمات من الحداثة الفكرية. ظلَّ ظِلُ الجيش قائماً خلف «الريس»، حتى إذا رحل عبد الناصر وجاء أنور السادات إلى السلطة لم يواجه مشكلة في الخلاص من التنظيم الأم، الاتحاد الاشتراكي، ثم من التنظيم الطليعي، تحت شعار «أن مصر كلها عيلة واحدة وعلينا أن نتحلى بأخلاق القرية والعيلة الواحدة»... وهكذا بدل في رأس التنظيم وفي اسمه وتركه واجهة شكلية ودائرة تصديق على قراراته، واثقاً من أنها لن ترفض حتى الخروج على المقدس من الأهداف والشعارات، مثل زيارة العدو الإسرائيلي والخطابة أمام الكنيست ثم عقد سلسلة من المعاهدات توجت بـ«اتفاق كامب ديفيد». المهم أن الأحزاب السياسية قد غادرت المسرح منذ أمد طويل، ولم يتبق منها إلا حركة «الإخوان المسلمين»، سرية في غالب الأقطار العربية معظم الوقت، وعلنية مؤخراً. إذن بقي الجيش في موقع السلطة و«الإخوان» في موقف من يداري السلطة وينافقها من دون أن يلتحق بها تماماً، كما كان الحال في عهد السادات، بداية، ثم في عهد مبارك. فلما نجح «الإخوان» في القفز إلى سدة الحكم في مصادفة قدرية قبل عامين تقريباً كان همهم الأول «تحييد» الجيش تمهيداً لإحكام السيطرة عليه... لكن التجربة لم تنجح لأسباب معروفة، وكانت النتيجة أن تحرك الجيش بقيادة الفريق عبد الفتاح السيسي، في «3 تموز» 2013 لينهي المصادفة القدرية، ويعود إلى موقع القرار في السلطة الجديدة في مصر، في انتظار الانتخابات الرئاسية التي ستجري بعد أسابيع قليلة، والتي لن تنهي التساؤلات عن دور الجيش في مستقبل الحكم في مصر. يمكن القول براحة ضمير أنْ لا حكم مدنياً في أي من أقطار العرب، خصوصاً وأن الممالك والإمارات تحصر السلطة في العائلات المالكة. لكن الطوفان الذي غمر الميادين في السنوات الثلاث الأخيرة لا بد أن يكسر السدود والقيود، وأن يفتح أبواب الاهتمام بالشأن العام. ومصر تبقى ميدان الاختبار الأساسي. مع الأخذ بعين الاعتبار أن على الشعوب العربية أن تعكف على تعلم العمل السياسي، من جديد.. وبلغة العصر، وليس بالبكاء على الماضي. فالهدف بناء المستقبل. ويفترض أن تقدر الأمة على استنقاذ مستقبلها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لكي تستعيد الأمة قدرتها على بناء حياتها السياسية لكي تستعيد الأمة قدرتها على بناء حياتها السياسية



GMT 08:58 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 08:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 08:43 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 08:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 07:32 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 07:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 07:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 07:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 08:05 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 18 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 10:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دوناروما يؤكد ان غياب مبابي مؤثر وفرنسا تملك بدائل قوية

GMT 09:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 04:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونسكو تعزز مستوى حماية 34 موقعًا تراثيًا في لبنان

GMT 13:08 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نيمار يشتري بنتهاوس بـ 200 مليون درهم في دبي

GMT 07:25 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزالان بقوة 4.7 و4.9 درجة يضربان تركيا اليوم

GMT 03:12 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

ليليا الأطرش تنفي تعليقاتها عن لقاء المنتخب السوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon