بقلم طلال سلمان
أما وأن العالم قد نسي لبنان أو تناساه، ولا يريد منه إلا حفظ استقراره بقدراته الذاتية،
وأما وأن العرب المذهبين قد فرضوا عليه حصارهم تأديباً له على مقاومته ومواجهة الحرب الإسرائيلية وإلحاق الهزيمة بهذا العدو الذي يرونه قد أخذ يجنح إلى السلم، الآن، فلا بد من رد التحية بأحسن منها،
وأما وأن الدولة مغيبة تماماً، وبمؤسساتها السيادية أساساً: فانتخاب رئيس جديد للجمهورية معطل، والمقعد شاغر منذ نحو السنتين، والقصر مفتوح على الفراغ..
والمجلس النيابي يستطيع أن يمدد لنفسه بنفسه، من دون أن يربح «جميلة» الشعب وتمنينه بأنه إنما هو موجود بفضل أصواته،
.. وأما وأن الحكومة حاضرة ـ غائبة، مشلولة القرار، معطلة عن الفعل، يحتاج نصاب كل جلسة من جلساتها كمجلس للوزراء إلى جهود خرافية.. وأما التوافق على جدول الأعمال فإلى معجزة، وأما اتخاذ القرار في أي أمر أو مسألة أو مشكلة فإن ذلك يحتاج إلى سلسلة من الأعاجيب... ومع ذلك فهي تستمر على قيد الحياة، ولو بلا فعل..
... فمن الطبيعي أن يفرح اللبنانيون، الممنوعون من إبداء رأيهم في شؤون حياتهم، والمشاركة في القرار حول المآزق التي يعيشها بلدهم الصغير والجميل، حين تدعوهم حكومتهم ـ بشخص وزير داخليتها منفرداً بشجاعة اتخاذ القرار ـ إلى ممارسة حقوقهم في انتخاب مجالس بلدية ومخاتير في مدنهم والبلدات والقرى، بعد تمديد غير مبرر، بسبب ادعاء الحكم العجز عن تحمل المسؤولية عن إجراء انتخابات آمنة في كل لبنان،
مع ذلك فإن السؤال الذي يتردد في كل مكان يبقى هو هو، حتى لحظة فتح أبواب أقلام الاقتراع: هل ستجري الانتخابات البلدية والاختيارية فعلاً؟!
ينشر المرشحون صورهم لصقاً على الجدران، ويبث بعضها في نشرات الأخبار المتلفزة، ويدلون بتصريحات «خطيرة» عن التغيير الآتي مع فوزهم، ويطلقون الوعود حول برامجهم للإنجاز، قبل أن يلتفتوا إلى من حولهم بالسؤال: هل تصدقون أننا ذاهبون فعلاً إلى الانتخابات أم تراها سوف تلغى في اللحظة الأخيرة «لأسباب قاهرة» يلخصها «الخطر الأمني»؟!
تنشر الصحف، يومياً، صفحات حافلة بتفاصيل التفاصيل عن معارك سوف تحصل، وعن تفاهمات قد تلغي «الحروب» المحتملة، والصور.. الكثير من الصور، لمرشحين ومرشحات من خارج السياق التقليدي، ودعاة تغيير جدي لكي يصبح للعمل البلدي دوره في تنمية المدن والقرى (مع التركيز على بيروت العاصمة التي قد توفق إلى مجلس بلدي ناهض بالمسؤولية يخدم عمرانها وتقدمها كمدينة جاذبة للأخوة العرب كمركز من مراكز نهوضهم، فضلاً عن الحرص على أهليتها لاستيعاب المليون من أبنائها و «الوافدين» الذين يقطنونها باعتبارها «المركز»).
تبث الشاشات، على اختلاف توجهاتها، تحقيقات مصورة عن المدن والبلدات وصولاً إلى القرى والدساكر، فيكتشف الكثير من المواطنين لبنانهم الذي لا يعرفونه.. كما تبث تفاصيل عن التحالفات الأكيدة ومخاطر الصراع البلدي الأمنية، وعن مخاتير القرن الحادي والعشرين الذين تغنيهم معرفتهم بالقراءة والكتابة عن الختم وبصمة الإبهام الأيمن تصديقاً لشهادة ميلاد أو طلب إخراج قيد.
تشهد الجدران بما تراصف فوقها من صور لمرشحات ومرشحين، بأن الانتخابات ستجري في أجواء من التنافس الجدي بين «قوى الماضي» ـ بالإقطاع فيه سياسياً ودينياً ـ وبين رجال «العهد الجديد» وسيداته والأوانس من المرشحات الذين يضفون حيوية استثنائية على هذه المعركة التي قد تفتح الأبواب الموصدة أمام التغيير السياسي، ولو بحدود مضبوطة، في هذه البلاد التي نظامها السياسي (الطائفي في جوهره) أقوى بما لا يقاس من قدرات شعبها المحبوس في أقفاص طوائفه والمذاهب (وحملة مفاتيح هذه الأقفاص يتسلون بالفرجة عليه..).
يطوف المرشحون على الناخبين في بيوتهم، يتخطون حواجز الخلافات العائلية وحساسيات ذوي القربى، يطلقون الوعود والتعهدات بالتغيير الذي بات شرط حياة إلخ..
لكن اللافت أن أهل الطبقة السياسية، أقطاباً وأتباعاً، يبدون مطمئنين بما يثير الريبة في جدية التوجه ـ فعلاً ـ إلى الانتخابات، أي انتخابات، وكل انتخابات.
وهنا مكمن السر: هل أن هؤلاء الأقطاب الذين يتحكمون بأسباب حياة الناس قد تغيّروا، أم أنهم مطمئنون إلى أن الانتخابات ستكون مضبوطة وفق ما يرغبون، أم أن مصدر اطمئنانهم يعود إلى أنها لن تتم لسبب أو لآخر لا يعرفه إلا الراسخون في العلم.
إن مصدر القلق على الانتخابات البلدية، تكون أو لا تكون، إنما يكمن في هدوء هؤلاء!