توقيت القاهرة المحلي 22:20:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الاستعمار بالطلب بين «خلافتين»..

  مصر اليوم -

الاستعمار بالطلب بين «خلافتين»

طلال سلمان


لا يعرف «المواطن العربي» إذا ما كان عليه أن يفرح لهدم الحدود بين أنحاء «بلاد الشام»، والتي أقيمت في غفلة منه وبتجاوز لإرادته قبل مئة عام تقريباً، أم أن عليه أن يحزن، لأنه ـ هذه المرة أيضاً ـ مغيّب: لم يسأله أحد رأيه، بل ولم يهتم من يهدم الأسوار التي أقيمت بينه وبين شقيقه، بوجوده، وبمستقبل العلاقة بين هؤلاء الأشقاء الممنوعين من تجاوز «الحدود الدولية» التي أقيمت داخل البيت الواحد والعائلة أو العشيرة الواحدة.
على أنه يشتبه في أن التاريخ يعيد نفسه، وأن الاستعمار الجديد يبرّر تدخله ـ الجوي!! ـ الذي يتكامل مع إنجازات «داعش» في هدم ما تمّ بناؤه في مدن بلاد العراق والشام وأنحائها، بأنه يتم تلبية لمناشدات دول المنطقة المهددة في وجودها: أي أنه يأتي محرراً لا محتلاً ومنقذاً بدافع الشهامة وليس طامعاً بخيرات المنطقة، وعنوانها النفط... ثم أنه يأتي بالطلب بل وبالرجاء والاستعطاف.
لكأن التاريخ يعيد نفسه: فقبل مئة عام تماماً أحاقت الهزيمة بالاحتلال التركي الذي دخل البلاد العربية في ثوب الخليفة ـ أمير المؤمنين، وجاء الاستعمار الغربي المنتصر (بريطانيا وفرنسا) فتقاسم قطباه هذه الأرض ومَن عليها، وفي حسابهما أن يوفرا المساحة والظروف المؤاتية لإقامة «دولة إسرائيل» التي كانت وعداً بريطانياً فصارت «دولة» بقرار دولي أجمع عليه الغرب الاستعماري مع الشرق الاشتراكي في ظل الهزيمة العربية. وكانت الذريعة أيضاً نجدة ملك الحجاز الذي نصّب نفسه خليفة وأميراً للمؤمنين.
الآن نحن أمام «خليفة» جديد، نصّب نفسه بعد «جهاد» طويل، وفي رعاية الإمبراطورية الأميركية، بدءاً بأفغانستان مروراً بباكستان وصولاً إلى الجزيرة العربية فالعراق والشام. ولقد انطلقت جحافله من تركيا أساساً، وأفادت من الحرب في سوريا وعليها وتهالك الوضع في العراق بالخلافات الداخلية التي حرّكت الفتنة، لتعزيز قوتها وقدراتها.
وها نحن نشهد تجاوز «الحدود» وإسقاطها... لكأنما مَن أقامها قبل مئة عام يهدمها (ولعل مسارعة بريطانيا وفرنسا إلى المشاركة في هذه الحرب تتضمن الحق بالشراكة في المغانم باعتبارهما يتحمّلان المسؤولية عن هذه الكيانات).
.. وبالتالي فإن مَن أقام «الحدود» و«الدول» في بلاد العراق والشام، يهدمها الآن، ويبيع أهلها الأوهام مستفيداً من أنهم كانوا ـ تاريخياً ـ ضدها، وأن «علامات الحدود» قد غُرست في لحومهم وفرّقت بين الشقيق والشقيق وجعلت العائلة الواحدة بأربع جنسيات أو يزيد! وفي سوريا والأردن والعراق وشبه الجزيرة العربية تتوزع القبيلة بل العشيرة الواحدة على «دول» مختلفة لكل منها «حدودها» القاطعة ـ المانعة كحد السيف.
وحتى لا يكون «التدخل» عدواناً أجنبياً، فقد هبّ أهل النخوة والشهامة من العرب العاربة إلى المشاركة فيه (كمشاركة الشريف حسين في الحرب العالمية الأولى)، وغطوا الطائرات المغيرة ـ بذريعة ضرب «داعش» ـ بكوفياتهم وألقابهم ذات الجلالة والسمو..
تمخر صواريخ «التدخل الإنقاذي» الجو فوق رؤوسنا فنحنيها بالخجل قبل الخوف من أن تصيبنا عن طريق الخطأ!
وهكذا تشارك دول الكرتون العربية في ضرب الخلافتين الأموية والعباسية في «بلاد العراق والشام»، ويخرج مسؤولوها متباهين بالإنجاز التاريخي.
كأنما هؤلاء المسؤولون نماذج فذة للوحدة والعدل والديموقراطية في الدول التي يحلمون: جاءت بهم صناديق الاقتراع في انتخابات حرة ولآجال محددة، يعودون بعدها إلى ممارسة حياتهم الطبيعية «كمواطنين».
إن هذه الأنظمة جميعاً، التي ورثت الاستعمار القديم، تمهّد للاستعمار الجديد، وتبرّر له احتلاله (من الجو!! أي من دون ضحايا لهذا الاحتلال..) بكل النتائج المأساوية التي سيتحملها أبناء هذه الأرض في حاضرهم ومستقبلهم.
إن هذه الأنظمة جميعاً أضعف وأقل شأناً من أن تكون «شريكاً» أو «حليفاً».
على أن هذا لا يعني أنها ليست، أو لم تكن قبل حين، شريكاً لـ«داعش»، وكل ما في الأمر أنها تقدمت بطلب استعطاف إلى صاحب الإمرة الجديد، أي الأميركي، بأن يقبلها في خدمة استعماره (الجوي!) الجديد... ولتكن له الأرض بثرواتها، وبرعاياها الذين يخرجون على طاعة ولي الأمر يقرر في شأنهم ما يراه.
إنه الاستعمار بالطلب، بل بالرجاء، بل بذلّ السؤال... وإن هو كلّف كل ما تمّ بناؤه أو إعماره في الفترة الفاصلة بين استعمارين!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاستعمار بالطلب بين «خلافتين» الاستعمار بالطلب بين «خلافتين»



GMT 08:58 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 08:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 08:43 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 08:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 07:32 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 07:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 07:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 07:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 08:05 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 18 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 10:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دوناروما يؤكد ان غياب مبابي مؤثر وفرنسا تملك بدائل قوية

GMT 09:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 04:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونسكو تعزز مستوى حماية 34 موقعًا تراثيًا في لبنان

GMT 13:08 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نيمار يشتري بنتهاوس بـ 200 مليون درهم في دبي

GMT 07:25 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزالان بقوة 4.7 و4.9 درجة يضربان تركيا اليوم

GMT 03:12 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

ليليا الأطرش تنفي تعليقاتها عن لقاء المنتخب السوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon