طلال سلمان
لا يمكن السكوت على المذبحة التي تستهدف مصر بتراثها الحضاري وحقوق الإنسان فيها، والتي ارتكبت ـ مرة أخرى ـ أمس، الثلاثاء، عبر الأحكام الخارجة عن منطق العدالة والقانون وحقوق الإنسان والحرص على كرامة القضاء، بل وكرامة الدولة العريقة بتاريخها والتي شكل العلماء والمفكرون والمجتهدون بالدستور وبالقانون (والشرع ضمناً) رواداً في إرساء أسس التقاضي والأحكام بحق المخطئ أو المتجاوز أو حتى المجرم، مع حفظ كرامة الإنسان وحقوقه الطبيعية التي لا يجوز مسها أو التفريط بها.
نكتب هذه الصرخة المستنكرة حرصاً على مصر وكرامة شعبها وهيبة الدولة فيها، وهي الأعرق عربياً وحتى دولياً إلى حد كبير، وليس دفاعاً عن حزب أو جماعة أو هيئة، خصوصاً وأننا ـ بالمبدأ ـ ضد أي تنظيم سياسي يتسلح بالشعار الديني توسلاً للوصول إلى الحكم، وبالتالي فلم نكن يوماً مع «الإخوان المسلمين»، لا في مصر ولا في غيرها من الدول العربية.
ومن منطلق سياسي، وبإيمان عظيم بدور مصر عربياً وفي مدى مفتوح يتجاوز هذه الأمة إلى جوارها الأفريقي والعالم الثالث جميعاً، نرفع الصوت بالاعتراض على الأحكام الجائرة والموظفة سياسياً، من خارج منطق القانون والعدالة، والتي صدرت أمس ضد الرئيس المخلوع محمد مرسي وقيادات جماعة الإخوان المسلمين.. خصوصاً وأنها تتناول أحداثاً وحوادث سابقة على تولي «الإخوان» السلطة.
إذ يفترض أن الحكم القائم الآن في القاهرة، والذي خلع «الإخوان» من دست السلطة بعد عام طويل من تفردهم بها، وعبر مواجهة دموية في الشارع، قد حاكم وأصدر حكمه ـ بقوة الشارع معززاً بالجيش أو بالعكس ـ فأسقطهم ليتولى السلطة مطلقة، بلا مجلس نيابي، وبلا أحزاب شريكة تمثل ذلك «الشارع» بالطبقات والفئات والهيئات الاجتماعية المختلفة التي نزلت إلى «الميدان»، مرة وثانية وثالثة، حتى وصل إلى السدة من يحكم الآن منفرداً، لا شريك له ولا رقيب عليه أو حسيب.
ولا يمكن تبرير هذه الأحكام المجافية للدستور والقانون والعرف والتي شملت الرئيس المخلوع محمد مرسي ومجموعات من «رفاقه» في تنظيم الإخوان المسلمين بأنها «سياسية»، أو أنها رد على «التآمر والتجاوز والتخابر وتهديد الأمن القومي إلخ..».
إن هذه الأحكام الجائرة والخارجة على أي قانون، ستصيب السلطة وستضر بها إضراراً فادحاً، أكثر مما ستصيب «الإخوان» الذين سيتحولون إلى «ضحايا» وربما إلى «شهداء»، وهذا شرف لا يستحقونه، بقدر ما هي إهانة لمصر بدولتها وقضائها وكرامة شعبها، وهذه عقوبة أقسى مما يمكن أن يتحمل هذا الشعب العظيم والصابر.. أبداً.
لقد حكمت السلطة على ذاتها، وأعادت شيئاً من الاعتبار إلى خصومها عبر التسرع والتجاوز في الأحكام، والمحاسبة على أحداث وقعت بينما كل الشعب في الشارع ينادي بإسقاط الحكم القائم يومها (المجلس العسكري).
وبقدر ما تسرع السلطة في وقف هذه الأحكام الجائرة بحق مصر، قبل «الإخوان» وبعدهم، فإنها ستخفف من ارتداداتها السلبية عليها، وعلى شرعيتها، وعلى جدارتها بتمثيل مصر... التي في خاطر كل مواطن عربي.
وعسى أن تتنبه السلطة التي تحكم بالشخص منفرداً، وبغير مؤسسات تشريعية وسياسية منتخبة تحميه من خطيئة التفرد، قبل فوات الأوان، فيغدو حكم مصر أسوأ نموذج للسلطة التي يتهم بها «الميدان»... وعندها سيقع الطلاق، حكماً، بين «الميدان» والسلطة التي قفزت باسمه إلى موقع القرار لتتفرد فتنفرد به، خلافاً لكل ما كان يطمح إليه وينادي به ويضحي من أجله.