توقيت القاهرة المحلي 15:24:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عن الانتفاضات العربية: قراءة في أسباب الإخفاق.. وحتمية التجدد؟

  مصر اليوم -

عن الانتفاضات العربية قراءة في أسباب الإخفاق وحتمية التجدد

طلال سلمان

بعد سبات طويل تبدّى وكأنه إغماء وغياب عن الوعي، تفجرت الأرض العربية بانتفاضات شعبية عارمة كانت أسبابها قاطعة في وضوحها وشاملة في تعاظم أعداد المدفوعين إليها باليأس، فقبل خمس سنوات أو أكثر قليلاً، غادرت الجموع البيوت والمكاتب والمقاهي لتملأ الشوارع والميادين وساحات الجامعات.

أما أسباب الخروج لمواجهة السلطة بعد سقوط الخوف فكانت مــتعددة ومتنوعــة وموجــعة، أخطرها الأزمات الاقتصادية التي شلّت الدولة والقطاع الخاص الذي كان يحظى دائماً برعاية أهل الحكم، نظراً للشراكة بين الفريقين على حساب الشعب المتروك لقدره في وهدة فقره وامتناع أسباب التقدم عليه.

بعد خمس سنوات طويلة وحافلة بالتطورات، يسود الآن شعور بالخيبة والإحباط ومرارة انطفاء الأمل، وتتفجر الأسئلة موجعة:

هل انطفأ الغضب الشعبي بالعجز عن التغيير المرتجى أو بالمخادعة والتحايل وحرفه عن مساره لإعادة استيلاء الطغيان بصورة ملطّفة ببعض شكليات الديموقراطية التي لا تفعل غير إعلان اغتيال الانتفاضة وإقفال الشوارع أمام احتمال تفجرها من جديد؟
أين اختفت الملايين التي خرجت إلى الميادين والشوارع تهدر بمطالبها وأولها استعادة حقوقها في وطنها وحقوقها على دولتها؟ هل توفَّر «العيش»؟ هل سادت الحرية؟ هل عادت الدولة إلى شعبها؟
هل لحقت انتفاضة 25 يناير 2011 بشعار ـ عيش ـ حرية ـ وحدة وطنية ـ ميدان التحرير في القاهرة بانتفاضة 25 يناير 1972، في القاهرة أيضاً ضد إضعاف الجيش بطرد الخبراء الروس وكان شعارها «ح نحارب!، «أم هي لحقت بانتفاضة الخبز في العام 1977؟
وهل الخيار الوحيد المتاح: الحرب الأهلية أو تجديد النظام من داخله، بما يغتال حلم التغيير الجذري.
إن أخطر إنجاز للانتفاضات العربية المتوالية التي بدلت في الخريطة السياسية لهذه المنطقة، أنها كشفت غربة الأنظمة الحاكمة عن فهم شعوبها بهويتها الأصلية غير القابلة للتعديل أو التغيير، وطموحاتها إلى مستقبل أفضل، وعن تلبية مطالبها في حياة مقبولة، كرامة المواطن فيها محفوظة وحقه في وطنه وبناء مستقبله مؤكد ومضمون.
فعلى امتداد دهر الضياع والفساد، تمّ طمس الهوية الجامعة لأبناء الشعب الواحد، فكيف بهوية الأمة الواحدة!
لقد تمت ضروب من الممارسات بهدف طمس الهوية الجامعة لشعوب هذه المنطقة العربية: جرى تنميه الإقليمية الكيانية التي تنتهي بعدائية مطلقة للعروبة، من نماذجها ما كان يقال ويجري تعميمه من شعارات كيانية تخدم المستعمر والمحتل، كمثل القول: «اصرف فلوسي على ثورة الجزائر؟ ليه؟! أنا عايز أعيش أحسن!».
في المقابل، فإن ممارسات خاطئة، صادرة عن الجهل أو عن نقص في الوعي طالما ترددت خلال فترة الوحدة بين مصر وسوريا في «الجمهورية العربية المتحدة» والتي فرضت على الكثير من القوى المؤمنة بالوحدة (إذا ما استبعدنا الانتهازيين والهاربيــن بمشــاكلهم إلى الغير): «نتعامل مع الوحدة كاستعمار مصري لسوريا أو نخربها بالانفصال... وهكذا نستعيد سوريا ضعيفة بحيث نستطيع حكمها، ونترك عبد الناصر ضعيفاً بحيث يمكن إسقاطه!».
بل إن الهرب من الهوية الجامعة ومسؤوليتها الطبيعية لحق حتى بالقضية المقدسة، فلسطين: «أتريدني أن أحارب من أجل فلسطين وأنا بحاجة إلى الرغيف لإطعام أطفالي؟!».
كذلك تمّ بعث الطائفية (والمذهبية) من رقادها، بعد تهاوي «العلمانية» ـ وقد كانت هشة وطارئة، بعد، لأن الأحزاب القومية العلمانية (من حيث منطلقاتها) تطأفت وهي تسعى إلى السلطة، مستعينة دائماً بالعسكر. صار حزب البعث في العراق «سنياً» بمعنى قوى الــسيطرة، بعيداً عن المبادئ ـ أما في سوريا فقد صار حزب «البعث» «علوياً» في حين ظلت الأحزاب الشيوعية أحزاب أقليات: أكراد، أرمن، مستعربون متمصرون إلخ.
ولقد قامت أنظمة عاتية على قاعدة الكيانية والطائفية تحت الشعار القومي. كذلك فقد أتمت القيادات الحزبية (التي كان العسكر قد استولى على قرارها) السيطرة على السلطة برفع رايات «حزب البعث العربي الاشتراكي»، كما في العراق وسوريا، أو راية حركة «القومييــن العرب، كما في اليمن الجنوبي. والطــريف أن «القوميين العرب» في جنوب اليمن قد تحــولوا ـ فجأة ـ إلى ماركسيين لينينيين عندما حوصروا (من الداخل والخارج) فلم يجدوا الحماية إلا في الاتحاد السوفياتي.
لقد تلاقت فتحالفت الكيانية والطائفية، وغالباً مع العسكر، تحت الشعار القومي. وهكذا فقد لعب العسكر دوراً أساسياً في تخريب اللعبة السياسية وضرب التجربة الديموقراطية النامية، والتي كان يحتضنها ويتاجر بها ـ كشعار ـ الإقطاع السياسي، جديده والقديم. وسقطت العروبة ضحية القوى الطامحة إلى السلطة جميعاً، والتي طالما رفعت شعاراتها كطريق للوصول.
لقد ضربت «سنّية» البعث في العراق، العروبة، بقدر ما ضربتها «علوية» البعث في سوريا، و «شافعية» الماركسية في جنوب اليمن.
أما في مصر، فكانت الماركسية أضعف من أن تؤثر في الشارع (المؤمن بطبيعته)، خصوصاً وأن المؤسسين وأوائل من اعتنقها من الأجانب أو من الأقليات وليس من الكثرة الغالبة بين المصريين.
إن «الميدان» الذي أٌخرج ـ بالتحايل ـ من موقع القرار، يحتاج ـ بقواه الفاعلة ـ إلى مراجعة جدية وشاملة، تتناول أساليب النضال وآلياته.
فمن المفجع أن تعيد الانتفاضة في تونس إنتاج البورقيبية حتى بأشخاصها القياديين القدامى (عمر الرئيس التي حملته الثورة إلى سدة الحكم، الآن، يقارب التسعين عاماً) وكل ذلك نتيجة عجزها عن إنتاج قيادة جديدة... من دون أن ننسى أن الإسلاميين، ممثلين بحزب «النهضة»، قد أفادوا من تجاربهم، كما من تجارب القوى السياسية الأخرى، فحاذروا أن يتصدوا لتحمل مسؤولية «العهد الجديد» بعد تجربة قصيرة سرعان ما فتحت عيونهم على مخاطرها غير المحدودة (سيطرة «الإخوان» على السلطة في مصر لسنة واحدة، بكل تداعياتها على الإسلاميين في المنطقة العربية).
ومن المفجع أن تسقط الانتفاضات أو مشاريع انتفاضــات التغيــير فــي المـشـرق العربي (العراق، سوريا، اليمن) في فخ الطائفية التي هي استثمار عظيم لأعداء الانتفاضات والتغيير نحو الأفضل.
ولعل بين الدروس المستفادة من تجارب انتفاضات الشعوب أن «الانترنت» ـ بمختلف تنوعات وسائل التواصل ـ لا يصنع ثورة، إنه قد يظهّر فيؤكد حالة الغضب ويربط - نظرياً ـ بين أطرافها. لكنه لا يمكن أن يكون قيادة الثورة، ولا هو مؤهل لتجميع جماهيرها خلف شعارات موحدة ودفعها على مواجهة الرصاص، في مختلف مواقع المتعاملين عبر أجهزة التواصل.
قد تلتقي جموع غفيرة على رفض القائم بالأمر، لكنها لا تملك تصوراً موحداً للمستقبل: ماذا عن اليوم الأول بعد إسقاط الطغيان؟
إن المنتفضين بالملايين عدداً، لكن أهدافهم شتى. كلهم يريد التغيير، لكن أكثرهم لا يعرفون الطريق، والوسائل، وأسباب التنظيم والضبط والربط وإدارة «العملية».
ليست مصادفة أن معظم إن لم يكن «كل» عمليات التغير في الوطن العربي، مشرقاً ومغرباً، قد تولاها، أو سيطر عليها فقادها الجيش (وغالباً من خارج قيادته الرسمية)، ليس لأنه «خزان الثورة» بل لأنه «الحزب» الوحيد بقيادة محددة، وأجهزة اتصال وتواصل، ثمّ إنه يعتمد «الضبط والربط» بين مختلف وحداته ومهما تباعدت مواقع انتشارها.
إن التغيير حتمي.
ولكن، المؤسف أن العرب يتبدون الآن متباعدين إلى حد التخاصم، مقتتلين إلى حد الحرب، ولقد ضيعوا يومهم بالتأكيد، وهم في صدد إضاعة الطريق إلى مستقبلهم إلا إذا «استيقظوا وتنبهوا» مرة أخرى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن الانتفاضات العربية قراءة في أسباب الإخفاق وحتمية التجدد عن الانتفاضات العربية قراءة في أسباب الإخفاق وحتمية التجدد



GMT 06:12 2021 الثلاثاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المواقف الدولية إزاء انقلاب السودان

GMT 09:06 2020 الخميس ,03 كانون الأول / ديسمبر

هل يتعلم السودانيون؟

GMT 06:29 2020 الأربعاء ,23 أيلول / سبتمبر

ميشال عون... هيَّا بنا إلى جهنَّم

GMT 07:47 2020 الإثنين ,21 أيلول / سبتمبر

خريف رئيس أم خريف بلاد؟

GMT 04:00 2020 الثلاثاء ,11 آب / أغسطس

متى تسأل: «هل حان موعد الرحيل؟»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 13:16 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها بالسعودية
  مصر اليوم - شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها بالسعودية

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon