توقيت القاهرة المحلي 20:27:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عن القمة العربية و«الحرب» على إيران: مصر وحدها الضمانة

  مصر اليوم -

عن القمة العربية و«الحرب» على إيران مصر وحدها الضمانة

طلال سلمان

يمكن التأريخ بالقمة العربية السادسة والعشرين التي انعقدت في المقر المستحدث للقاءات الفخمة، شرم الشيخ، بوصفها نقطة تحول في التاريخ العربي الحديث: فقد انتقل الاهتمام فيها وعبرها، وبما لا يقبل النقاش، من موضوع الصراع العربي ـ الإسرائيلي (الذي كان مبرر ولادتها في العام 1963 وفي القاهرة وبطلب منها) إلى حرب العرب على العرب وبعنوان اليمن، هذه المرة.

كان العالم كله مشغولاً عن هذه القمة التي كان «ضيف الشرف» فيها، الرئيس اليمني الذي أقيل أو استقال ثم أعيد عن استقالته كرئيس مؤقت لمرحلة انتقالية تمهد لإعادة صياغة «السلطة» في الدولة الفقيرة التي تعيش في قلب العوز والحروب القبلية التي أطالت عهد «رئيسها المخلوع» بقرار سعودي، علي عبد الله صالح، لثلث قرن أو يزيد.
أما ضيوف القمة، وتحديداً القيادة السعودية التي تظلل «مجلس التعاون الخليجي»، فقد فرضوا موضوع اليمن كبند أول، بل أوحد، على جدول أعمال القمة التي غُيّبت عنها سوريا، وحضر العراق والجزائر رمزياً، واستُحضرت ليبيا ببعض السلطة على بعض الأرض فيها، وشغل رئيس الحكومة في لبنان المكان الشاغر لرئيس الجمهورية الذي تعذر انتخابه على امتداد سنة إلا قليلاً.

ولم تكن الرئاسة المصرية، بوصفها المضيف، تستطيع أن تمنع إعطاء الأولوية لموضوع اليمن، خصوصاً أن السعودية ومعها إمارات الخليج، قد طرحوا ما أسموه «الانقلاب الحوثي» في صنعاء وكأنه مصدر خطر مصيري على الجزيرة العربية، بل على الحاضر ومعه المستقبل العربي جميعاً.

وقد أضفى اصطحاب الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي الذي غادر مقر الرئاسة في صنعاء متخفياً، ثم ظهر في عدن ليؤكد أنه الرئيس الشرعي وليدين «الانقلاب» الذي قام به «الحوثيون» فاستولوا على السلطة غصباً، وحاولوا اجتياح مختلف المحافظات وصولاً إليه في عاصمة الجنوب، عدن، والتي لجأ إليها مستنفراً عصبية الجنوبيين ضد الشماليين عموماً، والحوثيين على وجه التحديد.

كان للاستنفار بُعد آخر، مذهبي، لكن الجميع تحدثوا عنه أو أشاروا إليه بالإيماء والتلميح: فالحوثيون من «السادة»، يعودون بنسبهم الشريف إلى زيد بن علي، وهو نجل الإمام السابع، ولكنهم ليسوا من الشيعة الإثني عشرية. ولكن السياسة أهم من التاريخ، وهكذا جعل السعوديون ومن معهم الزيديين شيعة، ما يسهل عليهم اتهامهم بأنهم يوالون إيران ضد العرب السنة.

على هذا يمكن أن يطرح «اجتياح الحوثيين» صنعاء على أنه هجوم شيعي ـ إيراني ضد الأكثرية العربية السنية في اليمن وعموم الجزيرة والخليج، بقصد الاستيلاء ليس فقط على السلطة، بل أساساً على الموقع الاستراتيجي لليمن وفيها خليج عدن الذي يحكم بحر العرب، وفيها أيضاً مضيق باب المندب الذي يتحكم بالملاحة البحرية في المحيطين الهندي والأطلسي عموماً وبالبحر الأحمر خصوصاً، وبالتالي بحركة العبور من وإلى قناة السويس.

الخطر داهم، إذاً، ولا بد من استنفار لعموم السنة العرب، ومعهم باكستان ـ بعلاقاتها التاريخية الوثيقة بالسعودية والتي أنتجت قنبلة ذرية «إسلامية» قبل زمن ـ وكذلك تركيا التي تجتهد لإحداث فراغ في السلطة أو في سيطرة الدولة ثم تتقدم بدعوى ملء هذا الفراغ، كما تبدى تحركها ضد النظام في سوريا، ثم استغلالها «غزوة داعش» في شمالي العراق.

ولقد لبى معظم القادة العرب في القمة هذا النداء، وطرحت أفكار جدية لإقامة «تحالف سني» يجمع إلى السعودية مصر والأردن والمغرب، في المرحلة الأولى، لمواجهة خطر الاجتياح الإيراني، أي الشيعي صراحة. ويمكن في وقت لاحق معالجة هذا الاجتياح في بلاد الشام (سوريا والعراق).

كانت مصر مستعدة لمواجهة الاستفزاز إذا ما تقدم الحوثيون في اتجاه مضيق باب المندب، أو هددوا بالسيطرة عليه أو إغلاقه، ما يهدد مصر في أحد مواردها المالية، قناة السويس، التي طرحت القيادة فيها مشروعاً طموحاً لتعميق مجراها وتحويل مداها الصحراوي إلى منطقة حرة، صناعية ـ تجارية، يمكن أن تدر عليها المليارات، فتعمر بعض الصحراء وتحقق زيادة مؤثرة في الدخل القومي وفي حركة العمران إجمالاً.

ولقد جاء توقيت القمة متزامناً، وبقدرة قادر، مع تضخيم في الأخبار عن تقدم «الحوثيين» في اتجاه الجنوب، بعد سيطرتهم على معظم الشمال، بالتحالف أو بالتواطؤ ـ بحسب تعبير أهل الجزيرة والخليج ـ مع الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، الذي ثبت أن القوى المؤثرة في الجيش اليمني ما تزال تخضع لإمرته، أو أنها ليست مخلصة الولاء لمن خلفه بعد خلعه بالتسوية السعودية الشهيرة، عبد ربه منصور هادي.

المؤامرة واضحة كل الوضوح، إذاً: إنها الحرب الإيرانية على العرب بعنوان اليمن ـ أو بتعبير أشد صراحة وحسماً ـ هي الحرب الشيعية على السنة العرب (خصوصاً إذا ما تم الربط بينها وبين تعاظم النفوذ الإيراني في كل من العراق وسوريا ولبنان، حيث يعزز الشيعة سيطرتهم، تارة بذريعة الخطر الإسرائيلي، وطوراً بمواجهة الهجمة الأميركية والنفوذ التركي، ودائماً من قلب عدائية معلنة لعرب الخليج، أي السنة العرب).

في الجانب الآخر من الصورة، كانت مسيرة المفاوضات الصعبة والممتدة لشهور طويلة بين إيران والمعسكر الغربي بالقيادة الأميركية 5 + 1، تتجاوز العقبات والألغام وتتقدم ببطء نحو الوصول إلى اتفاق.

إذاً فالحرب على الحوثيين في اليمن، هي بمثابة حرب على إيران وتمدد نفوذها في الأرض العربية، والتي وصلت إلى باب الدول المذهّبة، بعد استقرار هيمنتها على المشرق. ولا بد من إدراج هذه «الحرب» على جدول أعمال اللقاءات المتكررة بجلساتها التي لا تنتهي للمفاوضات الدولية مع إيران.

على أن تلك المفاوضات كانت تمضي قدماً في قلب الصعب، لأن الأطراف جميعاً كانت عازمة، كما دلت النتائج التي لم تتأخر عن الظهور، على الوصول إلى مشروع اتفاق شامل.

هكذا، وبعد أسبوع من الحرب على اليمن وفيها، وقف الجانبان الغربي بالقيادة الأميركية والإيراني ليعلنا الوصول إلى مسودة اتفاق شامل، ستستكمل بنوده التنفيذية لاحقاً وفي موعد لا يتجاوز المهلة التي كانت محددة لمسيرة التفاوض في قلب الصعوبة، والتي تنتهي في شهر حزيران المقبل.

الدولة الوحيدة التي أعلنت تحفظها وطالبت الولايات المتحدة بضمانات بأن إيران لن تنتج قنبلة نووية هي دولة العدو الإسرائيلي.

ومع أن الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي أعلن عن الاتفاق باعتباره «إنجازاً تاريخياً» كان «قاسياً» مع رد الفعل الإسرائيلي، إلا أنه عاد فاتصل برئيس الحكومة (قيد التأليف) في إسرائيل ليطمئنه إلى وجود مثل هذه الضمانات، مؤكداً أن إيران لن تملك القدرة على إنتاج القنابل النووية في المدى المنظور، وأن هذا الاتفاق يمنعها ولا يسهل أمامها مثل هذه المغامرة المكلفة.

أما بالنسبة لقلق دول «مجلس التعاون الخليجي»، بالقيادة السعودية، فقد طمأن الرئيس الأميركي ملك السعودية هاتفياً، ثم وجه الدعوة إلى مجموعهم لكي يذهبوا إلى لقائه في كامب ديفيد، ليطمئنهم ـ وجهاً لوجه ـ قبل موعد التوقيع النهائي على الاتفاق مع إيران في مطلع شهر حزيران المقبل.

تبقى ضرورية الإشارة إلى أن مصر هي الدولة العربية الوحيدة التي يمكنها أن ترمي بثقلها لوقف هذه الحملة المحمومة التي تهيِّج المشاعر المذهبية، وتعيد الصراع إلى طبيعته السياسية، خصوصاً أن إيران، قد وجهت إثر الإعلان عن الاتفاق في لوزان، دعوة صريحة ومباشرة إلى جيرانها العرب عموماً، وبالذات دول الجزيرة والخليج، بضرورة استئناف الحوار لتسوية القضايا العالقة، مؤكدة أن مصالحها ـ قبل المبادئ وبعدها ـ تفرض عليها أن تحسّن علاقاتها مع محيطها العربي.

ويمكن لمقررات القمة أن تتحول إلى ضمانات عربية شاملة تتجسد ـ عملياً ـ في مخاطبة إيران والتفاهم معها على قاعدة الدفاع العربي المشترك، وليس إلى تسعير الخلافات بالشعارات المذهبية التي تقسم العرب وتفرقهم وتدفعهم إلى اقتتال عبثي، يذهب بمصالحهم ويهدد أمنهم ولا يفيد منه إلا العدو الإسرائيلي.

والكلمة لمصر التي يمكنها أن تقدم الضمانات انطلاقاً من وحدة المصير العربي ومن الحرص على علاقات الصداقة على قاعدة المصالح المشتركة مع إيران.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن القمة العربية و«الحرب» على إيران مصر وحدها الضمانة عن القمة العربية و«الحرب» على إيران مصر وحدها الضمانة



GMT 08:58 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 08:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 08:43 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 08:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 07:32 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 07:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 07:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 07:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 08:05 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 18 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 10:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دوناروما يؤكد ان غياب مبابي مؤثر وفرنسا تملك بدائل قوية

GMT 09:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 04:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونسكو تعزز مستوى حماية 34 موقعًا تراثيًا في لبنان

GMT 13:08 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نيمار يشتري بنتهاوس بـ 200 مليون درهم في دبي

GMT 07:25 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزالان بقوة 4.7 و4.9 درجة يضربان تركيا اليوم

GMT 03:12 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

ليليا الأطرش تنفي تعليقاتها عن لقاء المنتخب السوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon