توقيت القاهرة المحلي 20:27:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لبنان في الدوامة بين الفراغ والحرب..

  مصر اليوم -

لبنان في الدوامة بين الفراغ والحرب

طلال سلمان

يعيش اللبنانيون في قلب دوامة الخوف: الخوف على الدولة البلا رأس، وبمجلس نيابي مشلول بقرار من «أكثريات» أعضائه، وبحكومة تسير ـ إن هي سارت ـ بخطى أضعفهم وتخالف الأعراف وهي مدركة أنها تخالفها لكن العذر أن الأحوال العامة تبرر المخالفة.

وفي غياب الانتظام العام ترجأ قرارات يشكل إرجاؤها انتهاكا للدستور أو للقانون أو للعرف أو لتلك جميعاً، وكل هذا الوضع الشاذ يغذي العصبيات الطائفية والمذهبية، ويحقر المناصب بتجاوز الأصول.

كذلك يعيش اللبنانيون قلقاً جدياً على مستقبل أبنائهم العاملين في المملكة العربية السعودية ومعظم أنحاء الخليج العربي، مع توالي عمليات طرد بعضهم وإنذارات التهديد بالطرد لآخرين، لأسباب لا تتصل بكفاءتهم أو إخلاصهم في عملهم أو انضباطهم والتزامهم بقوانين البلاد التي قصدوها ليبيعوا عرق الجبين ويسهموا في نهضتها، مطمئنين إلى مشاعر الأخوة، لا سيما وانهم ــ بغالبيتهم العظمى ــ يتجنبون الحديث في السياسة أو التعبير عن آرائهم في مختلف الشؤون (لا سيما السياسية منها) لأنهم ذهبوا سعيا إلى الرزق لا إلى التبشير بأفكار سياسية أو التعبير عن مواقف يعرفون أنها قد تتسبب في ما يؤذيهم، بصرف النظر عما إذا كانت صحيحة أو خاطئة.

وبالتأكيد، فإن تطورات الحرب في سوريا وعليها قد ألقت بظلالها السوداء على الحياة العامة في لبنان، سواء بجانبها العسكري الذي لامس بالحريق «الحدود» منذراً بتمدد النار إليه، أم بجانبها الإنساني الذي أضاف إلى اللبنانيين ثلث عددهم أو يزيد من النازحين السوريين الذي هربوا بأطفالهم تاركين بيوتهم وما يملكون طلبا للنجاة بأرواحهم... 

وقد فشلت أو أفشلت الدعوات التي وجهت إلى المؤسسات الدولية التي يفترض أن تنخرط في جهود الإغاثة والإسكان فلم يوفر «المجتمع الدولي» الدعم المطلوب، في حين غابت الشهامة التي تقوم على إغاثة الملهوف وتأكيد موجبات الاخوة.

ومع أن «عاصفة الحزم» السعودية على اليمن قد اعتمدت مواجهة ما افترضته خطراً عليها في الأرض اليمنية إلا أن قدراتها العسكرية سمحت لها باستخدام الطيران الحربي لتدمير «العدو»، في أرضه وقبل التحرك في اتجاهها... وهذا ما لم يكن متاحاً أمام اللبنانيين المتخوفين من انتقال النار إليهم في بلادهم بعدما دخلت بالفعل أرضهم في عرسال وجرودها.

الطريف أن كتابا سعوديين من أصحاب الرأي كانوا يُعرفون بالاتزان قد اندفعوا يلوحون بالاقتصاص من اللبنانيين بذريعة أن بعضهم «يتدخل» في الشأن السوري، منعاً من توغل أشتات المقاتلين الآتين من أربع رياح الأرض تحت الشعار الإسلامي، وبتمويل وتدريب وتسهيلات تشارك فيها السعودية... بينما الطيران الحربي السعودي يواصل قصف المدن والقرى والثكنات العسكرية والمدارس والمستشفيات والبيوت التي تعتلي القمم على امتداد الأرض اليمنية، ثم يتباهى الناطق العسكري السعودي بتعداد المنشآت التي دمرت خلال الخمسين يوما الماضية. وكأن حملة التدمير الشامل هذه إنما تشن لتوطيد أواصر الأخوة وإعمار اليمن وإعادته «سعيدا»!
...

علماً بأن تكاليف حملة التدمير هذه كان يمكن أن تسعف بعض مئات الآلاف من السوريين المشردين في دول عربية عدة، إضافة إلى تركيا، فضلاً عن الذين فتحت أمامهم أبواب أوروبا، كما أنها كان يمكن أن تسهم في إطفاء النار التي تلتهم سوريا وتتمدد إلى العراق محاولة اختراق السعودية كما كشفت الأجهزة الأمنية حين ألقت القبض على «داعشيين» كانوا يشكلون خلية إرهابية، لا بد أن أمثالهم كثيرون في بيئة يحكمها الشعار الديني، تحت إشراف «المطاوعة».

بل ان تكاليف حملة «عاصفة الحزم» كانت تكفي للنهوض باليمن اقتصاديا وعمرانيا، بما يجعله مدينا للأشقاء السعوديين بعمرانه وخروجه من قعر الفقر الذي يعيش فيه شعبه الطيب والأذكى من بين العرب.

ما علينا، فلسنا نريد إلا الخير لكل إخواننا العرب، الذين طالما نظروا إلى لبنان على أنه مصيفهم ودار الراحة والنقاهة والمتعة والثقافة بالكتاب وجريدة الصباح وشاشة السمر مساء بنجومها ذوات الاشعاع.
وما يعنينا أن تعود إلينا دولتنا المغيبة مؤسساتها بالفراغ أو بالتفريغ المقصود، وأن يكون لهذه الدولة رئيس، كما في كل بلاد الدنيا، وحكومة قادرة على اتخاذ القرار، ومجلس نيابي يشهد للبنانيين أنهم جاهزون للتحرر من القيد الطائفي وممارسة الاختيار الحر توكيداً على إيمانهم بالديموقراطية... وكلها مطالب مستحيلة في ظل المناخ العربي السائد.

والخوف أن يلتهم الفراغ المبادئ والقيم وتلعلع الفتنة بأصوات الطوائفيين والمذهبيين الذين قد تزيد حرب اليمن من تعصبهم وانغلاق بعضهم على البعض الآخر إلى حد العداء، خصوصاً إذا وجد من يستثمر في هذا العداء لأغراض سياسية...

وذاكرة اللبنانيين تحفظ مسلسلاً من استثمار الطائفية والمذهبية في السياسة، كما ان الأرض اللبنانية تشهد بما أصاب مدنها وبلداتها وقراها من دمار وما سقط من أبنائها ضحايا للتعصب، فالفتنة هي البلاء الأعظم، وللفتنة من يرعاها ويموّلها ويسلحها ثم يطلقها لتدمر الإنسان والعمران.

ولسنا نطلب من الاخوة في السعودية وامارات الخليج العربي إلا الاشفاق على هذا الوطن الصغير الذي وفر لهم ما احتاجوا إليه من كفاءات ومن خبرات فضلاً عن حسن الضيافة وعاطفة الاخوة الصادقة وتمني الخير والتقدم لهم وهم من الأهل وفيهم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان في الدوامة بين الفراغ والحرب لبنان في الدوامة بين الفراغ والحرب



GMT 08:58 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 08:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 08:43 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 08:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 07:32 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 07:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 07:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 07:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 08:05 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 18 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 10:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دوناروما يؤكد ان غياب مبابي مؤثر وفرنسا تملك بدائل قوية

GMT 09:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 04:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونسكو تعزز مستوى حماية 34 موقعًا تراثيًا في لبنان

GMT 13:08 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نيمار يشتري بنتهاوس بـ 200 مليون درهم في دبي

GMT 07:25 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزالان بقوة 4.7 و4.9 درجة يضربان تركيا اليوم

GMT 03:12 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

ليليا الأطرش تنفي تعليقاتها عن لقاء المنتخب السوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon