مدريد - مصر اليوم
أن يأتي عمل غربي على تشويه صورة العرب والمسلمين، وتصويرهم مجموعة من الحثالة والإرهابيين، فهو أمرٌ اعتيادي بات يمرّ في الأعمال الغربيّة، ويشاهده العرب أنفسهم دون أن يتأثّروا، لشدّة ما اعتادوا على الصورة النمطيّة التي ألصقت عنوةً بهم، وعزّزتها الأعمال الغربية، مقابل تقاعس الأعمال العربيّة عن تقديم مادّة مغايرة، تثبت أنّ للفن رسالة أكبر ممّا نشاهده على شاشاتنا من أعمال تنحصر في قصص الحب والخيانة.
هذه المرّة الردّ جاء من إسبانيا، التي دأبت أعمالها الدراميّة التي تغزو العالم على تشويه سمعة العرب والمسلمين، وآخرها في مسلسل VIS A VIS، الذي يعطي معلومات مشوّهة عن الدين الإسلامي، لم يكلّف الكاتب نفسه عناء البحث عنها عبر مصادر موثوقة، أو لربما فعل وتواطىء ليقدّم أسوأ صورة، في سجن مليء بالسجينات، أخطرهن المغربية زوليما زاهر، وحبيبها المصري حنبل حمادي الذي تنظّم معه عمليات إرهابية باسم الدين.
اكتفى المتابعون العرب بالتصفيق للمسلسل الذي يدور داخل السجون، واستنكار الصورة المشوّهة للعرب، ليأتي الردّ من صنّاع الدراما الإسبانيّة أنفسهم عبر مسلسل victim number 8، الذي أعاد الاعتبار للعرب والمسلمين، من خلال تسليطه الضّوء على تورّط المخابرات الإسبانيّة في أعمال إجراميّة، تُلصق عنوةً بمن اصطلح على تسميتهم جهاديين، لاستقطاب الرأي العام، وللتغطية على فساد الشرطة المحليّة، وهو ما سلّط الضّوء عليه إلى حدٍ ما مسلسل Bodyguard البريطاني الذي أنتجته BBC، وفضح تواطؤ الإرهابيين الذين يتستّرون تحت راية الإسلام، مع المخابرات البريطانيّة، لتصفيات داخليّة يستفيد منها المسؤولون البريطانيون أنفسهم.
في مسلسل Victim number 8 الذي عرض على شبكة EBT2 قبل أن ينتشر على المنصّات العالميّة، ليس ثمّة تواطؤ بين مخابرات وجهاديين، بل ثمّة ظلم تعرّض له شاب لمجرّد أنّه عربي مسلم يقيم في إسبانيا.
عمر جمال شاب من أصل مغربي، يرتبط بممرضة إسبانيّة شابّة، والده إبراهيم عامل بسيط ووالدته عديلة تعمل ممرضة لسيّدة إسبانية عجوز، ولديه شقيقان، حياة العائلة تسير بهدوء في إسبانيا التي يقيمون فيها منذ سنوات، إلى أن يقع حادث دهس في بيلباو، ويذهب ضحيّته 8 مواطنين أبرياء، وينسب إلى جهادي من أصل عربي هو عمر جمال نفسه.
لم تصدّق العائلة ولا الحبيبة أنّ عمر الشاب المسالم أقدم على قتل كل هؤلاء الأبرياء، يختفي عمر، تحاول حبيبته "إيدورني" أن تثبت براءته، بالتعاون مع صحافي يخضع لجلسات غسيل كلى في المستشفى حيث تعمل.
في الفيديو الذي التقطته كاميرات المراقبة يظهر المعتدي وهو يهرب من الباص حيث ارتكب الجريمة، تدرك الممرضة فوراً أنه ليس حبيبها، فعمر أصيب بالتواء في قدمه وهو يعرج منذ يومين، بينما يبدو القاتل وهو يركض بكامل لياقته.
تحاول الممرضة إثبات براءة صديقها من خلال رسائل أرسلها إلى هاتفها قبل الحادث بأسبوعين، يخبرها فيها أن محفظته سرقت وبداخلها هويته التي استخدمها الإرهابيون لاستئجار الباص، يساعدها الصحافي للوصول إلى الشرطة، إلا أنّها تفاجىء لدى وصولها أنّ الرسائل اختفت، وأنّ ثمة من استخدم تقنية لحذفها عن بعد.
عمر الذي اختطف وزنّر بحزامٍ ناسفٍ، يهرب من خاطفيه، وينزع حزامه، ويتواصل مع حبيبته ليقنعها بأن تلتقي به، إلا أنّها ترسل إليه صديقه أحمد لأنها مراقبة من قبل الشرطة، وتقنعه بأن يسلّم نفسه، يتّصل عمر بالشرطة، وينتظرها وصديقه، إلا أنّ الشرطي المسؤول عن التحقيق، يعرقل زميلته التي تشك ببراءة عمر، ويرسل فرقة تختطف الشابين وتقتل أحمد وترغم عمر على تسجيل فيديو يعترف فيه بجريمته.
في هذه الأثناء يتبيّن أنّ العملية، مسؤول عنها رجل أعمال إسباني ينتمي إلى عائلة نافذة في إسبانيا، يتّفق مع رجل نافذ في الشرطة كان يتواطىء مع العائلة ليخفي تجاوزاتها وتجارتها غير المشروعة، ليقتل شقيقه الذي سلبه إدارة الشركة والمرأة التي يحب، ولأن الرجل هو المستفيد الوحيد من مقتل شقيقه، ينفّذ الشرطي الفاسد الذي يتسلّم فيما بعد ملف التحقيقات الجريمة لتبدو وكأنّها عملية إرهابية.
تتبيّن الحقائق بتسجيل صوتي على لسان القاتل يعترف فيه بالعملية، إلا أنّ الشرطة الإسبانية التي تدرك أنّ عمر الذي سلّم نفسه بريء، تفضّل الإبقاء على القضيّة على أنّها جريمة إرهابيّة، كي لا تصطدم مع الرأي العام الإسباني.
لا يكتفي المسلسل بالعناوين العريضة ليعطي للجاليات العربية المقيمة في أوروبا صكّ براءة، بل يذهب إلى العمق، من خلال عائلة عمر، والده المكافح، والدته التي تربّي أولادها طريقة حضارية، وتهتم لتفاصيل بيتها، وتعمل في الخارج ممرضة لدى امرأة إسبانية تتفانى في الاعتناء بها، حتى أنّ هذه الأخيرة تغادر منزلها، عندما يقوم ولداها باستبعاد عديلة، لأنّ ابنها متّهم بالإرهاب، وتعيدها رغماً عنهما.
كما يسلّط المسلسل الضّوء على إمام الجامع التقي، الذي يرفض ما يمارس من إرهاب باسم الإسلام، تلتقي به المفتّشة، تلقي على مسامعه آيات قرآنية تدين الإرهاب، يزيدها بآيات تدعو إلى المحبّة.
أما والدة عمر جمال، فترفض فرصة أن يهرب ابنها مع متطرفين، وتسلّمه إلى الشرطة.
في المسلسل أيضاً، نماذج إسبانيّة ملهمة، تتعاطف مع الشاب العربي المظلوم، تسعى لنصرته، ونصرة كل الشباب الجاهزين لأن يوسموا بصفة الإرهاب فقط لأنّهم عرب ومسلمون.
ينتهي المسلسل بطريقة تترك الباب موارباً أمام جزء ثانٍ، فالمحققة التي تركت الشرطة المتواطئة مع القاتل، تعود وتلتقي الصحافي العائد من رحلة علاجيّة، استغلّ فيها عائلة القاتل ليحصل على كلية تنقذ حياته، وعاد وفي جعبته تسجيل صوتي يبثّه للرأي العام ويفضح شرطة بلاده.
توقعناها من الدراما العربية فجاءت من الإسبان، صورة ترفع الظلم عن العرب، وتضيء على الجانب المشرق من الدين الإسلامي، وعلى التعايش بين المهاجرين العرب والمواطنين الأوروبيين رغم الاختلافات.
مسلسل يستحق المشاهدة، ويطرح علامات استفهام حول تقاعس الدراما العربية عن تقديم مادّة جديرة بالاحترام، إذ أنّ معظم ما تقدّمه الدراما لا يعدو كونه تجارة رابحة للمحطات التلفزيونية وشركات الإنتاج والممثلين، بينما هي في العمق مجرّد خواء لن يعد قادراً على جذب المشاهد العربي مقابل أعمال عالمية غزت الأنترنت تلامسه أكثر من دراما محليّة قادمة من فراغ.
قد يهمك أيضاً :