القاهرة-أحمد عبدالله
أكّد رئيس البرلمان الأسبق أحمد فتحي سرور ، أنه تعرض لمحنة قاسية في أوائل عام 2011 حين اتُهم ظلمًا وعدوانًا مع عدد من رجالات السياسة والاقتصاد والعمل النقابي في مصر، بتدبير ما سموه "موقعة الجمل"، وقد جمع الملفقون شهودًا زورًا لإلصاق التهمة كذبًا وبهتانًا.
وأضاف في حوار طويل أجرته صحيفة الأهرام العريقة، " لكن سرعان ما تطوع عدد من تلاميذي وزملائي أساتذة القانون بكليات الحقوق في الجامعات المصرية للدفاع عني، وبادرت بنفسي بالدفاع عن كل المتهمين معتليًا منصة الدفاع خارج قفص الاتهام، وفندت كل الادعاءات الكاذبة بالدليل والبرهان، وجاءت كلمة القضاء العادل مدوية عالية فقضت ببراءة الجميع، وكشفت أسباب الحكم تلفيق المدبرين وكذبهم.
وتابع "ولكن الظالم تمادى في ظلمه، فصدر مرسوم بتعديل دستوري باطل لكي يعيد المحاكمة، ولكن أصوات الحق سرعان ما أطفأت نار الظلم فسقط المرسوم الباطل، ورغبة من الظالمين في الإساءة إلى سمعتي التي أعتز بها، اتهموني كذبًا باستغلال النفوذ للكسب غير المشروع، إلا أن عدالة السماء كانت لهم بالمرصاد، فلقى المخطئون جزاءهم القانوني وتم حفظ هذا الاتهام الظالم، وصدر قرار بألا وجه له، ورغم إحساسي القاتل بالظلم، لم يتأثر ايماني بعدالة السماء، وفي الظلمات السوداء كانت مسيرتي العملية في الحياة التي هي قدوة للشباب، تمر أمامي فيزداد إيماني بأن نور الفجر لابد أن يبدد هذه الظلمات، فلم أكن أعمل إلا من أجل خدمة بلادي ورفعتها، وخدمة فقرائها بوجه خاص.
وكانت المحن التي مرت بها شخصيات وطنية تاريخية، تمر أمامي فأزداد إيمانًا بقرب ظهور هذا النور، حتى كان يوم الثلاثين من يونيو/حزيران 2013 فظهر هذا النور وانقشع ظلام الليل. وعن رأيه في توحيه الإنتقادات إلى دستور 71 وما يتعلق منها بالنظام الرئاسي، قال أنه اقتضى الأمر في ذلك الوقت أن توضع مواده بهذا الشكل، والقانون تحكمه دائما ظروف المجتمع ومصالحه واحتياجاته، ودستور 71 في حينه كان دستورا جيدا، وقد طرأت عليه كثير من التعديلات بحكم ظروف معينه، فأصبح دستورا غير صالح، ولذا فالقياس والحكم على أى دستور يكون وفقا للحقبة التي صدر فيها، والظروف والاحتياجات والمصالح التي كان يحميها، ومن ثم فلا يمكن الحكم على دستور أو قانون معين، وفق تفكير تحكمه احتياجات ومصالح مختلفة، لان بذلك ظلما للدستور والقانون.
وبشأن رأيه في بعض المطالبات بإدخال بتعديلات على دستور 2014، أجاب بأنه إذا اقتضى الأمر ذلك يجب التعديل، وهذا ليس نقدا للدستور ولكنه توافق مع موجبات التطوير، وهنا يجب الأخذ في الاعتبار التجارب السابقة، والنتائج التي ترتبت على مثل تلك التعديلات، بالدستور السابق، وخصوصا المادتين 76 و77 اللتين كانتا بداية للاحتقان، والضرورة السياسية والأهمية القانونية هي التي تحكم أي تعديل، وإذا توافرت هذه الضرورة لابد من التعديل، لكني لا أقف على هذه الضرورة ولا المعلومات الكافية عنها، والأمر يحتاج لدراسة.
وتحدذ عن رأيه في ظروف تعديل المادتين 76 و77 وأنه بعد مرور هذه السنوات هل يرى أنها كانت خاطئة، قائلًا "لا أبدى آرائى في هذا الشأن، لأن مجلس الشعب بحكم تركيبته السياسية رأى ضرورة لذلك، ووافق على هذا الإجراء وطرحها في استفتاء عام، وفي ظل الظروف السياسية السائدة حينها، كان الطرح صحيحا بينما في ظل الظروف التي نعيشها فالطرح خاطئ".
وبوجه عام مادمنا في ظل نظام جمهوري، يجب أن تكون مدة الرئاسة موقتة محددة المدة، ولكن ذلك يجب ألا يكون حائلا دون تمكين الرئيس من تنفيذ سياسته وخططه، وخاصة انه ينتخب من الشعب، ما يعنى ثقة الشعب فيه، وبالتالي المدة المحددة بالدستور التي يتم فيها التوازن بين التوقيت، وفقا لطبيعة النظام الجمهوري، والقدرة على تنفيذ الخطط والسياسات التي يقوم بها، وهذا التوازن يقدره المشرع الدستوري ممثلا بالبرلمان، سواء كانت 4 أو5 أو 6 سنوات ويوافق عليه ثم يطرحه للشعب للاستفتاء.
انطلاقا من خبراته البرلمانية الطويلة تم سؤاله بخصوص انطباعه وتقييمه لأداء البرلمان الحالي، ليرد بأنه وفقا للمرحلة الحالية يعد برلمانا جيدا، فنحن نمر بمرحلة انتقالية، والبرلمان في النهاية هو مرآة للمجتمع، في ظروف سياسية واجتماعية معينة، وهنا لا يجوز ان ننسى اننا خرجنا من ثورتين، وأداء البرلمان في النهاية يعكس ظروف المجتمع الذى يتشكل من جديد، ولذا فأحلامنا عن أداء وشكل البرلمان لا يمكن أن تتحقق الآن، خاصة في ظل هذه الظروف الصعبة، نحن لا يمكننا الحكم على البرلمان الحالى وفقا لمقاييس برلمان مستقر، في بلد مثل فرنسا، أو مجلس العموم البريطاني، وبالمناسبة كل هذه الدول مرت بالظروف نفسها، ولم تحصل على البرلمان الذى تأمله الا بعد فترات الاستقرار، وأيا كانت النظرة لأداء البرلمان حاليا، فإن مهمته الرئيسية أن يساعد البلد في الوقوف على قدميه.
وعما إذا كان يرى أن هناك أخطاء ارتكبها نظام مبارك هي التي تسببت في أن تقع الدولة في يد الإخوان، رد متأثرا: كنت أتمنى أن يسلم الرئيس مبارك الراية للرئيس عبدالفتاح السيسي لكى يستكمل الإصلاح، ويضيف ما تتطلبه المرحلة من تحديات وصعوبات، لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، فقد قامت ثورة 25 يناير بسبب بعض الأخطاء التي سبق أن لاحظها مجلس الشعب، دون أن تمر البلاد بتلك الفترة الصعبة التي اجتاحتها، والتي ستظل درسا لشعب مصر وحكامها، حتى يتجنب الأسباب التي دعت إلى تمكن هذه الجماعة الإرهابية من الاستيلاء على السلطة، وسوف يكشف التاريخ فيما بعد خفايا وأسرار هذا الاستيلاء، ونحمد الله إننا استعدنا زمام الأمور، وعادت البلاد لأصحابها الشرعيين شعب مصر العظيم، لكى يعيد بناء الدولة بعد أن أصابها العطب، بسبب اغتصاب السلطة، وفي رأيي كان لابد من الإصلاحات التي يقوم بها الرئيس السيسي حاليا، لبناء الدولة على أسس سليمة، وهذه الإصلاحات تتطلب تضافر الجهود حتى تكلل بالنجاح، لاسيما وأن المهمة أمام الرئيس السيسي ليست باليسيرة، وتتم في إطار مواجهة مع أخطار جسيمة تحيق بالبلاد، لكن ذلك لا يجب أن يعمى أعيننا فلا نرى الإنجازات التي تمت في عهد مبارك، والأمن والاستقرار الذى عشناه فترة حكمه.
وعن أقرب المواقع المهمة التي شغلها إلى قلبه وقناعاته، أجاب بأن جميع المحطات التي شغلتها قريبة إلى قلبي، سواء موقعي كوزير للتعليم، أو مواقعى التي شغلتها كممثل للقانون، بداية من عملي كوكيل للنائب العام لمدة 6 سنوات، وصولا لموقعي كرئيس للسلطة التشريعية لما يزيد على 20 عاما، والقانون في النهاية يجرى في دمي، وأفخر بأنني عملت بالقانون قاضيا وفقيها وأستاذا ومشرعا، حتى فترة رئاستي لمجلس الشعب شغلتها بقناعة أن رئيس المجلس، يجب أن يكون القدوة، وقد حرصت على إدارة البرلمان دائما بروح القانون الذي هو في نظري الاستقامة والعقل والمنطق، لأن القانون في النهاية لا يعرف التحيز ولا الانحراف، بل يسير في خط واحد.
وعن انطباعه بخصوص الانتقادات التي وجهت لحزمة القوانين التي صدرت من مجلس الشعب خلال فترة رئاسته، رد بأن الذى يقول بذلك لا يعرف شيئا عن فلسفة القانون، لأنه في النهاية وليد المجتمع الذى يتطور دوما بحكم احتياجاته ومصالحه، ومن هنا كان بديهيا تغيير القانون كلما اقتضى الأمر ذلك، ونحن لا نعرف قانونا وضعيا واحدا جامدا وإلا رمينا المجتمع بالجمود، فالمجتمع متطور والقانون يجب أن يخاطب تلك المصالح ويشبعها.
وعما إذا كان يغضبه وصفه بأنه كان "ترزي القوانين" في عصر مبارك، قال لا أغضب من مثل هذا القول، فتعريف البرلماني في كثير من الدول، أنه يسمى بـ"الترزي" لاسيما وأنه صانع القانون، وحرفيته أن يلائم القانون المقاس الذي صنع من أجله، ومن يريد الانتقاد عليه انتقاد المقاس، وعلى أي أساس فصل الترزى رداء القانون، وبالتالي فان مهمة النواب هي صناعة القانون، وكيف يفصلونه وفقا لمقاسات معينة تتجسد في المصالح والاحتياجات السياسية، وإن كان هناك أي نقد للتشريع، فإنه ينصب على احد أمرين، المقاس الذي وضع عليه هذا القانون من ناحية، والاحتياجات والمصالح ومدى حقيقتها، وكذلك الصياغة، ولاسيما أن الصياغة الرديئة تؤدى لفهم رديء للقانون، ومن هنا فالبعض يسمى القانون سياسة، ويقصد بذلك ضرورة تعبير القوانين عن سياسة اجتماعية أو اقتصادية معينة، وبالتالي ليس عيبا أن يوصف عضو البرلمان بالترزي. .
وعن رأيه في أحوال التعليم، أجاب: أنا أيضا عندما توليت حقبة التعليم، كان الناس يرجعون المشاكل لميراث 30 عاما، والتطوير هي سنة الحياة التي تفرض مسايرة مجرياته في العالم، وأنا لا أستطيع أن أنعى على نظام معين، فالتطوير والتجديد له متطلباته، وقد كنت وزيرا للتعليم، ولكى ارسم سياستي أخذت رأى القاعدة، وعرضت جميع أرائها وتوجهاتها على المجالس المتخصصة، وانتهينا لسياسة عامة ومؤتمر لتطوير التعليم عقد عام 1997، ولو سئلت هل سياسة التعليم التي وضعتها تلائم الوقت الراهن، سأجيب بالنفي، ولو كنت وزيرا للتعليم الآن لغيرته، فالتعليم الذى يقف عند خط معين هو تعليم جامد، فأي تطوير أو تجديد للتعليم لمواكبة المتغيرات العصرية، هو تغيير واجب وليس معناه إدانة لما مضي، فلكل تعليم وقته ولكل عصر مذاقه.
وبخصوص عمله حاليا بالمحاماة و الأسس التي تختار عليها قضية يقبل الترافع فيها، قال: لا أقبل أى قضية، واختار بناء على الوضع القانوني ومدى إنقاذي لشخص بريء، وآخر أساس اعتمد عليه المهارة القانونية، وانا في عملي القانوني ليس لي شأن بالانتماءات، ولو علمت بانتماء أحد لأى من التنظيمات الإرهابية فلن اقبل قضيته، وكثيرا ما رفضت قضايا بهذا الشكل، فانا أترافع فقط عن المتهمين من الناحية القانونية، وهناك قول لابد منه، فإذا كنا نعيب على الإخوان عدم احترامهم للقانون، فهل يصح أن نحذو حذوهم، وحتى لو اقتضى الأمر الدفاع عن أحدهم أليس هذا درسا لهم، وهل كان القضاة الذين الغوا القرارات الصادرة من لجنة التحفظ إخوانا أم كانوا يطبقون القانون؟.
وتمثلت وجهة نظره في قضية العدالة الانتقالية و التوقيت مناسب لطرحها، في أن العدالة الانتقالية في وجهة نظره هي اعتراف المخطئ بخطئه، وقبول الطرف الآخر التصالح معه، ولا أظن أن التصالح شأن هين ويسير يمكن تحقيقه، ولو كان بهذه السهولة لانتهت عادة الأخذ بالثأر في الصعيد منذ زمن طويل، فهناك من أريقت دماؤهم ودماء أبنائهم، فكيف نتحدث معهم عن المصالحة في الوقت الراهن، المصالحة يجب أن تسبقها مصارحة وتحديد الأخطاء ومعرفتها، وفي ذلك الوقت يمكننا الحديث عن تطبيق العدالة الانتقالية، وعندما يريد المجتمع الصفح عن خصومه، وأسس العدالة الانتقالية من الصعب وضعها والمجتمع يرى دماء الشهداء تنزف أمام عينه، لذا فالمصالحة والعدالة الانتقالية ستنتظر طويلا قبل أن ترى النور.
وواصل "هناك بوادر أمل، وهناك قرار جريء اتخذ بالإصلاح الاقتصادي، له متاعب اجتماعية جسيمة، وقد أصبحت المشكلة الان حول قدرتنا على التحمل، لان ضريبة الإصلاح الاقتصادي باهظة، وليس أمامنا سوى أن نتحمل حتى تخرج مصر من النفق المظلم، إن القدرة على تحمل فاتورة الإصلاح الاقتصادي تقاس وفق ظروف معينة، والرئيس السيسي يتميز بالجرأة ويحظى بثقة الشعب فيه، وقد استمد هذه الثقة من قدراته على اتخاذ هذه القرارات والعمل على تنفيذها."
وعما إذا لم يملك مبارك الجرأة في اتخاذ مثل هذا القرار، قال "رغم أني لا أود أن أخوض في هذه الموضوعات، إلا اننى أقول بأن الإصلاح الاقتصادي بدأ منذ عهد الرئيس مبارك، وكان يسير بطريقة متدرجة بمراعاة البعد الاجتماعي. وإذا كان البسطاء لم يشعروا جميعهم بنتائج هذا الإصلاح، فإن ذلك كان بسبب عدم تحقق العدالة في التوزيع، والمرحلة الحالية للإصلاح الاقتصادي، هي المرحلة الأكثر صعوبة، فقد جاءت بعد ثورتين، وفي وقت تطلب الأمر فيه إعادة بناء الدولة، ولهذا يجب أن يصاحبها إعلام قوى وصادق وعدالة اجتماعية".