دمياط- نجلاء بدر
يترقّب بعض الفتيات بحماسة طلوع النهار لحزم حقائبهن المعدة مسبقًا للتوجه لمدارسهن أو القيام بنزهة بصحبة آبائهن، بينما البعض الآخر من الفتيات يترقب النهار ذاته بخوف وهلع من المصير المجهول الذي ينتظرهن، بعد تقييدهن لفترة لا يعلمها إلا الله بتوقيع ورقة باليمين وارتداء محبس في اليسار، فكلتا يديها تقودها لمصير واحد في هذا العمر الصغير "الزواج"، وتحولن من أطفال يحتاجون للرعاية إلى أطفال يرعون أطفالا.
وتعد ظاهرة زواج القاصرات أحد أبرز وأغرب الظواهر التي استشرت في محافظة دمياط خلال السنوات الأخيرة، لا سيما القرى التي تحظى بمواقع متطرفة جغرافيا.
التقت "مصر اليوم" عددا من الزوجات اللاتي وقعن ضحية لزواج القاصرات، واستمعت لتجاربهن التي حملت بين طياتها مرارة وعبرة.
تقول "ثريا" ذات الـ26 عامًا: "تزوجت عندما كنت في الخامسة عشرة من عمري، كنت طالبة في الصف الثالث الإعدادي، عند عودتي من المدرسة ذات يوم وجدت المنزل مكتظا بأفراد العائلة وتعلو منه صوت الزغاريد معلنين بها خطبتي من ابن خالتي، وعندما ناقشت والدتي في الأمر أقنعتني بالزواج منه نظرا لكونها تزوجت من والدي في مثل هذا العمر وأحسنت تربيتنا".
وتضيف ثريا "بعد الزواج عانيت من عدة مشكلات صحية تسببت في تأخر الحمل ومن ثم تعرضت للإجهاض في حملي الأول وتسبب ذلك في عدة مشاكل صحية أخرى إلى أن أنجبت ابني في عمر الثامنة عشرة، شعرت منذ اليوم الأول بأن أهلي ظلمونني وإلى الآن أرى زميلاتي في المدرسة إحداهن طبيبة والأخرى تزوجت بعد ما أخذت من الحياة ما أرادت، أما أنا فقد ضاع عمري هنا".
وأوضحت الزوجة أنها لم ترغب في الطلاق لمعاملة زوجها الجيدة لها ولتأقلمها على مسار حياتها الحالي.
على مقربة من منزل ثريا جلست "زينب" تشاطر صديقتها العواقب الوخيمة التي نتجت عن زواجها المبكر التي ورت تفاصيله قائلة: "تزوجت في عمر الثانية عشرة، تم الزواج بعقد سوري عند محام، وكان يكبرني بـ16 عامًا ولم أكن أعرفه وعندما تقدم لخطبتي وافقت فورًا لأنني عندما كنت أراه في الشارع كان يأتي لي بقطع الحلوى لهذا السبب قبلت به، ولم أكن بالطبع على دراية بأبعاد الموضوع، ووالدتي أسدت لها عدة نصائح كان أبرزها إعلاء كلمة زوجي وطاعته العمياء، وعدم مناقشته في أي أمر علشان الجوازة ماتبوظش".
وعبرت السيدة ذات الـ42 عامًا عن حزنها قائلة "كنت أرى الأطفال يلعبون في الشارع وأنا يتوجب عليّ إعداد الطعام وإنجاز المهام المنزلية والزوجية أدركت حجم المأساة، بعد إنجاب ابنتي الكبرى لقد كنت طفلة مطالبة برعاية طفلة أخرى، وأشعر تجاهها بالذنب نظرًا لأنني لم أر أنني لم أعتن بها كما يجب فقد كنت في مرحلة أحتاج لمن يعتني بي".
وأضافت "أنجبت أبنائي الثلاث قبل بلوغ الـ18 عامًا وكتبنا الكتاب عند المأذون عند بلوغي السن القانونية، ورضيت بالأمر الواقع علشان أعرف أربيهم".
"زينب" قررت الطلاق عند بلوغ ابنتها الكبرى سن الـ15 عامًا عندما أصر والدها تزويجها لأحد أقربائها، مشيرة إلى أنها لم ترغب في أن تعيش ابنتها التجربة المريرة ذاتها ففضلت الانفصال عن زوجها وتشجيع ابنتها على استكمال دراستها، وانتقاء شريك مناسب في السن المناسبة.
وتروي ياسمين حكايتها قائلة "حاولت إقناع أبي بوجهة نظري وهي الزواج بعد إنهاء كل مراحلي التعليمية، لكنه غضب بشدة وقال "البنت مالهاش غير بيتها وجوزها وتعليمك زي قلته".
وأردفت "لجأت لعدد من أقاربي لإيجاد أي حيلة لإقناع والدي لكنهم جميعًا لم يفلحوا حتى والدتي لم تدعمني في الأمر، إلى أن قررت الانتحار وحاولت بالفعل ولكن أنقذوني قبل اللحظة الأخيرة، وعندها عدل والدي عن قراره لتأكده من انعدام جدوى محاولاته في إجباري على الزواج".
بدورها، قالت كريمة البدري رئيس المجلس القومي للمرأة في دمياط، إن المجلس يقيم عدة ندوات في مختلف مدارس المحافظة وشوارعها وقراها للتوعية بخطورة زواج القاصرات.
وأشارت "البدري" إلى أن هنا أكثر من 20 حالة تقدمت للمجلس بطلب طلاق للسبب ذاته، كما توجد حالات فشلت في إثبات نسب الأولاد للزوج لانفصالهم قبل عقد القران بشكل شرعي أو وفاة الزوج.
من جانبها، أكدت الدكتورة نورهان سميح استشاري أمراض النساء والتوليد، على خطورة الحمل المبكر والذي يؤدي في الغالب إلى الإجهاض المتكرر الناتج عن عدم اكتمال رحم الأم، وجميع أعضائها المسؤولة عن الإنجاب التي لم تنضج بعد مما يعرضها لمخاطر صحية عديدة من بينها تسمم الحمل ويؤدي إلى الوفاة في بعض الحالات.
وفي سياق متصل، يرى صبري الزيني، مأذون شرعي، أن انتشار ظاهرة زواج القاصرات يعود إلى انتشار الجهل في بعض القرى وغياب الوعي، وامتثال الأهالي إلى الأحاديث والآيات التي تنص على زواج الشباب إذا توافرت لديه الإمكانيات المادية، وتجاهل أن زواج الطفلة التي لا تستطيع رعاية أسرة وتولي مسؤولية منزل حرام شرعا.
وأوضح الزيني أن الزواج إن اكتملت أركانه وهي الإشهار وموافقة الولي يصح من الناحية الشريعة، حتى وإن لم تكمل عامها الـ18، وهو السن الذي حدده القانون لإبرام عقد الزواج، مشيرًا إلى أنه يقوم بإبرام أكثر من 40 عقد زواج رسميا للمتزوجين سوريا في دمياط عند بلوغ الزوجة السن القانونية بشكل سنوي.