المتحف المصري

لم تشهد مصر، قبل عام 1900م، إقامة بنايات حكومية ومدارس بالإسمنت الخالص، حيث تظهر الوثيقة النادرة الصادرة في 31 مارس عام 1890، والتي تنشرها بوابة الأهرام إجراء تحقيقات موسعة وتشكيل لجنة من مهندسين في واقعة سقوط مدرسة في مدينة بورسعيد تابعة للقنصلية الفرنسية ومبنية بالجير المشحم.

وكان سقوط مدرسة العزيز في مدينة بورسعيد سببًا مباشرًا في أن تشكل لجنة من خلال مقاول تابع للقنصلية الإيطالية من جهة ومن خلال الإدارة المصرية من جهة أخرى ومن خلال القنصلية الفرنسية التابعة لها مدرسة العزيز، حيث أظهرت اللجنة المشكلة أن سبب سقوط المدرسة هو استعمال الجير المشحم والسرعة في عمل البناء دون أن يترك المقاول لمونة الدور الأرضي أن تتحمل ثقل بناء الدور الثاني مع أن هذه الاحتياطات كان ضروريًا، حيث يبلغ سمك حيطان المدرسة نحو 55 سنتيمترًا.

وفي ذكري وضع حجر الأساس للمتحف المصري والذي يوافق  أبريل عام 1897، والذي تم بناؤه بالإسمنت كاملًا وبعد بناء أكبر مصنع لإنتاج الإسمنت في مصر في محافظة بني سويف تسرد "بوابة الأهرام" قصة دخول الإسمنت مصر؟.

ويوضح الأثري فرنسيس أمين، أن المتحف المصري الذي تم افتتاحه في عام 1903 كان أول بناء معماري يبنى من الإسمنت في مصر فيما كان ونتر بلاس هو أول فندق يبنى من الإسمنت، لافتًاإلى  أن في عهد عباس حلمي الثاني شاع الإسمنت في مصر، حيث ظهرت شركات إيطالية وإنجليزية لتوريده، في الفترة التي شهدت بناء خزان أسوان وقناطر أسيوط التي تم استخدام نحو 125 ألف متر مكعب من الخرسانة، و85 ألف متر مكعب من أعمال البناء "الحجر والطوب" و 125 ألف متر مكعب من القار، وأكثر من 4 آلاف طن من أنابيب الحديد في تأسيسها.

وأوضح أمين، أن شركة "جاروتسو وزعفران" كانت من الشركات الإيطالية الرائدة في توريد الإسمنت لمصر في هذه الفترة، بالإضافة لشركات بريطانية قامت بتوريد الإسمنت لبناء قناطر أسيوط وخزان أسوان، مضيفًا أن المؤرخين كافة يجزمون أن الإسمنت عرفته كافة الحضارات القديمة في بناء المعابد ولكن من خلال الجير الكلس .

وعام 1906 وبعد شيوع الإسمنت في مصر، أكدت الصحف المصرية الصادرة آنذاك أن الإسمنت قديم الاستعمال من أيام الفراعنة والكلدانيين والأشوريين في العراق والأغريق وغيرهم، حيث كانوا يستخدمون الجير الكلس، حيث رأوا أنه إذا وجدت في الأحجار الكلسية طفل وحرقت كان منها جير يجمد تحت الماء وهو المعروف بالإسمنت، إلا أن القدماء كانوا يظنون أن الإسمنت لايكون إلا بحرق حجارة شديدة الصلابة وظلوا كذلك حتى القرن الثامن عشر حين أراد المهندس سميتون أن يبتني منارة معروفة باديستون في إنجلترا فامتحن كثيرًا من صلابة الإسمنت المائي فاكتشف أن الصلابة تتوقف على مقدار الطفلة في الحجر الكلسي لا بحرق الأحجار.

وكان في جزيرة بورتلاند جنوبي إنجلترا الكثير من الأحجار والكلسية والطفل فيتكون منها إسمنت بعد أن يتصلب بالماء فسمي إسمنت بورتلاند على اسم الجزيرة وشاع استعماله في العالم بعد ذلك باسم إسمنت بورتلاند، وأضافت الصحف أن قطع الحجارة ونحتها كان هو الإسمنت الشائع منذ آلاف السنين أما إسمنت بورتلاند كان له في أميركا عام 1890م نحو 16 مصنعًا وفي عام 1905 تم التوسع في بناء نحو 83 مصنعًا تصنع في العام 31 مليون برميل، وكان المصنوع منه عام 1889م نحو 300 ألف برميل فقط .

وكشف فرنسيس أمين أن بعد شيوع الأسمنت الحديث في العالم قامت مصر بتصنيع الإسمنت مابين القاهرة وحلوان في عصر الخديوي حلمي الثاني، وقد كثر عليه الطلب ما جعل السوق مفتوحة للشركات الأجنبية في مصر، فيما تشهد الأيام المقبلة افتتاح أكبر مصنع مصري لإنتاج الإسمنت والذي بدأت الهيئة الهندسية للقوات المسلحة إنشاءه بشرق النيل، في محافظة بني سويف منذ 18 شهرًا.