بيروت ـ جورج شاهين
رحبت القمة المسيحية ـ الإسلامية التي استضافتها بكركي، الاثنين، بالثمار الإيجابية لزيارة قداسة البابا بندكتوس السادس عشر إلى لبنان، وإدانت فيلم "براءة المسليمن"، ودعت إلى مواجهة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في لبنان. بدأت القمة المسيحية ـ الإسلامية في الحادية عشرة من قبل ظهر الاثنين في المقر البطريركي في بكركي بدعوة من البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي. وعقدت القمة بحضور أصحاب الغبطة والسماحة والسيادة رؤساء الطوائف اللبنانية المسيحية والإسلامية وممثلوهم وشارك فيها اصحاب السماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني، نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى الامام الشيخ عبد الامير قبلان، شيخ عقل طائفة الموحّدين الدروز الشيخ نعيم حسن، رئيس المجلس الإسلامي العلوي الشيخ اسد عاصي، وصاحبي الغبطة كاثوليكوس بيت كيليكيا للأرمن الأرثوذكس آرام الاول كيشيشيان، بطريرك الكنيسة السريانية الكاثوليكية مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، القس الدكتور سليم صهيوني رئيس المجمع الاعلى للطائفة الانجيلية في لبنان وسورية، اصحاب السيادة المطارنة الياس عودة متروبوليت بيروت للروم الاورثوذكس، بولس دحدح النائب الرسولي للاتين، ميشال قصرجي النائب البطريركي للكلدان، جورج صليبا ممثلا بطريرك السريان الاورثوذكس زكا الاول عيواص، المونسنيور باتريك موراديان ممثلاً بطريرك الارمن الكاثوليك نرسيس بدروس التاسع عشر، الارشمندريت رويس الاورشليمي ممثلاً الكنيسة القبطية الاورثوذكسية والارشمندريت عمانوئيل يوحنا ممثل الكنيسة الاشورية. وفي مستهل القمة القى البطريرك الراعي كلمة رحب الراعي بالمشاركين في هذه القمة"، وقال: "معروف ما هي قضايانا التي سنبحثها منها ما هو مفرح ومسيء ومقلق".اضاف: "المفرح هو زيارة قداسة البابا وما نشأ عنها من اجواء لم الشمل اللبناني، والمسيء هو فيلم براءة المسلمين الذي شكل اساءة ليس للطوائف الإسلامية وحسب والنبي والرسول انما هي اساءة للمسيحيين ايضا وكل المؤمنين في العالم". وقال : "ان اجتماعنا اليوم هو لاستحضار الرب ولنجتمع سويا ونستلهم الروح كي ننطلق نحو البنود الثلاثة المطروحة الاساسية"، مضيفا "ان الامور في هذه المنطقة لا يمكن ان تحل لا بالتكفير ولا بالقتل ولا تحت ستار حرية التعبير التي تتجاوز الاطر الاخلاقية والانسانية ونحن من جهتنا سوف لا نكتفي بالاستنكار قط انما يجب ان نحث المجتمع الدولي لاصدار قرار اممي يحرم تناول الاديان بالاساءة". وتابع: "ان الوضع الاقتصادي اصبح على شفير الانهيار ونحن ذاهبون اليه ونحو الهاوية في كل مرة تتدخل العناية الالهية لتنقذنا هي، ومن هنا، هناك واجب علينا نحن ان نساعد لوضع حد لهذا الانهيار الكبير لان الاقتصاد اذا سقط سقط معه كل شيء". وعند الواحدة والربع بعد الظهر انتهت اعمال القمة ولبى الجميع دعوة البطريرك الراعي الى الغداء قبل ان يعلن السيد حارث شهاب عضو لجنة الحوار المسيحي ـ الإسلامي بيان القمة وفيه: تناول المجتمعون ثلاثة مواضيع: ثمار زيارة قداسة البابا بندكتوس السادس عشر إلى لبنان، وإدانة الفيلم "براءة المسليمن"، والدعوة إلى مواجهة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في لبنان. وبعد النقاش اصدروا البيان التالي : أولاً: أعرب أصحاب الغبطة والسماحة والسيادة عن شكرهم العميق وتقديرهم وارتياحهم الكبير للزيارة التاريخية التي قام بها قداسة البابا بندكتوس السادس عشر الى لبنان (14-16 أيلول)، والتي اتت في وقتها، وللنتائج البنّاءة التي أسفرت عنها، وأُعلت شأن لبنان كبلد آمنٍ ومنفتح على جميع الثقافات والأديان، وكالمكان الأفضل لتوقيع الارشاد الرسولي: "الكنيسة في الشرق الأوسط، شركة وشهادة" ولإعلانه، ولإطلاق الدعوة إلى السلام في بلدان الشرق الأوسط. وأعربوا عن تأييدهم لما تضمّنه هذا الإرشاد وكلمات قداسته في المناسبة، وبخاصة لجهة التأكيد على أصالة وعمق العلاقات التاريخية بين المسلمين والمسيحيين في الشرق الأوسط، وعلى أن لبنان نموذج لسلامة هذه العلاقات والتعاون المسيحي ـ الإسلامي على كل المستويات. واعتبروا أن تشديده على رسالة لبنان في العيش المشترك هو بمثابة تجديد للثقة برسالة لبنان التي سبق أن نادى بها الطوباوي البابا يوحنا بولس الثاني. إنَّ رسالة قداسة البابا إلى اللبنانيين هي تذكير قبل كل شيء بأن لبنان مساحة تفاعل وحوار من أجل حضارة قائمة على السلام والتنوّع في الوحدة، وليس ساحة صراع؛ ورغم واقعنا اللبناني الداخلي والقلق من التطورات الجارية في المنطقة، لا يزال قداسة البابا يعتبر أنَّ لبنان يحمل رسالة تاريخية وحضارية الى العالم بأسره لاسيما في الحوار الدائم بين الحضارات والأديان لصالح البشرية جمعاء. وتوافق أصحاب الغبطة والسماحة والسيادة على العمل معاً من اجل تعميم هذه الرسالة الأخوية وتعميق مفاهيمها في العائلة والمدرسة والمجتمع بين المواطنين اللبنانيين، وعلى نقلها إلى القيادات الروحية الشقيقة في الدول العربية الأخرى. وحثُّوا المواطنين المسيحيين والمسلمين على الثبات في أرضهم، والتصدّي لموجة الهجرة التي تفقد الشرق خيرة أبنائه وقواه الحيّة، وتضعف وحدة النسيج الوطني اللبناني، وتعرِّض الهويّة الوطنية إلى التصدّع. ودعوا إلى إجراء ما يلزم من اصلاحات في كل بلد، عن طريق الحوار والتفاهم، بعيداً عن العنف والحرب، وإلى احترام الحريات الدينية وحقوق الانسان ومبدأ المساواة في المواطنة كأساس للعيش المشترك الذي يتمسكون به جميعاً. وأشادوا بحكمة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ومثابرته على عقد طاولة الحوار الوطني، وناشدوا كل المعنيين بهذا الحوار، الذي لا بديل عنه، للخروج من دائرة المناقشات الاتهامية المتبادلة، والتصدّي معاً للتحديات الخطيرة التي يواجهها لبنان الوطن والرسالة. ثانياً، أدان أصحاب الغبطة والسماحة فيلم "براءة المسلمين" المسيء للإسلام ولنبيّه ورسوله محمد كذباً وافتراء وتضليلا، وقد سبق وادانوه منفردين. وأكّدوا على أنَّ الانتهاك لحرمة أي دين هو انتهاك لحرمة الأديان جميعها، كما ندّدوا بردّات الفعل العنيفة التي أوقعت ضحايا بريئة واساءت الى المسيحيين ودُور العبادة في بعض البلدان. ودعوا الأمم المتحدة ومجلس الأمن وجامعة الدول العربية وسائر المنظّمات والهيئات المعنيّة إلى اتخاذ قرارات تحول دون التعسّف في استغلال حق حرية التعبير، ودون الإساءة إلى الأديان ورموزها المقدسة، وانعكاسها سلباً على العلاقات الإسلامية ـ المسيحية، والتسبب بقيام فتنة واسعة لها ارتداداتها على السلم الأهلي المحلي والسلام العالمي. وقرّروا تشكيل لجنة من القانونيين المتخصِّصين في القانون الدولي لصياغة النصّ الملائم ولدراسة الاجراءات التي تصون الأديان السماوية وعقائدها من الإساءة والتجريح تحت طائلة الملاحقة القانونية، وعهدوا إلى اللجنة الوطنية المسيحية ـ الإسلامية للحوار وضع ومتابعة آلية تنفيذ هذه التوصية ورفعها الى المرجعيات الروحية مجتمعة. إنَّ هذا المطلب يؤكِّد على وحدة الايمان بالله والعمل بوصاياه وبالقيم الروحية والاخلاقية في الحياة الشخصية والعائلية والاجتماعية، وعلى مكان الانسان ودوره في تدبير الله. ثالثاً: تباحث المجتمعون في الازمة الاقتصادية وانعكاساتها الاجتماعية التي تزداد معالمها سوءاً يوماً بعد يوم، وخاصة لجهة تفاقم الدين العام وارتفاع نسبة البطالة، وغلاء المعيشة، وتدني الدخل واتساع دائرة الفقر وتزايد عدد الفئات المحرومة ما يدفع ببعضها الى حركات التطرف، وبروز ظاهرة الاعتداء والسلب والخطف التي يدينونها بشدّة، وهم في هذا السياق يثنون على جهود القوى الامنية ويحثونها على التشدد في تطبيق القوانين والانظمة. وأعربوا عن تأييدهم لنداءات الهيئات الاقتصادية والصناعية وتحذيراتها من الأخطار المحدقة، وطالبوا الدولة باتخاذ الاجراءات اللازمة التي تنقذ من خطر الانهيار الكبير. وهم يرون أن المناخ السياسي والأمني هو الشرط الأول والأساسي للاستقرار والنّمو الإقتصادي. في ظل الظروف الدقيقة التي تمرّ بها البلاد والمنطقة، بات مطلوباً من الجميع، ومن السياسيين بنوع خاص، العمل على إزالة التشنّجات السياسية والأمنية، وتوفير جوٍّ من الطمأنينة والثقة بمستقبل الوطن. ودعا المجتمعون الى انتهاج سياسة اجتماعية ـ اقتصادية تعتمد نظاماً ضرائبياً أكثر عدالة، وتوفّر الخدمات الاجتماعية والصحية والانمائية للفئات والمناطق المحرومة، وتستحدث فرص عمل لمتخرّجي الجامعات، وتشجّع على الاستثمار في المشاريع الإنتاجية، الزراعية منها والصناعية والخدماتية، وتعمل على توسيع رقعة تصدير الانتاج اللبناني، وتعزّز الانماء الشامل، وتحدّ من البطالة والهجرة. كما دعوا الى تشديد الرقابة من أجل حماية المستهلك اللبناني من كل انواع الجشع والتلاعب بالنوعية والأسعار، حفظاً لحقوق المواطن وسلامته، ولقيام شفافيّة في التعامل بين المنتج والمستهلك والتزام الأخلاقيات في علاقتهما. وفي الختام يناشد أصحاب الغبطة والسماحة والسيادة اللبنانيين جميعا أن يعملوا بوحي من ضميرهم على تعزيز وحدتهم الداخلية، الضامن الأساس لقيام دولة الحق التي تكون على مستوى الآمال المعقودة عليها، وهم يسألون الله القدير أن يعضدهم في مسؤولياتهم للحفاظ على جوّ الاخوة والتضامن في مجتمعنا، وناشدوا المسؤولين السياسيين التعاون على تحقيق الخير العام وإعلاء شأن لبنان، وطن الرسالة في احترام التعدّدية والحرية المسؤولة.