القاهرة-سالي رياض
بعد انقطاع طويل مع الشعر، أعقبتها استراحة لم أكتب خلالها مقالا أو قصيدة، لكن أعادني حليم إلى الكتابة، وهو الذي صاحبني عندما كان القارئ لديواني الأخير يجد حليم يطل عليه في أكثر من قصيدة، فهو بالنسبة لي أبجديات الحب، وسلم الموسيقي الذي كلما صعدت، أغراك بالوصول إلي منتهاه، لازلت من حوارية صوته، الذي يجسد أمة بكل انتصاراتها وانكساراتها، وعشقها وغرامها في ترنيمة، غنوة "مسيح "ترحل معه الي القدس، وفي "موال النهار" تعبر الهزيمة قبل العبور، وفي "أنا من تراب" تنزل العتبات كمريد في حضرة الإمام الحسين.
كم كان إبداعه يشبه قسمات وجهه، كالنيل مصدر معطاء/ سلسال رقراق، كم جسد عبر ميكرفون الإذاعة بأغانيه الوطنية، صوت الجماهير، فكان ذاكرة شعب، كان نهرا من الجمال، يفيض نغما وموسيقي.
وفي رائعة نزار قباني وموسيقي الموجي، تموج كالبحر في عواطف، لا تملك إلا الإنصات خشوعا، وكأن العرافة كانت تقرأ فنجان حليم.
بصّرت ونجّمت كثيراً
لكني لم أقرأ أبداً فنجاناً يشبه فنجانك
بصّرت ونجّمت كثيراً
لكني لم أعرف أبداً أحزاناً تشبه أحزانك
مقدورك أن تمضي أبداً في بحر الحب بغير قلوع
وتكون حياتك طول العمر كتاب دموع
مقدورك أن تبقى مسجوناً بين الماء وبين النار
فبرغم جميع حرائقه، وبرغم جميع سوابقه
وبرغم الحزن الساكن فينا ليل نهار
وبرغم الريح وبرغم الجو الماطر و الإعصار
الحب سيبقى يا ولدي أحلى الأقدار.
اليوم تمر الذكري الـ 89 لميلاد العندليب عبدالحليم حافظ (21 يونيو/حزيران 1929 - 30 مارس/آذار 1977) الذي رغم مرور الزمن لايزال كزنابق النيل المقدسة يانعا مزدهرا .
والذكري الـ 17 لرحيل أيقونة السينما المصرية سعاد حسني (26 يناير/كانون الثاني 1942 -21يونيو/حزيران 2001)، صدفة الميلاد والرحيل بينه وبين سعاد، تجسد مضمون ماكتب نزار، وتجعل بين كل كوبليه، خيال يتسع كقبة سماء معلقة بخيوط دخان، هو ميثولوجيا مصرية شديدة التمايز والخصوصية.
عبد الحليم علي شبانة الذي ولد بدلتا مصر في قرية الحلوات بمحافظة الشرقية، والتحق بمعهد الموسيقى العربية قسم التلحين عام 1943 حين التقى بالفنان كمال الطويل حيث كان عبد الحليم طالبا في قسم تلحين، وكمال في قسم الغناء والأصوات، وقد درسا معا في المعهد حتى تخرجهما عام 1948 ورشح للسفر في بعثة حكومية إلى الخارج لكنه ألغى سفره وعمل 4 سنوات مدرساً للموسيقى بطنطا ثم الزقازيق وأخيرا بالقاهرة، ثم قدم استقالته من التدريس والتحق بعدها بفرقه الإذاعة الموسيقية عازفا على آله الأوبوا عام 1950م.
تقابل مع صديق ورفيق العمر الأستاذ مجدي العمروسي في 1951 في بيت مدير الإذاعة في ذلك الوقت الإذاعي فهمي عمر. اكتشف العندليب الأسمر عبد الحليم شبانة الإذاعي الكبير حافظ عبد الوهاب الذي سمح له باستخدام اسمه "حافظ" بدلا من شبانة، ومنذ إجازته في الإذاعة عام 1951 بعد تقديمه قصيدة "لقاء" من كلمات صلاح عبد الصبور وألحان كمال الطويل، حتى بدء تصويره أول أفلامه "لحن الوفاء" عام 1955.
نرصد في هذه الفترة أن عددًا كبيرًا من الأغاني تحوي قدرا من البهجة الذي تلاشي بعض الشيء بعد معاناته مع المرض الطويل، ومن تلك الأغنيات "ذلك عيد الندى"، "أقبل الصباح"، "مركب الأحلام"، "في سكون الليل"، "فرحتنا يا هنانا"، "العيون بتناجيك"، "غني..غني"، "الليل أنوار وسمر"، "نسيم الفجرية"، "ريح دمعك"،"اصحى وقوم"، "الدنيا كلها".
ومع حلول عام 1956، نرصد التحول في أغانية فكانت معاناته يجسدها إبداعه/ حيث قدم للسينما ما يقرب من 16 فيلما، وكان أول أفلامه "لحن الوفاء " في العام 1955م، وشاركه البطولة، شادية، حسين رياض.
ومن أهم محطات تجربته السينمائية: يوم من عمري" وشاركه البطولة: زبيدة ثروت، عبد السلام النابلسي، محمود المليجي، سهيرالبابلي في العام 1961، و في العام 1962قدم "الخطايا "وشاركه البطولة: عماد حمدي، حسن يوسف، نادية لطفي، مديحة يسري، و في العام1969 قدم آخر أعماله للسينما، أبي فوق الشجرة، وشاركه البطولة: عماد حمدي، ميرفت أمين، نادية لطفي.
وقدم حليم مايقارب 112 أغنية منذ خمسينيات القرن الي أن رحل، ونذكر منها : "صافيني مرة": كلمات سمير محجوب، ألحان محمد الموجي، "على قد الشوق": كلمات محمد علي أحمد، ألحان كمال الطويل، "توبة": في عام 1955 كلمات حسين السيد، لحن الموسيقار محمد عبد الوهاب أول أغاني عبد الوهاب لعبد الحليم ، يا خليّ القلب: في عام 1969 كلمات مرسي جميل عزيز وألحان موسقار الأجيال، "في يوم في شهر في سنة": كلمات مرسي جميل عزيز، وألحان كمال الطويل، موعود: كلمات محمد حمزة وألحان بليغ حمدي، "لقاء": كلمات صلاح عبد الصبور وألحان كمال الطويل وهي أول أغنية خاصة يسجلها عبد الحليم حافظ للإذاعة، "رسالة من تحت الماء": كلمات نزار قباني، وألحان محمد الموج، "حبيبها" كلمات كامل الشناوي، وألحان محمد الموجي، وكانت قارئة الفنجان هي آخر ما غنى في حفلة شم النسيم في عام 1977م، من كلمات نزار قباني وألحان محمد الموجي.
ستفتِّش عنها يا ولدي في كل مكان
وستَسأل عنها موج البحر وتسأل فيروز الشطآن
وتجوب بحاراً وبحاراً، وتفيض دموعك أنهاراً
وسيكبر حزنك حتى يصبح أشجاراً أشجارا
وسترجع يوماً يا ولدي مهزوماً مكسور الوجدان
وستعرف بعد رحيل العمر بأنك كنت تطارد خيط دخان
فحبيبةُ قلبك ليس لها أرض أو وطن أو عنوان
ما أصعب أن تهوى امرأةً يا ولدي ليس لها عنوان.
ستظل ذكراك ندية كالورود البلدية، و شجية كالموال نهار، حين نحن الي ذاوتنا نغنيك، وحين نمل من موجات الصخب نلوذ بك.
فأنت أيامنا الحلوة مهما مشانا زمانا فوق الشوك.
سالي رياض"