القاهرة - مصر اليوم
تفاصيل زيارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، إلي العاصمة المصرية القاهرة عام 2009، وانطباعه عن لقائه مع الرئيس حسني مبارك في قصر القبة، وشعوره خلال إلقاء خطابه التاريخي تحت قبة جامعة القاهرة، محطات أساسية سطرها أوباما بقلمه في كتابه الجديد "أرض موعودة"، والذى نستعرض في السطور التالية مقتطفات كاملة منها.
واستهل أوباما حديثه عن الزيارة بوصف لانطباعه عن المدينة من خلال ما شاهده، مشيرا إلي الشوارع الخاوية تماما من المارة في طريقه من المطار، قائلا: "القاهرة الكبرى يقطنها نحو 16 مليون مواطن، لم نر أيا منهم.. حتى الشوارع المشهورة بالفوضوى والازدحام كانت خالية باستثناء عناصر الشرطة المنتشرة في كل مكان، وهو دليل على القبضة غير العادية للرئيس مبارك على بلاده، كما أنه يؤكد أن الرئيس الأمريكي كان مستهدفا من الجماعات الإرهابية المتطرفة".
واستعرض أوباما خلال الكتاب رؤيته لمصر منذ عهد الرئيس عبدالناصر وصولا إلي مبارك، قائلا: "في أوائل خمسينيات القرن الماضي، قام مقدم في الجيش يملك كاريزما هو جمال عبد الناصر بتدبير الإطاحة بالنظام الملكي في مصر، وأسس دولة علمانية ذات حزب واحد، وبعد فترة وجيزة قام بتأميم قناة السويس، متغلبا على محاولات التدخل العسكري من قبل البريطانيين والفرنسيين، مما جعله شخصية عالمية في محاربة الاستعمار والزعيم الأكثر شعبية في الوطن العربي".
واستطرد أوباما: "واصل جمال عبد الناصر تأميم الصناعات الرئيسية الأخرى، وبدأ في إصلاح الأراضي، وحشد جمهور ضخم بهدف القضاء على بقايا كل من الحكم البريطاني وماضي مصر الإقطاعي، وعلى الصعيد الخارجي، روج عبدالناصر لقومية عربية اشتراكية علمانية غامضة، وخاض حربا خاسرة ضد إسرائيل، كما ساعد في تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية، وأصبح عضوا في ميثاق حركة عدم الانحياز، ورفض ظاهريا التحيز في الحرب الباردة لكنه أثار شكوك وغضب واشنطن، وذلك بسبب قبوله لمساعدات اقتصادية وعسكرية من السوفييت، كما أنه أتخذ إجراءات صارمة ضد المعارضة وتشكيل الاحزاب السياسية المتنافسة في مصر، واستهدفت هذه الإجراءات بشكل خاص جماعة الإخوان المسلمين، وهي جماعة سعت إلى تشكيل حكومة إسلامية من خلال التعبئة السياسية الشعبية والأعمال الخيرية، لكنها شملت أيضا أعضاءا لجأوا إلى العنف".
ويقول أوباما إن أسلوب عبد الناصر في الحكم كان مهيمنا لدرجة أنه حتى بعد وفاته عام 1970 سعى قادة الشرق لتكراره، لكن في ظل الافتقار إلى قدرة عبدالناصر على التواصل مع الجماهير، فإن رجالا مثل حافظ الأسد في سوريا وصدام حسين في العراق ومعمر القذافي في ليبيا استطاعوا الحفاظ على سلطتهم من خلال الفساد والمحسوبية والقمع الوحشي وحملات مستمرة ضد إسرائيل، وإن كانت غير فعالة".
وتابع: "بعد اغتيال الرئيس أنور السادات عام 1981، تولى حسني مبارك الحكم مستخدما نفس الأسلوب في الحكم، مع اختلاف واحد ملحوظ وهو أن معاهدة السلام التي وقعها السادات مع إسرائيل جعلت مصر حليفة للولايات المتحدة مما دفع الإدارات الأمريكية المتعاقبة للتغاضي عن نظام الحكم، له سجل حقوق الإنسان سيئ ومعاد للسامية في بعض الأحيان"، على حد تعبيره.
ووجه أوباما في كتابه انتقادات لنمط إدارة مبارك للاقتصاد، إذ كتب "بمساعدة كبيرة، ليس فقط الولايات المتحدة، ولكن من السعوديين ودول الخليج الأخرى الغنية بالنفط، لم يكلف مبارك نفسه عناء إصلاح اقتصاد بلاده الراكد، والذي ترك جيلا من الشباب المصري الساخط غير قادر على الحصول على فرصة عمل".
وعقب تحليله الشخصي، عاد أوباما ليواصل حديثه عن زيارة القاهرة قائلا: وصل موكبنا إلى قصر القبة وهو مبنى مميز يعود لمنتصف القرن التاسع عشر، وبعد مراسم الترحيب دعاني مبارك إلى مكتبه للنقاش لمدة ساعة.
كان مباركيبلغ من العمر 81 عاما لكنه لا يزال عريض المنكبين وقويا، وله انف روماني (أنف بارزة منحنية)، وشعر داكن، وعينان كثيفتان الرموش. بعد أن تحدثت معه عن الاقتصاد المصري وطلبت اقتراحات حول كيفية تنشيط عملية السلام العربية الإسرائيلية، أثرت قضية حقوق الإنسان، واقترحت خطوات قد يتخذها للإفراج عن السجناء السياسيين وتخفيف القيود على الصحافة.
لكن مبارك تحدث بالإنجليزية بلكنه مختلفة لكنها مقبولة، وصرف مخاوفي بأدب، وأصر على أن أجهزته تستهدف المتطرفين الإسلاميين فقط، وأكد على أن المواطنين المصريين يؤيدون منهجه الحازم.
لقد ترك لدي انطباع سيصبح مألوفا جدا في تعاملي مع الحكام المستبدين المسنين بعد ذلك؛ آلا وهو: أنهم معزولون في القصور، كل تفاعلهم بواسطة الموظفين القاسين الذين يحيطون بهم، لم يتمكنوا من التمييز بين مصالحهم الشخصية ومصالح دولهم، لا تخضع أفعالهم لأي غرض أوسع بخلاف الحفاظ على شبكة متشابكة من المحسوبية والمصالح التجارية التي أبقتهم في السلطة، يا له من تناقض.
ومن ثم جاء وقت الذهاب إلى القاعة الكبرى بجامعة القاهرة، ولقد ضغطنا على الحكومة ليكون خطابي أمام شريحة واسعة من المجتمع المصري، وكان من الواضح أن مجرد وجود طلاب الجامعات والصحفيين والعلماء وقادة المنظمات النسائية ونشطاء المجتمع وبعض الشخصيات البارزة ورجال الدين وشخصيات من جماعة الإخوان المسلمين من بين الثلاثة آلاف شخص الحاضرين سيساعد في جعل هذا الحدث فريدا، يصب إلى جمهور عالمي واسع على شاشة التلفزيون.
وبمجرد أن صعدت إلى المنصة وألقيت التحية الإسلامية "السلام عليكم" هلل الجمهور مستحسنا. كنت حريصا على أن يكون خطاب واحد سيحل المشاكل المستعصية. ومع استمرار الهتاف والتصفيق خلال خطابي حول الديمقراطية وحقوق الانسان وحقوق المرأة والتسامح الديني، والحاجة إلى سلام حقيقي ودائم بين إسرائيل وفلسطين.
في تلك اللحظة كان بإمكاني أن أتصور بداية جديدة للشرق الأوسط. ولم يكن من الصعب تصور واقع يقوم فيه الشباب الحاضرين في تلك القاعة ببناء المدارس وأعمال جديدة، بل وقيادة حكومات مستجيبة وعاملة، تركت المنصة وسط حفاوة كبيرة وقلت وأنا أبتسم من الأذن إلى الأذن "اعتقد أن الأمر قد نجح".
قد يهمك ايضا