موسكو حسن عمارة
ساد الارتباك ركّاب عبارات بحر المانش لرؤيتهم السفن الحربية الروسية وهي تمر عبر الممر المائي المدني في طريقها إلى البحر المتوسط لدعم القوّات الحكومية التابعة إلى بشّار الأسد، فقد أمر الرئيس فلاديمير بوتين قطعه البحرية باستعراض قوتها والمرور عبر بحر المانش.
فما كان من الحكومة البريطانية إلا أن أرسلت المدمرة "دراغون" للحاق بالسفن الحربية التابعة إلى البحرية الملكية لمراقبة الأسطول البحري الروسي أثناء خروجه من السواحل البريطانية. ومن جانبه نشَرَ الأسطول الروسي، والذي يمر عبر بحر المانش، حرّاس مدججين بالسلاح لردع أي شخص قد يتعرض لهم أثناء مرورهم في السواحل البريطانية.
ويصل مدى السفينة حوالي سبعة ألاف ميل بحري، بينما قائدها هو الكابتن غريغ وود. والمدمرات من (نوع 45) تحتوي على مدفع رئيسي 4.5 بوصة من طراز "إم كي 8"، ورادار سامبسون متعدد الوظائف بالإضافة إلى كتيبه تحوي مدفعا من طراز جاتلينغ محكوما برادار، حيث يمكنه إطلاق ثلاثة ألاف طلقة في الدقيقة الواحدة، كما أنها مجهزة كذلك بصواريخ مضادة للطائرات.
وأوضحت "ديلي ميل" أن هذا النوع من المدمرات يعد من الفئات المتقدمة للغاية، حيث أنها من بين ستة مدمرات أخرى تملكها البحرية الملكية البريطانية مجهزة بالصواريخ، بنيت بتكلفة تقدر بنحو مليار جنيه إسترليني للواحدة. وعلى الجانب الآخر، فقد تم رصد عدد من الحراس على أسطح سفن الأسطول الروسي، حيث كانوا مجهزين ببنادق هجومية طراز "إيه كي 74"، وذلك أثناء مرورهم من المنحدرات الصخرية البيضاء في دوفر، حيث أن الأسطول قد تلقى أوامر بالمرور من بحر المانش، والذي يعد أكثر الممرات البحرية ازدحاما في العالم.
وأضافت الصحيفة أنه بعد أيام من السخرية المتزايدة من قبل بوتين تجاه البحرية الملكية البريطانية، فإن القوات الروسية اتجهت نحو دخول الامتداد المائي البالغ 22 ميلا والذي يفصل بين بريطانيا عن الأراضي الأوروبية. من ناحيته، أكد وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون أن هذه العمليات بمثابة اختبار لقدرات البحرية الملكية البريطانية وحلفائها التابعين إلى حلف شمال الأطلسي "ناتو". وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع البريطانية "أنهم جميعا على خط واحد الآن، وعليهم التحرك بشكل فعال لتنفيذ خطة فصل حركة المرور، وهو الأمر الذي يحققونه الآن بنجاح كما هو متوقع." وأضاف "أنهم لم يتباطؤون وكذلك لم يتسرعون، فعندما تنتهي خطة فصل حركة المرور سوف يتحركون باتجاه مراقبة الأسطول الروسي." وشدّد أنه ليست الأمور واضحة تماما الآن، ولكن حتى الآن كل الأمور تسير وفقا لتوقعاتهم.
وكان الباحث البحري نايجل سكات على متن أحد القوارب التي خرجت من ميناء دوفر لمتابعة ما سوف يتم عن قرب، حيث يقول "أنه يوما لا ينسى، فقد دخلنا الممر بالتزامن مع نزولهم فيه حتى أصبحنا على مسافة قريبة للغاية منهم. وأضاف "يبدو مستحيلا أن نرى أسطولا بحريا بهذه الضخامة في هذه الأيام، حيث أنه يحوي كمية من السفن الهائلة، فقد رأيت الغواصة الروسية تمر عبر المضيق قبل ذلك، ولذلك فقد لوحنا لطاقم السفينة وهم أيضا لوحوا لنا، إلا أن الأمر اليوم كان مختلفا إلى حد كبير، حيث كنا نعرف إلى أين يتجه الروس، وشعرنا تجاههم بقدر من الشر."
لقد بدا واضحا أنهم يحاولون استعراض قوتهم، حيث أنهم يمتلكون أسطولا بحريا مدهشا، ولعل الدليل على رغبتهم في الاستعراض هو قرارهم بالمرور من بحر المانش في وضح النهار، هكذا يقول الباحث البريطاني. وتم تصوير المشهد الدرامي من قبل النائب المحافظ داميان كولينز، حيث مرّ الأسطول الروسي خلال مدينة فولكستون، والتي تعد دائرته الانتخابية.
ويأتي الأسطول الروسي مقبلًا من منطقة قريبة من السواحل الاسكتلندية حيث قامت القوات البحرية الروسية ببعض التدريبات هناك، قبل التوجه إلى السواحل البريطانية، ليجد البحرية الملكية البريطانية وعدد من السفن الحربية الأخرى التابعة لأعضاء الناتو، تحيط به أثناء مروره عبر بحر المانش في طريقه للبحر المتوسط. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أصدر أوامره بخروج الأسطول من أجل الذهاب إلى سورية، وذلك في إطار الدور الذي تلعبه روسيا في الأزمة السورية من خلال تقديم الدعم العسكري للرئيس بشار الأسد، حيث تقوم بقصف معاقل المعارضة السورية.
وكانت الأزمة السورية سببا في انفجار العديد من الخلافات بين الحكومة الروسية ونظيرتها البريطانية خلال الأيام الماضية، حيث أن الحكومة البريطانية أكدت رفضها التام للدور الذي تلعبه موسكو في دعم بشار الأسد في سورية، بل وتفاقمت الأمور بعد التصريحات المتبادلة بين وزير الخارجية البريطاني من جانب والحكومة الروسية من جانب آخر. ومن جانبه دعا وزير الخارجية البريطاني النشطاء البريطانيين إلى إطلاق التظاهرات أمام السفارة الروسية في موسكو، للتعبير عن احتجاجهم على السياسات التي تمارسها موسكو في سورية في المرحلة الراهنة، والتي تسببت في تفاقم الأزمات الإنسانية التي يعانيها المواطنون السوريون.
التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية البريطاني دفعت الحكومة الروسية إلى اتهامه بالإصابة بحالة فوبيا تجاه موسكو، معربة في الوقت نفسه عن رفضها الكامل للدعوات التي تبناها المسئول الحكومي البريطاني. ومن ناحيتها أعربت رئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي عن رفضها لقيام الجانب الروسي بإرسال الأسطول إلى الأراضي السورية عبر السواحل البريطانية، حيث أكدت خلال قمة الاتحاد الأوروبي المنعقدة في العاصمة البلجيكية بروكسيل أن الأوروبيين ينبغي أن يظهروا موقفا موحدا وقويا تجاه ما أسمته بالعدوان الروسي.
وأضافت أن المملكة المتحدة وضعت الموقف الروسي من القضية السورية على أجندة اجتماعات الاتحاد الأوروبي. الأمر يبدو حيويا للغاية، وبالتالي فينبغي علينا مواصلة العمل سويا من أجل فرض المزيد من الضغوط على روسيا لوقف هجماتها المتوحشة التي تقوم بتنفيذها في سورية." وفي السياق نفسه، أكد رئيس الناتو جينس ستولتينبرغ أن الحلف سوف يواصل متابعته للموقف بشكل مسؤول ومحسوب، وذلك خلال مرور الأسطول الروسي إلى البحر المتوسط عبر السواحل البريطانية، وهو الأمر الذي يشبه كثيرا لعبة القط والفأر التي سادت بصورة كبيرة خلال السنوات الأخيرة بين الغرب وروسيا، على غرار حقبة الحرب الباردة.
وأعرب مسؤول الـ"ناتو" عن عميق قلقه من جرّاء الدور الذي سوف يلعبه الأسطول الروسي في سورية في ظل تفاقُم الأزمات الإنسانية التي تشهدها روسية، بخاصة وأنه من المتوقع أن يتم تكثيف الهجمات على مدينة حلب في المرحلة المقبلة. وتقول الصحيفة البريطانية أن الرئيس الروسي أمر الأسطول بالإبحار جنوبا وذلك لتكثيف الهجمات ضد معارضي حليفه بشار الأسد، وذلك بالرغم من الاتهامات التي تلاحقه باستخدام البراميل المتفجرة والأسلحة الكيمائية للقضاء على المتمردين وتحرير مدينة حلب السورية. وفي الوقت الذي يتجه فيه الأسطول الروسي نحو الأراضي السورية لدعم الأسد، فإن القوات الروسية وقوات الحكومة في سورية قررت وقف عمليات القصف العسكري في حلب، وذلك للسماح بمرور المساعدات الإنسانية المناطق المحاصرة في شرق المدينة.