العالم الخفي لمافيا تزوير عقود الخطوط

كشفت التجربة أن الحصول على خط محمول مجهول البيانات لا يستغرق سوى لحظات فمن خلال جولة سريعة على محلات المحمول تمكن "مصر اليوم" من الحصول على عشرات الخطوط المسجلة ببيانات وهمية، والتي أصبحت تشكل خطراً على الأمن القومي، حيث يتم استخدامها في ارتكاب الجرائم والأعمال الإرهابية، التي ترتكب ضد المصريين، خاصةً بعد أن أثبتت التحقيقات في سلسلة التفجيرات الأخيرة، أن أغلبها تم عبر الاتصال بأجهزة محمول تحمل شرائح غير مُسجلة وبدون بيانات سليمة.

ويبرز التحقيق التالي، اقتحام العالم الخفي لمافيا تزوير عقود الخطوط، والتي كانت سببًا رئيسيًا في تزايد معدلات الجرائم خلال السنوات الأخيرة. وكانت البداية عند أحد موزعي الخطوط الكبار في محافظة القليوبية، فبعد أن أخبرته أنني صاحبة سنترال صغير، وأريد مجموعة من الخطوط لبيعها، طلب مني الموزع في البداية سداد ثمن الخطوط والتي بلغ عددها 50خطًا حتى يتأكد من صدق حديثي، وبعدها بدأ في شرح كيفية تشغيل الخطوط، عن طريق 4 طرق.

تعتمد الطريقة الأولى على تزوير العقود الخاصة بالخطوط، عبر بطاقات رقم قومي وهمية، ليس بها أي بيانات لا اسم ولا رقم قومي، وصورة مشوهة. لكن كيف تتم عملية التوثيق؟.. البداية بجلب كميات كبيرة من الخطوط، وتصوير بطاقة وإخفاء كل معالمها نهائيًّا، فلا يظهر منها أي شىء سوى أنها محاولة لتصوير بطاقة، لكي تبدو أنها صدفة أو عيبٌ في الطباعة، ثم يتم كتابة العقود بأسماء وهمية غالبًا ما تكون ثنائية، ثم يتم تفعيل الشريحة، عبر استخدام جهاز تفعيل يُباع بـ١٠ جنيهات في شوارع وسط القاهرة، خصوصًا في منطقة "العتبة"، يتم وضع الكارت فيه، فيتم تفعيل الخط، على النظام ويدخل الخدمة، دبون أن تمس الشريحة، لكي تتم إعادة بيعها فيما بعد.

 أما الطريقة الثانية فتتم بنفس المراحل بالضبط، ولكن تعتمد في الأساس على صور بطاقات وهمية، وأسماء وأرقام قومية حقيقية، حيث يقوم الوكيل الموزع، بشراء "سيديهات" تحتوي على ملايين البطاقات ويتم تصوير تلك البطاقات وتزوير العقود، ثم تفعيلها على الشبكة، لتدخل في حصيلة مبيعات الموزع، ثم يتم تسليمها للشركات وتوثيقها مقابل نسبة أيضًا لمندوب الشركة الذي يستلم تلك العقود.

ويتم تطبيق الطريقة الثالثة للتحايل على الضوابط التي وضعها الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، وتعتمد على حق أي مستهلك في تسجيل ١٠ خطوط محمول، وغالبًا ما يقوم بها موظفو شركات الاتصالات أنفسهم لتحقيق المبيعات المستهدفة، حتى يتقاضون راتبًا شهريًّا عاليًا، فالمعلومة الأهم أن أغلب مراكز الخدمة غير تابعة لشركات المحمول، بل هي تابعة لشركات أخرى ويتم التعاقد معها بنظام "أوت سورس"، حتى لا تتحمل الشركة أي مصاريف أو التزامات تجاه العاملين، وفي نفس الوقت تربط بين المرتبات وحجم المبيعات، بمعنى أن تلك المراكز في الظاهر تابعة لشركات المحمول، لكن في الباطن هى مملوكة لشركات أخرى تمامًا.

وتبدأ عملية التزوير، بدخول عميل يطلب الحصول على خط محمول، ويتم استكمال الإجراءات بشكل كامل، واستخدام بطاقته في تزوير ٩ عقود أخرى، ثم بيع تلك الخطوط بدون عقود عبر المحلات الأخرى، وغالبًا ما تتم تلك العملية على مرأى ومسمع من شركات المحمول.

أما الطريقة الرابعة فتتم أيضًا داخل مراكز الاتصالات، وتعتمد في الأساس على خداع "السيستم الخاص بالتسجيل"، بحيث يتم إدخال بيانات وهمية على الشبكة حال كان العميل ليس لديه بطاقة رقم قومي، وكى لا يضيع "الزبون"، يتطوع الموظف بإدخال بيانات خاطئة، ثم يدخل على النظام مرة أخرى، وتعديلها باسم العميل مرة أخرى، لتفادي الضوابط والاشتراطات الجديدة.
وفقًا لتقارير خبراء الاتصالات، فحجم الخطوط مجهولة الهوية تقدر بأكثر من ٣٩ مليون خط على الأقل، من إجمالي ١١٠ ملايين خط في شركات المحمول الثلاث، أي أكثر من ثلث حجم الخطوط المتداولة حاليًا.

ويرى نائب رئيس جمعية مهندسي الاتصالات المهندس طلعت عمر، أن انتشار الخطوط المجهولة وغض شركات المحمول الطرف عنها رغم مخاطرها الجنائية والاجتماعية وصولًا إلى استخدامها في غالبية التفجيرات منذ ثورة يونيو/حزيران وحتى الآن، يؤكد أن هذه الشركات لا يهمها إلا تحقيق المكاسب في المقام الأول بل لم تكتف بالأرباح من الخطوط القانونية٬ ووجدت ضالتها في الشرائح مجهولة البيانات للحصول على المزيد من مصادر غير مُقننة٬ ولا تدفع مقابلها أي تكاليف مستفيدة من منظومة الفساد التي طالت العديد من المؤسسات خلال السنوات العشر الأخيرة، مضيفًا أن التقديرات تشير إلى أنها تتراوح من 20 إلى 30 مليون خط في الوقت الحالي رغم محاولات شركات المحمول تبرئة ساحتها، والإدعاء بعدم وجودها.

وعلى الرغم من أن الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات يدرس إمكانية فرض قواعد جديد لعمليات بيع خطوط التليفون المحمول لضبط السوق، وذلك بعد فصل الخدمة عن أكثر من 10 ملايين خط مجهول الهوية، وتحديث بيانات 60 مليون خط، إلا أن محكمة النقض، أرست مبدأ قانونيًا جديدًا في حكم قضائي، أكدت فيه أن مجرد حيازة الأشخاص لخطوط الهاتف المحمول غير المسجلة بموجب العقود الرسمية الخاصة بالشركات المختلفة، لا يُشكل جريمة تستوجب المسائلة القانونية أمام القضاء.

وأوضحت المحكمة، في تفسيرها للقاعدة القانونية الجديدة، أن مجرد حيازة خطوط هاتف محمول بدون عقود لا يُشكل جريمة، طالما لم تضبط الجهات المختصة المتهم أثناء بيعه وتسويقه لتلك الخطوط غير المسجلة رسميًا. وأرست المحكمة القاعدة القانونية الجديدة، في حكم أصدرته بقبول الطعن رقم 2610 لسنة 83 قضائية، قضت فيه ببراءة مواطن ألقت الأجهزة الأمنية القبض عليه، لاتهامه ببيع خطوط محمول بدون عقود تثبت بيانات ومعلومات المشتري، ومخالفة المادة 64 من القانون رقم 10 لسنة 2003 بشأن تنظيم الاتصالات، التى تُلزِم مقدمي خدمات الاتصالات ووكلائهم المنوط بهم تسويق الخطوط، بالحصول على معلومات وبيانات دقيقة عن مستخدميها من المواطنين والجهات المختلفة في الدولة.

وقالت المحكمة: "لما كان ذلك وكان الثابت من واقع ما تسطر في محضر ضبط الواقعة، أنه لم يتم ضبط المتهم وهو يقوم ببيع أو تسويق خطوط الاتصالات غير المسجلة لأي معلومات وبيانات عن المتعاقد عنها، وتبين أن الواقعة مجرد حيازة خطوط دون محاولة تسويقها بدون عقود لا تشكّل جريمة".