القاهرة – أكرم علي
أكد الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط أن الجماعات الإسلامية كان يحركها شعور عميق بالإذلال على أيدي الغرب خلال الحقبة الاستعمارية، ووجد الإسلاميون تربة خصبة لتجنيد الشباب لأهدافهم المتطرفة وبهدف نشر أيديولوجيتهم الأصولية، كما استغل الإسلاميون كذلك الشعور السائد بالظلم الذي أفرزته مأساة الفلسطينيين.
وأوضح أبو الغيط خلال ندوة له في ميونيخ أمس الإثنين، أن حرب الثلاثين عاماً في أوروبا (والتي انتهت بصُلح وستفاليا) تُعطينا درساً بأن إشعال فتيل الأصولية الدينية يُمكن أن يصير استراتيجية فعّالة من أجل حشد الناس صالح أغراض سياسية، وقد كان الحل الذي طرحته "وستفاليا" لهذه المعضلة عبقرياً بحق، إذ أن القاعدة الذهبية التي تقول بأن "كل أمير له استقلالية في الشؤون الدينية داخل إمارته" تعني الفصل بين الدين والسياسية في الشؤون الدولية، كما تهيء السبيل للتعايش بين أديان وطوائف مختلفة داخل الدولة الواحدة.
وأشار الأمين العام إلى أن هذا المبدأ ظل يتراجع في الشرق الأوسط منذ هزيمة 1967، فضلاً عن أنه تآكل بصورة أكبر في أعقاب "الثورة الإسلامية" في إيران في 1979، إن المساعي الإيرانية لتصدير الثورة تعاظمت بصورة لافتة خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة، وساعدها في ذلك التخبط الهائل الذي طبع سياسة القوى الكبرى، وبالتحديد غزو العراق في عام 2003.
وشدّد أبو الغيط على أن السياسات الإيرانية لم تخلق الفجوة بين السنة والشيعة، فالخلافات العقائدية طالما كانت قائمة داخل الدين الإسلامي، غير أن السياسات الإيرانية استغلت هذه الخلافات وفاقمتها بهدف الدفع بمصالحها الخاصة ومن أجل تعزيز طموحاتها في الهيمنة، ومرة أخرى فإن حرب الثلاثين عاماً تُظهر لنا كيف أن الحروب داخل الدين الواحد ربما تكون الأكثر دموية وبشاعة، ذلك أنها غالباً ما تمتزج بأجندات سياسية. إن المسائل العقدية والإيمانية لا تُمثِل بأي حالٍ جوهر الخلاف، بل السياسة والسعي للنفوذ هما ما يُشكلان السياق الذي تتحول فيه مسائل العقيدة إلى قنابل موقوتة.
وقال الأمين العام "إذا كانت إيران تظن أنها ممثلة للشيعة في كل مكان، فإن ذلك يعني أننا نعيش في عالم سابق على "وستفاليا" حيث تتشكل الولاءات وفقاً للانتماءات الطائفية والدينية، بدلاً من تلك الوطنية والعلمانية".
وتابع "كما نشهد اليوم في سورية والعراق واليمن، فإن العالم الذي تحكمه هذه المبادئ هو عالم قبيح يقتل فيه الناس بعضهم البعض على الهوية والإيمان الديني. وعندما يواجَه الناس بمثل هذه التهديدات، فإنهم غالباً ما يرتدون إلى هوياتهم الأولية، كما يسقطون فريسة سهلة لأكثر الخطابات تطرفاً وشراً، وهذا بالتحديد هو ما أفرز لنا "داعش" وغيرها من المنظمات الإرهابية".
وختم حديثه قائلا "لا أعتقد أننا بحاجة لإعادة اختراع العجلة، فالمنطقة ليست بحاجةٍ إلى مبادئ جديدة أو حدود جديدة. والمشكلات الحالية – باستثناء القضية الفلسطينية التي تتوافر لها عناصر مختلفة ولم يعد من المقبول دولياً استمرارها دون حلٍ عادل- ليس لها صلة كبيرة بالأرض والحدود. إن المنطقة في حاجة إلى إعادة ترسيخ واحدٍ من أقدم المبادئ في النظام الدولي المعاصر؛ ألا وهو السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.