طرابلس - مصر اليوم
رغم تعدد الجولات واللقاءات، لا يبدي المراقبون للشأن الليبي تفاؤلا إزاء التحركات السياسية الحالية لحل أزمة البلاد الغارقة في الفوضى منذ 2011، لأسباب منها دور الأمم المتحدة التي تدير الملف منذ سنوات، وتدخلات القوى الدولية، ولا سيما تركيا، التي ترسل مرتزقتها إلى هناك.
وكانت الأمم المتحدة أعلنت تأجيل الجولة الثانية من الملتقى الليبي في تونس، وحرصت المنظمة الدولية على الحديث أن التأجيل جاء لـ"إتاحة الفرص أمام المشاركين لدراسة الخيارات".
والجلسة الثانية من الحوار الليبي مخصصة لوضع معايير اختيار المسؤولين في الجهات التنفيذية الموحدة، التي تسبق إجراء الانتخابات المقررة في ديسمبر 2021.
وكان المشاركون في الحوار قد توصلوا في الجلسة الأولى إلى خريطة طريق للفترة التحضيرية قبل الانتخابات، غير أن الصورة ليست وردية، فالخلافات والعقبات لا تزال كبيرة أمام الوصول إلى حل يخرج ليبيا من أزمة الانقسام السياسي التي تعيشها منذ سنوات.
ويقول الباحث والكاتب السياسي الليبي حسين الشارف إن الأمم المتحدة "لم تدر ملف ليبيا منذ عام 2011 إلى يومنا بعزم على إيجاد حل للأزمة"، وأضاف الشارف الذي لا يبدي تفاؤلا إزاء هذه المساعي، أن "الأمم المتحدة فرضت على الليبيين 75 شخصية لا يعرف الليبيون منهم سوى أقل 5 بالمئة، وغالبية المشاركين في حوار تونس يحملون جنسيات أخرى غير الليبية".
وتابع أن المنظمة الدولية "تصر على حل سياسي في ليبيا لا يشارك به كل الليبيين"، قائلا إن "الليبيين تحملوا 9 سنوات وقد يتحملون عاما آخر بغية الخروج من الأزمة، لكن الأمل قليل"، كما وجه الشارف لوما إلى أعضاء مجلس النواب "الذين فضلوا الاجتماع في المغرب، رغم وجود بدائل كثيرة داخل ليبيا، وحرص العديد منهم على مصالحه الشخصية أكثر من مصلحة ليبيا".
أما الكاتب الليبي عبد الله الكبير فيشاطر الشارف عدم تفاؤله، ويقول إنه لا يتوقع أن تفضي هذه الحوارات إلى النجاح، فـ"التجارب السابقة في البلاد لا تدفعنا غلى التفاؤل رغم وجود ضغط دولي من أجل الخروج بحل لأزمة ليبيا"، وقال إن "أعضاء مجلس النواب في ليبيا بدأوا يشعرون بأن البعثة الدولية والشخصيات الـ75 التي اختارتها، تسحب صلاحيات المجلس في تشكيل المجلس الرئاسي والحكومة الجديدة".
وأضاف الكبير أن الخلاف الحالي هو على الشخصيات التي ستتولى المناصب التنفيذية، على الرغم من آليات تقترح رئيسا للحكومة من إقليم، ورئيسا للمجلس الرئاسي من إقليم آخر، واعتبر أن الأمر لا يعدو كونه "محاصصة".
وقال الكبير إن الاجتماعات العسكرية (5+ 5) نجحت في تثبيت وقف إطلاق النار، لكن الأمر لم يزد عن ذلك، فـ"التفاهمات الميدانية لم تترجم على الأرض، مثل فتح الطريق الساحلي بين مصراتة وسرت"، وأضاف أن اتفاق وقف إطلاق النار نص على إخراج المرتزقة خلال 3 أشهر "لكن الدول التي أرسلت المرتزقة، لا سيما تركيا، لم تنفذ ذلك"، وفي ظل بقاء الأجواء السياسية متوترة، فقد يبقى وقف إطلاق النار هشا في ليبيا، كما يقول الكبير.
وفي السياق ذاته، يرى الشارف أن "ما يهدد تطبيق اتفاقات الليبيين وجود ميليشيات لا تؤمن بالدولة بالوطنية ولا بمؤسسات الدولة مثل ميليشيات الإخوان والجماعة المقاتلة، ومفتيها الصادق الغرياني وزعيمها عبد الحكيم بلحاج. هذه الميليشيات تسيطر على مناطق غرب ليبيا"، وقال إن هذه الميليشيات "هي التي احتضنت مرتزقة أردوغان وإرهابيي داعش".
وعلى الجانب الآخر، لم يعد في وسع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن يوسّع رقعة انتشار قواته ومرتزقته في ليبيا شرقا، بعدما رسمت مصر خطا أحمر بكل حزم، هو خط سرت الجفرة، حيث كان الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، قد أعلن في يوليو الماضي، خلال لقائه أعيان القبائل الليبية، من أن بلاده لن تسمح بتجاوز خط "سرت- الجفرة"، وهو ما أدى من بين خطوات أخرى، إلى وقف زحف ميليشيات حكومة فايز السراج المدعومة من تركيا نحو شرقي ليبيا.
وبعد هذه الخطوة المصرية التي حدت من أطماع أردوغان، بدأ الأخير يفكر في مدّ نفوذه في الإقليم الجنوبي الغربي المعروف بـ"فزان"، بحسب ما أورد موقع "أفريكا إنتلجنس" المتخصص في الشؤون الاستخبارية والاستراتيجية، وقال الموقع إن هيئة الإغاثة الإنسانية التركية (IHH) دعت في 4 نوفمبر الجاري وفدا من زعماء قبائل إقليم فزان للحضور إلى أنقرة.
وهذه المنظمة ليس سوى ذراعاً من أذرع أردوغان الخارجية التي يتحرك بها خارج بلاده لتنفيذ أجندته، وتحدثت تقارير إعلامية عديدة مرارا عن صلاتها بالتنظيمات الإرهابية، وتعالت الأصوات المطالبة في الغرب بإدراجها على قائمة المنظمات الإرهابية، ووجهت روسيا إليها اتهامات بتسليم أسلحة للمنظمات الإرهابية في سوريا.
وكان من بين المدعوين إلى العاصمة التركية، شخصيات بارزة، مثل رئيس المجلس الأعلى لطوارق ليبيا، مولاي قديدي، ورئيس المجلس الموحد لقبائل (تبو)، محمد وردوغو، ووكيل وزارة أسر الشهداء والمفقودين السابق، محمد سيدي إبراهيم، وهو الرجل الثاني في مجلس (تبو).
وقال الموقع الاستخباري إن أردوغان يحاول السير على خطى إيطاليا التي توسطت عام 2016 من أجل الوصول إلى "اتفاق إنساني"، بين المكونات السياسية والاثنية في المنطقة.
وأشرف على الاتفاق الذي عرف باسم "اتفاق روما" جمعية "سانت إيغيديو" الخيرية الإيطالية، وسعى إلى وقف الصراع بين القبائل في المنطقة، خاصة أنها خارج سيطرة حكومة فايز السراج، لكن الاتفاق لم يفلح في إنهاء الصراع هناك، فالاشتباكات بين مسلحي القبائل لم تتوقف.
ويعمل أردوغان حاليا على إعادة إنتاج الخطوة الإيطالية حرفيا، فأوكل مهمة التوسط إلى جمعية خيرية، في محاولة لإضفاء صبغة شرعية على تحركه هناك.
وأصبحت أجزاء واسعة من إقليم فزان تحت سيطرة الجيش الوطني الليبي في فبراير 2019، بعدما أطلق هناك عملية عسكرية واسعة النطاق، وإلى جانب العمل الميداني، التقى قائد الجيش، المشير خليفة حفتر، قادة القبائل في المنطقة مرارا، وعرض تقديم المساعدات المالية والمادية لهم.
لكن أجزاء واسعة أخرى من الإقليم ظلت تحت سيطرة حكومة فايز السراج والميليشيات الموالية لها. ويؤدي إقليم فزان دورا رئيسيا في التوازن العسكري والاقتصادي في البلاد، وهذا ما يفسر سعي السراج إلى استعادة السيطرة على المنطقة، بمساعدة تركيا.
ويعتقد أردوغان والسراج أن استمالة زعماء العشائر، أو السيطرة عليهم إن تطلب الأمر، ضروري للغاية.
ويتمتع الإقليم بأهمية استراتيجية؛ فرغم أنه منطقة صحراوية قاحلة، فإنه يحتوي على موارد ضخمة، فأكبر حقول النفط موجودة هناك، وتحت الرمال كميات ضخمة من المياه الجوفية.
وهذه الموارد تجعل زعماء العشائر لاعبين رئيسيين لا يمكن تجاهلهم في أي مفاوضات مستقبلية بسبب نفوذهم الواسع في المنطقة، فأقل شيء يمكن أن يفعلوه هو: وقف صنبور المياه في أي لحظة.
ويقول موقع "أفريكا إنتلجنس" إن المنظمة الخيرية التركية تنفذ الأجندة الخارجية لأردوغان، وتعمل في ليبيا منذ 2011، حيث شرعت في البداية بتوزيع الغذاء في منطقتين طرابلس وصبراتة.
قد يهمك أيضا :
هجوم أوروبي على أردوغان بعد زيارته لـ مدينة الأشباح
أردوغان يفرض قيودا جديدة لمكافحة كورونا ضمنها حظر تجوال جزئي