القاهره - مينا جرجس
شهدت السوق المصرية أزمة طاحنة تمثلت في نقص حقن البنسلين خلال الأيام القليلة الماضية، ما استدعى وزارة الصحة لاتخاذ إجراءات صعبة لحل الأزمة، ومنها قصر صرف الحقن للشخص مرة واحدة شهريا وببطاقة الرقم القومي، ونبّهت على جميع المستشفيات بتطبيق ذلك القرار . المتحدث الرسمي لوزارة الصحة المصرية خالد مجاهد، أكد أن الوزارة تتخذ إجراءات استثنائية لتوفير أي دواء ناقص، مدللا على ذلك بحقن البنسلين التي من المقرر ضخ 200 ألف عبوة منها غدا في الأسواق بجميع محافظات الجمهورية، متعهدا بتوفير البنسلين في جميع الصيدليات 20 ديسمبر/ كانون الأول الحالي. وأشار مجاهد إلى توريد شركة المهن الطبية 200 ألف حقنة من البنسلين أمس، بواقع 50 ألفا للشركة المصرية، و5 آلاف لصيدليات الشكاوى، و60 ألفا للشركة المتحدة، و40 ألفا لشركة ابن سينا، و30 ألفا لشركة الشرق الأوسط، و14 ألفا لمديريات الشؤون الصحية في المحافظات . وأوضح مجاهد أنه سيتم توريد 200 ألف فيال آخرين من الشركة الموردة للبنسلين، بواقع 50 ألفا للشركة المصرية، و5 آلاف لصيدليات الشكاوى، و90 ألفا للشركة المتحدة، و40 ألفا لفارما أوفر سيز، و14 ألفا لمديريات الشؤون الصحية في المحافظات، لافتا إلى أن الوزارة ممثلة في إدارة التفتيش الصيدلي تتابع أرصدة الصيدليات من البنسلين بشكل يومي، للتأكد من وجود أرصدة كافية للمرضى . وتابع: "دواء الشلل الرعاش يتم استيراده من الخارج، ويواجه مشكلة عالمية ليست في مصر فقط، بسبب تغيير الأكواد، ونحن نبحث عن بدائل، ووفرنا خلال الفترة الماضية 700 ألف عبوة من الدواء تم توزيعها فى صيدلية الإسعاف، والمشكلة ستنتهي في أول مارس/ آذار المقبل، حيث سيتم توريد 29 ألف عبوة في 28 ديسمبر/ كانون الأول الحالي". واستكمل مجاهد: "الوزارة لم تتقاعس عن توفير الدواء للمريض، والرقابة على الشركات، وإدارة التفتيش الصيدلي ترصد أي نقص في المستحضرات الدوائية في السوق المحلية، وعند حدوث نقص يتم العمل على محورين، الأول إزالة أسباب النقص لتوافره، والثاني ضبط التوزيع ومتابعته، بالإضافة إلى تشديد الرقابة من المنبع، وتحويل المخالفين للمساءلة القانونية ". على الجانب الآخر، كشف سكرتير شعبة الصيدليات في الغرف التجارية حاتم البدوي، عن وصول عدد نواقص الأدوية إلى 1100 صنف حاليا، من بينهم 300 صنف دون بدائل أو مثائل، ومن بين هذه الأدوية حقن منع الحمل، وقطرات العين، وأدوية الشلل الرعاش . وأضاف بدوى، أن وزارة الصحة وفرت كميات من البنسلين إلا أن المريض، خاصة في المحافظات، لم يشعر بانفراجة في الأزمة حتى الآن، منتقدا آلية التوزيع في بعض الصيدليات الخاصة . وأوضح أن الشركات تلزم الصيدليات بشراء أدوية بعينها وبقيمة محددة للحصول على 5 حقن بنسلين، إلا أن هناك فشلا تاما في إدارة ملف الدواء في مصر، حسب تعبيره . وحذر البدوي من عدم توافر بدائل دواء "سينمت" لعلاج الشلل الرعاش حتى الآن، لافتا إلى وجود صنف واحد فقط يصل سعره إلى 250 جنيها، في حين أن سعر الدواء 24 جنيها فقط، وخلال الأسابيع الماضية اختفى هذا الصنف من السوق أيضا . أكد الدكتور حسام حريرة، الأمين العام لنقابة الصيادلة، أن أزمة البنلسين في طريقها للحل بعدما شهدت نقصاً حادًا خلال الأيام القليلة الماضية، مرجعًا السبب وراء الأزمة في نقص الاستيراد بسبب مشاكل تقنية كان من المفترض ألا تحدث مطلقاً . وقال حريرة ي تصريحات خاصة لـ"مصر اليوم"، إن وزارة الصحة تتحمل جزءًا من المسؤولية عن الأزمة بسبب الإدارة السيئة لملف الدواء داخلها، بما تسبب في صعوبة توفير حقن البنسيلين، موضحًا أنه كان هناك إنتاج مُعد للتصدير في الخارج وبالتحديد في اليمن، وتم إيقاف تصديره لحين إنهاء الأزمة الموجودة بالداخل أولا ً. وأضاف الأمين العام لنقابة الصيادلة: "توصلنا لحلول لإنهاء الأزمة بحيث نوفر في السوق حوالي 100 ألف حقنة حتى نصل إلى 2 مليون 400 ألف علبة، في حين أن الاحتياج السنوي حوالي 4 مليون، بما يعني أننا في خلال شهرين سنكون قد وفرنا إنتاج نصف سنة كاملة ". وتابع: "خلال هذه الأزمات نعمل نحن بدورنا كمجتمع مدني، والوزارة لها دورها، ودور النقابة يتمثل في التعامل مع كل شركات الدواء"، مضيفاً: "ويجب أن أزمة مثل هذه لا تحدث ومنذ عدة شهور كان هناك أزمة في المحاليل، ويجب أن يكون هناك احتياطي استراتيجي من الأدوية ." وواصل حريرة: "لا يوجد إدارة أدوية محترفة تناسب العصر الذي نعيش فيه، وهناك بعض الأدوية التي تعانى من بوادر أزمة منها سينيمت لعلاج شلل الرعاش -التشنجات- وستربتوكاينيز لعلاج الجلطات، والذي بدأ يعاني من بوادر نقص . ورصدت "مصر اليوم" في جولة لها، استمرار توافد المواطنين والمرضى، على صيدلية الإسعاف، بوسط القاهرة، التابعة للشركة القابضة للأدوية، لصرف جرعات من عقار البنسلين، فيما تعذر الحصول عليه من الصيدليات الخاصة- حسب قولهم- في القاهرة الكبرى والمحافظات، ما أدى إلى انتقال مواطنين من محافظات الصعيد للحصول على عبوات العقار المميزة بواقع عبوة واحدة لكل روشتة، حسب الجرعة الموصوفة من قبل الطبيب . تُفصح ملامح المواطنين من شاغلى صفوف "نافذة البنسلين" بالصيدلية عن تباين مواطنهم، ما بين جلباب صعيدي تقليدي وحلة رسمية أو ملابس بسيطة، ويتجدد "الطابور" بوجوه هؤلاء كل ١٠ دقائق على الأكثر إذ يبدو الإقبال على الصيدلية متوسط الشدة . أثناء انتظاره في الطابور يحمل حسن صالح "روشتة" بعقار البنسلين وصفها طبيب بمركز بنى مزار في محافظة المنيا لابنته الصغيرة "فاطمة"، حيث تعاني من مرض الروماتيزم ويتطلب علاجها الحصول على جرعة بنسلين كل ٢٥ يومًا، ما يُحتم عليه الحضور إلى القاهرة والانتظار في صف صيدلية الإسعاف فيقول: "أنا باحضر كل ٢٥ يوم بالقطار علشان أجيب أمبول واحد، في المنيا البنسلين مش موجود في المركز ولا المحافظة". للقدوم إلى القاهرة يتحتم على «صالح» استخدام القطار فى رحلة يقارب زمنها ٣ ساعات كاملة، إلا أنها تعفيه من دفع أجرة القدوم عبر سيارة وقدرها ٥٠ جنيهًا للرحلة، وفي بعض الأحيان، يقطع المسافة من المنيا إلى القاهرة إلا أنه يعجز عن الحصول على جرعة ابنته الدوائية قائلا: «أحيانًا نيجي هنا وبرضو مابيدوناش، وبلف على كل صيدليات المنطقة ومش بلاقيه نعمة مصطفى، أم ثلاثينية، لم تعتد تمامًا على تتبع مواقع تواجد عقار البنسلين، فقد وصفه الطبيب لصغيرتها منذ بضعة أيام مع ضرورة تكرار الجرعة كل ١٥ يومًا، غير أنها لم تتمكن من العثور على البنسلين في منطقة الهرم، نطاق إقامتها، ما اضطرها لقطع المسافة من الجيزة إلى وسط المدينة للعثور على العقار تقول نعمة: "أنا جاية والبنت والروشتة معايا، المشوار كلفني بالمواصلات ٢٠ جنيها، وسعر الحقنة أصلاً ١٠ جنيه ". تستنكر "نعمة" نقص العقار، وعدم توافره في الصيدليات الخاصة والنطاقات الجغرافية المختلفة فتقول: "لازم يكون هناك إتاحة، مستحيل حد يقف في صف وياخد الدواء وهو مش محتاجه أو مش مصاب بمرض، أنا أنفق فى الشهر مواصلات بـ٨٠ جنيه علشان دواء ثمنه ٢٠ جنيه".