القاهرة - أحمد عبدالله
كشف المستشار نبيل صادق، النائب العام المصري، عن بيانًا استغرق شهورًا، بتوصيات وتحقيقات بشأن حادث قطار محطة مصر، الذي وقع في شهر فبراير/شباط الماضي المُحرّر عنه القضية رقم 5264 لسنة 2019 جنايات الأزبكية.
وأوضح النائب العام في بيانه أن النيابة العامة انتهت من التحقيقات في واقعة دخول القاطرة رقم ۲۳۰۲ إلى رصيف رقم 6 بسرعة عالية دون قائدها، ما تسبب في اصطدامها بالمصدّ الخرساني بنهاية الرصيف، محدثًا أثارًا تصادمية نتج عنها تسيل وتناثر السولار من خزان الوقود أسفل الجرار والذي يسع لـ(ستة آلاف) لتر من السولار واختلاطه بالهواء مكونًا مخلوطًا قابلا للاشتعال، ما أدى إلى اندلاع النيران نتيجة وجود الشرر المعدني الناتج عن احتكاك الأجزاء المعدنية ببعضها عند الاصطدام بالمصد الخرساني بالسرعة القصوى التي كان يسير بها الجرار.
وأضاف البيان أنه تبيّن من التحقيقات التي أجرتها النيابة العامة في هذه الواقعة والوقائع الأخرى لحوادث القطارات، في الفترات السابقة أن سلوك العاملين في الهيئة ممن اتصل بهذه الوقائع قد انطوى على مخالفة للتعليمات وهي المخالفات التي اعتبرها المشرع جرائم جنائية يعاقب عليها القانون وجاءت مدعومة بالأدلة التي استقتها النيابة العامة من عدة مصادر شملت معاينة موقع الحادث وسؤال الشهود والتقارير الفنية للمتخصصين الذين ندبتهم وآراء الخبراء وجهات البحث وانتهاء باعتراف بعض المتهمين خلال استجوابهم بما ارتكبوه من أفعال أدت إلى وقوع الحادث.
وظهر من التحقيقات بما لا يدع مجالا للشك أن أسباب هذا الحادث والحوادث الأخرى ترتكز في الأساس إلى سلوك بعض العاملين بهيئة سكك حديد مصر، والذي اتسم بالإهمال الشديد وعدم الالتزام بالتعليمات وعدم الاكتراث بخطورة التعامل مع القطارات التي يقودوها، بالمخالفة لتعليمات التشغيل المقررة لهذه المعدات الثقيلة وما اتصل باستخدامها من أجهزة أخرى، فضلًا عن عدم قيام العاملين بالخدمات المساعدة لتشغيل القطارات بأداء مهامهم بما يتفق ومنظومة التشغيل الأمن للقطارات وهي المنظومة التي يقومون بالتحايل عليها بغية اختصار ساعات العمل المقررة فضلا عن رغبتهم في تغطية عدم حضور بعضهم مكان عملهم في الوقت المحدد وأمثله تلك المسالب والمخالفات كثيرة وفق ما أظهرته التحقيقات.
وتابع بيان النائب العام: ونعرض هنا لبعضها ثم نتبعها بما انتهت إليه النيابة العامة من توصيات:
1 - قيام السائقين عمدًا بتعطيل جهاز - ATC - وهو الجهاز الذي يتحكم في تشغيل فرامل القطار لتحديد السرعة المناسبة للقطار التزاما بإشارات السكة.
2 - تبين من تحقيقات سابقة للنيابة العامة أن بعض العاملين غير المؤهلين يقومون بالعبث في لوحة إلكترونية تسمى «لوحة الرينيهات»، والتي تتحكم إلكترونيًأ في حركة تحويل مسار القطارات وذلك بالمخالفة للتعليمات التي تمنع غير المؤهلين والمتخصصين من التعامل مع تلك اللوحة وهو ما أدى في بعض الحالات إلى وقوع حوادث القطارات.
3 - العبث بذراع العاكس يجعله حر الحركة بنزع ما يسمى (الجزرة) من موضعها وهو ما يترتب عليه إمكانية تحرك القطار بدون قائده متى كانت ذراع العاكس في وضع تشغيل وهو ما حدث في القاطرة محل التحقيق المشار إليه والتي ترتب عليه وقوع الحادث.
4 - هناك وسيلة أمان أخرى بالقاهرة تسمي (بدال رجل السائق الميت) وتتطلب ضغط السائق عليها أثناء قيادته للقطار وليصدر صوتًا للإنذار عند عدم ضغط قائد القاطرة عليها أثناء القيادة ليتم بعد ذلك إيقاف القطار والغرض منها تلافي الحوادث في حالة فقدان قائد القطار وعيه أو وفاته أثناء قيادته للقطار، وفي كثير من الحالات ومنها حادث القاطرة بمحطة مصر قام السائق بتعطيل تشغيل تلك الوسيلة لما تصدره من أصوات ينزعج منها ولو كانت هذه الوسيلة مفعلة ما أمكن للقاطرة الاستمرار في السير دون قائدها والوصول بسرعتها إلى الرصيف رقم 6 حيث وقع الحادث.
5 - عدم التزام عمال المناورة والمساعدين للسائق بالتواجد في أماكنهم المحددة بالقطار مما يرتفع معه معدل خطورة وقوع الحوادث.
6 - قيام قائدي القطارات بالتحرك بالقطار رغم وجود عيوب ميكانيكية في بعض أجهزته تمنع وفقًا للتعليمات التحرك بالقطار.
7 - عدم أداء صيانة القطارات وفقًا للأصول الفنية كما أفاد بعض العاملين وأنه أحيانًا لا يتم صيانتها رغم صدور تقرير فني بتمام الصيانة فضلًا عن استخدام قطع غيار ليست بكفاءة القطع الأصلية.
8 - تغيب العاملين وعدم تواجدهم في الأماكن المعنيين بها واعتمادهم على زملائهم والمشرفين عليهم بالتوقيع عنهم وتغطية غيابهم عن العمل.
9 - إن سلوك العاملين سالفي البيان والذي يظهر منه تفشي الإهمال في أداء العمل يستند في الأصل إلى تهاون المسئولين في معاقبة المقصرين والمخالفين وغض البصر عنهم وعن مخالفاتهم لمنظومة أمن تشغيل القطارات.
10 - إهمال العاملين ببرج إشارات المراقبة بالمحطة في متابعة استخدام (إبرة السقوط التي تعد من أهم وسائل الأمان إذ تمنع دخول القطار إلى المحطة دون الحصول على تصريح وذلك عن طريق إسقاط القطار من على القضبان إلى الأرض مباشرة بما يؤدي إلى توقفه أو حتى انقلابه ومنع دخوله إلى الأرصفة وهو ما لم يكن مفعلا أثناء الحادث محل التحقيق لإهمال القائم على ذلك ببرج المراقبة.
وأضاف النائب العام في بيانه، أن النيابة العامة بهذا العرض تلقي الضوء على بعض المسالب في منظومة العمل في هيئة السكك الحديدية في الفترة السابقة، التي من نتائجها وقوع مثل تلك الحوادث من الحين إلى الحين حرصًا منها علي الأرواح والممتلكات العامة بغية الارتقاء بمستوى الأداء بالهيئة والأخذ به إلى مستويات من الكفاءة والدقة تحول بينه وبين وقوع مثل تلك الحوادث مستقبلًا، وفي هذا الإطار فإن النيابة العامة قد أعدت بعض التوصيات حاصلها الآتي:
التوصية الأولى: ظهر من خلال تحقيقات النيابة العامة أن الأخطاء البشرية المتسمة بالإهمال الشديد تقبع خلف الغالبية العظمي من أسباب الحوادث، وعلي ذلك فإن الأمر يستوجب الارتقاء بمستوى فكر ووعي العاملين بالهيئة ولا يتأتى ذلك إلا من خلال منظومة للتدريب يكون من شأنها رفع كفاءة العاملين بالهيئة وإعادة تأهيلهم باعتبار أن التدريب هو الركيزة الأولي والأكثر أهمية لتحقيق هذه النتائج وقد تلاحظ للنيابة العامة في هذا لخصوص من خلال التحقيقات التي أجرها في هذا الحادث والحوادث الأخرى، أن تدريب العاملين بيئة سكك حديد مصر يتولاه العاملون في الهيئة أي أنهم يقومون بتدريب أنفسهم، وهو أمر يترتب عليه رسوخ فكرة الإهمال واللامبالاة التي تعد سنة لسلوك معظم من شملتهم التحقيقات من العاملين بالهيئة، وهو ما يترتب عليه أيضا أن فكر التدريب بدور في إطار من الجمود الخالي من التطوير والافتقار إلى التعرض لأفكار الآخرين خارج المنظومة مما يجعلها بمنائ عن مواكبة الأساليب الحديثة ويأتي ذلك في الوقت الذي طورت كثير من الدول منظومة التشغيل ومنظومة الأمان للسكك الحديدية لديها رغم أن مصر يتعين أن تكون رائده في هذا المجال باعتبارها ثاني دولة أدخلت منظومة السكك الحديدية لخدمة مواطنيها بعد انجلترا في المملكة المتحدة عام 1851 وعلي ذلك فلابد أن يكون التدريب من أشخاص ذوي خبرة عالية من خارج الهيئة (أساتذة الجامعة ، الخبراء في الشركات العالمية على سبيل المثال).
التوصية الثانية: قطارات السكك الحديدية هذه المعدة الضخمة ذات القدرة الهائلة والتي يرتادها ملايين الركاب تستلزم وجود معهد تأهيل وإعداد من يقومون بقيادتها للحصول علي مؤهل في هذا المجال بحيث لا يسمح بقيادة تلك القطارات إلا لمن حصل على هذا المؤهل واجتاز اختبار القدرة والكفاءة على القيادة وهو ما سوف يؤدي بالطبع إلى الارتقاء بالمستوى الفكري والثقافي والفني للعاملين بالهيئة حفاظًا على أرواح الملايين من الأبرياء الذين يرتادون هذه المنظومة، فضلا عن ضرورة أن يكون هناك ترخيص لكل قائد قطار يجدد سنويًا بعد تقييم أدائه بمعرفة لجنة عليا متخصصة، وفي الوقت الحالي يتعين تفعيل دور معهد السكة الحديد بمنطقة وردان بالجيزة ورفع وتطوير إمكانياته اللوجيستية.
التوصية الثالثة: تطوير منظومة تأمين حركة القطارات وآليات التحكم وتشغيلها اليكترونيًا بما يتفق والمعايير القياسية العالمية والإقلال قدر الإمكان من تدخل العنصر البشري فيها، وهو الأمر الذي يستلزم بالطبع إحلال وتجديد عناصر البنية التحتية لهيئة سكك حديد مصر ودعمها بالحراسة اللازمة وكاميرات المراقبة لمنع العبث بالأجهزة المركبة في الأماكن غير المأهولة أو سرقتها فضلا عن تزويد القطارات بكاميرات المراقبة لحسن انضباط العمل بها.
التوعية الرابعة: وضع منظومة الجزاءات تغلظ العقوبات على الإهمال وعدم إتباع التعليمات.
قد يهمك أيضًا:
النائب العام المصري يأمر بحبس 5 متهمين جُدد في حادث "محطة مصر"