الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط

أكد الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، أن الجيش اللبناني مؤسسة محترفة، أكسبتها الأزمات قدرة على الصمود وعلمتها التجارب دروساً في كيفية الحفاظ على المُجتمع وتجنيبه ويلات الصراع الأهلي والاحتراب الداخلي، مشيرًا الى أنه جيشٌ يعرف متى يشتبك، ومتى ينأى بنفسه..  جيشٌ يستحق دعمنا ومُساندتنا،  وهو يُعتبر صمام استقرار في بلدٍ طالما فرضت عليه جيرته الصعبة أن يواجه أقداراً كُبرى، وأن يُجابه أوضاعاً لم يتسبب في صناعتها.

وقال أبو الغيط خلال كلمته المؤتمر الإقليمي السابع الذي ينظمه مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية في الجيش اللبناني اليوم الثلاثاء، "نحن أمام مشاهد تتحرك بسرعة غير مسبوقة ومتداخلة بتعقيدٍ ليس له نظير، وهذه السرعة وذلك التداخل يجعلان مهمة رجال الاستراتيجية أصعب، فرجل الاستراتيجية لا يكتفي بمُتابعة ما يجري.. وإلا صار مُراسلاً صحافياً أو مُحللاً أكاديمياً، على أهمية ما يقوم به هؤلاء، رجل الاستراتيجية يحتاج إلى تصور عام واضح، أو نموذج ذهني متكامل يُمكنه من فهم التطورات، ومن ثمّ التنبؤ – بصورة معقولة- بمآلاتها المُستقبلية.. هو أيضاً لا يكتفي بهذا.. وإنما هو يسعى كذلك إلى رسم خطة عمل تنطوي على حزمة مختلفة من البدائل في مواجهة عدد من السيناريوهات المُحتملة..

وتابع الأمين العام "في الحقيقة إننا أمام جملة من التحولات والتغيرات والعمليات التاريخية الممتدة التي تتفاعل في نفس اللحظة بطول المنطقة وعرضها، ليس هناك منظور واحد، أو رؤية كُبرى يمكننا من خلالها أن نفهم تطورات المنطقة كما كان الحال في عهود سابقة، عندما كان يسهل تفسير التطورات وفقاً لهذا المنظور أو ذاك الوضع اليوم أقرب إلى لعبة تركيب الصور التي تتطلب صبراً وأناة في تجميع أجزائها قطعةً بعد قطعة حتى تكتمل أبعاد الصورة الكبيرة."

وأشار أبو الغيط إلى وجود بيئة دولية وإقليمية لا تساعد على التئام الأوضاع في المنطقة العربية، بل تدفع لتفاقمها وتخلق ظروفاً تُفضي إلى المزيد من تشرذمها وتفككها، فهناك أولاً حالة من انعدام اليقين في قمة النظام الغربي ثمة صعودٌ في الاتجاهات الشعبوية لا تخطئه عين، ويتعين علينا أن نُراقب بدقة تبعاته على منطقتنا، وعلى العلاقات العربية- الغربية بصفة عامة، وهناك ثانيا عودة لما يُشبه التنافس على المنطقة بين أقطاب النظام الدولي.. وليس من الواضح بعد إلى أين  سيقود هذا التنافس، ولكن المؤكد أننا نلمسُ بوادر غير طيبة لاقتسام النفوذ كما عكسها –مثلاً- الاتفاق الذي وُقع مؤخراً في الاستانة بشأن مناطق خفض التصعيد في سورية.. ويُضاف إلى ذلك حالة التنمر والتربص من جانب قوى إقليمية ترى في حالة السيولة فُرصة يتعين اقتناصها، وغنيمة ينبغي الفوز بها.. ولا ننسى أن استمرار القضية الفلسطينية من دون حل يفرض على الدول المُحيطة بإسرائيل، ومنها لبنان، أعباء أمنية مُضاعفة.

ودعا الأمين العام إلى التركيز الشديد إلى الحروب غير النظامية، ومواجهة الميلشيات المُسلحة، والجماعات الإرهابية، وقال: لقد "رأينا كيف عدل الإرهابُ خلال السنوات الماضية من استراتيجيته، بالتوجه إلى احتلال الأراضي والسيطرة على مُدن بأكملها كما في حالة داعش، بدلاً من الاكتفاء بتوجيه الضربات أو الهجمات كما كان الحال في السابق.. وتقتضي مواجهة هذه الاستراتيجيات الإرهابية الجديدة تغييرات في التدريب والتسليح وإدارة العمليات.. وخاصة فيما يتعلق بالحروب داخل المناطق السكنية المُكتظة، والتعامل مع أوضاع يتعين فيها مراعاة تقليل الخسائر بين المدنيين... يتطلب الأمر أيضاً تركيزاً أكبر على العمليات الخاصة، ورفع كفاءة أجهزة جمع وتحليل المعلومات، ذلك أن الاستخبارات تُمثل حجر الزاوية في جهود الحرب على الإرهاب.. ولعل الهجوم الألكتروني الأخير الذي ضرب 150 دولة حول العالم فيما وصفه البعض بـ "11 سبتمبر الأمن المعلوماتي"، أقول لعله يدق ناقوس الخطر للدول العربية وأجهزتها الأمنية والعسكرية.. من أجل إيلاء الأمن السيبراني اهتماماً متقدماً في كافة العمليات والنظم والخطط الأمنية التي تقوم بتنفيذها.

وختم أبو الغيط كلمته بالقول: "إن الجيوش العربية مُطالبة بالتكيف مع بيئة استراتيجية صعبة وضاغطة، ولا ينبغي أن ننسى أن في يد هذه الجيوش سلاحاً ماضياً هو قدرتها على التنسيق والتعاون والعمل المُشترك.. إن تبادل الخبرات وتناقل الممارسات واستخلاص العبر والدروس من العمليات الجارية يُعد من أهم نقاط القوة لدى الجيوش العربية في مواجهة التهديدات، فلا أقل من مُضاعفة التنسيق العسكري بين الدول العربية على مستويات ثنائية.. فهذا هو السبيلُ لتعزيز قدراتها ورفع كفاءتها العملياتية من خلال المناورات والتدريبات المُشتركة، وأيضاً عبر تعميم أفضل الممارسات وتصويب الأخطاء والاستفادة من التجارب على مستوى الدول العربية التي تواجه تهديدات متشابهة في طبيعتها ".