تونس - أزهار الجربوعي
رفض رئيس الحكومة التونسية الحالية، والقيادي في حزب "النهضة الإسلامي"، علي العريض، إعلان استقالة حكومته، الأربعاء، مشترطًا الانتهاء من انتخاب المجلس التأسيسي (البرلمان)، لتشكيلة هيئة الانتخابات، وفق ما تنص عليه خارطة طريق الحوار الوطني، إلا أن نواب المجلس التأسيسي فشلوا، مساء الثلاثاء، في التوافق
بشأن تركيبة الهيئة، في ما اتهمت المعارضة حركة "النهضة" بالسعي إلى فرض مرشحيها، وهو ما يعني إطالة عمر حكومة العريض، وتأخير تنصيب حكومة مهدي جمعة.
في الوقت الذي اجتمع "الرباعي الراعي للحوار"، مساء الثلاثاء، مع المرشح لرئاسة الحكومة المقبلة، وزير الصناعة الحالي، مهدي جمعة، للحسم في المسار الحكومي، وتشكيلة الحكومة المقبلة.
وإثر اجتماع مُطوَّل بين الرباعي ومهدي جمعة، استمر لأكثر من 3 ساعات، بدا جليًّا أن ملامح الحكومة الجديدة، لم تتضح بعد، وسط تباين في المواقف بشأن الإبقاء على وزراء من حكومة علي العريض في الحكومة المقبلة، ولاسيما وزير الداخلية الحالي، لطفي بن جدو، الذي يتمسك به مهدي جمعة، في حين ترفضه الكثير من القوى السياسية المعارضة، وخصوصًا "الجبهة الشعبية"، التي أكدت "أنه لا سبيل للمحافظة على رموز حكومة علي العريض مستقبلًا حتى لو كانوا مستقلين على غرار وزير الداخلية".
وفي سياق استكمال المشاورات بشأن آليات تنصيب الحكومة المقبلة واستقالة الحكومة الحالية المرتبطة أساسًا بتقدم عمل المجلس التأسيسي وإنهائه لمهامه، وعلى رأسها انتخاب تشكيلة هيئة الانتخابات، كما تنص عليه خارطة طريق الحوار الوطني، التي تعتبر المرجع الأساسي للمرحلة الراهنة، اجتمع الرباعي الراعي للحوار الوطني مع رؤساء الأحزاب السياسية، وسط خلاف بين ممثلي المعارضة، وحركة "النهضة" بشأن مسألة ربط استقالة رئيس الحكومة المؤقتة علي العريض، بالانتهاء من تشكيل هيئة الانتخابات، واتهمت المعارضة حركة "النهضة" بـ"تعطيل سير الحوار الوطني من خلال تمسكها بمرشحيها ومحاولة فرضهم عنوة".
كما التقى الرباعي برئيس المجلس الوطني التأسيسي، مصطفى بن جعفر، في حين أكَّد رئيس الحكومة الحالية، على "استعداده لتقديم استقالة حكومته في 9 كانون الثاني/يناير الجاري، أي الخميس المقبل، وذلك بشرط انتهاء نواب المجلس التأسيسي من تشكيل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات".
وانسحب نواب المجلس الوطني التأسيسي، مساء الثلاثاء، من الجلسة العامة المسائية، بسبب عدم التوافق بشأن أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، في ما انحصر الخلاف في اختصاصي المحاماة والمالية العمومية داخل هيئة الانتخابات التي تضم تركيبتها اختصاصات متعددة كالقضاء والمحاماة.
واعتبر مراقبون، أن "المحاصصة الحزبية التي فرضتها طريقة انتخاب وتشكيل الهيئة، هي التي تسببت في تعطيل الإعلان عنها، وتواصل الخلاف بين القوى السياسية بشأنها، حيث يحاول كل طرف، إما فرض مرشحيه، أو رفض مرشحي خصومه السياسيين".
في المقابل، نفى النائب عن حركة "النهضة"، الصحبي عتيق، سعي حركة "النهضة" إلى فرض مرشحيها لعضوية الهيئة العليا للانتخابات عن قطاعين المحاماة والمالية العمومية"، مؤكدًا أن "حكومة علي العريض لا يمكنها الاستقالة غدًا طبقًا لخارطة طريق الرباعي دون تركيز الهيئة".
وأمضى 54 نائبًا في المجلس التأسيسي على عريضة، طالبوا من خلالها بـ"عدم تسييس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وسط مخاوف من طغيان منطق المحاصصة الحزبية على تشكيلة الهيئة، وهو ما سينعكس مستقبلًا على أدائها واستقلاليتها".
وفي السياق ذاته، أعرب "ائتلاف الجبهة الشعبية" المعارض، عن "قلقه من البطء المسجّل في تشكيل الحكومة الجديدة"، محذرًا مما وصفه بـ"انتظار اللحظات الأخيرة لفرض سياسة الأمر الواقع بدعوى ضغط الوقت".
وأكَّدت "الجبهة الشعبية"، أن "الحكومة الجديدة لابدّ أن تكون متكونة من كفاءات مستقلّة من غير أعضاء الحكومة الحاليّة، وكاملة الصّلاحيّات، وقادرة على القيام بمهامّها، وفقًا لما هو مضبوط في خارطة الطريق"، مشددة على "ضرورة أن تراجع التّعيينات الحزبيّة، وتفكّك الميليشيات الإجراميّة، وتحقّق بكلّ استقلاليّة في الاغتيالات السياسية، والأعمال الإرهابيّة، وتعمل على تحييد دور العبادة عن الصّراعات السّياسيّة، وتتّخذ الإجراءات العاجلة لإنقاذ البلاد من الانهيار الاقتصادي".
وتعتبر المعارضة عدم التزام علي العريض بالاستقالة، الأربعاء، مخيبًا للآمال، في حين بدأت حالة من الغليان والاحتقان تسيطر على الشارع التونسي، مقترنة بعودة الخلافات السياسية، رغم التوافق الأخير الحاصل في جلسات الحوار الوطني، والتي ساهمت في التخفيف من وطأة الأزمة السياسية التي خلفها اغتيال النائب المعارض محمد البراهمي، في 25 تموز/يوليو الماضي، إلا أن عدوى الخلافات في المشهد السياسي، سرعان ما انتقلت إلى الشارع التونسي، ليطال المدن المهمشة والمناطق الضعيفة، والتي أكدت مجددًا أنها لن تتنازل عن حقها في التنمية على غرار سيدي بوزيد والقصرين، والتي اندلعت فيها اشتباكات مع قوات الأمن، مساء الثلاثاء، وهو ما اعتبره مراقبون، التحذير الأخير للنخب السياسية للخروج من حالة الفراغ والتناحر والتركيز على هموم الشعب ومشاغله الذي لم يعد مهتمًا بقضايا الدستور والخلاف السياسي بقدر مطالبته بتحقيق أهداف الثورة، من تشغيل، وعدالة اجتماعية، وتوزيع عادل للثروة.