غزة – محمد حبيب
غزة – محمد حبيب
أكَّد مراقبون فلسطينيُّون أن "صراع الأدمغة بين المقاومة الفلسطينيَّة في غزَّة والاحتلال الإسرائيلي، اشتد خلال الآونة الأخيرة، من خلال الأنفاق العسكرية التي تبنيها فصائل المقاومة، والتي اكتشف الاحتلال اثنين منها أخيرًا"، واصفين تلك الأنفاق بـ "الحرب الدَّائرة تحت الأرض بين الجانبين".
ويرى هؤلاء الخبراء، خلال
أحاديث منفصلة، أن "هذه الممرات المحفورة، غيّرت دفة المعركة اليوم بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، وحققت ما يعرف بـ "توازن الرعب" بينهما". واعتبروا أن "الأنفاق هي الخيار الأقوى والأمثل للمقاومة، كي تتغلب على التطور العسكري والتكنولوجي الإسرائيلي، أمام إمكانياتها المتواضعة".
وكان رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة في قطاع غزة إسماعيل هنية، أكد أن "كتائب عز الدين القسام (الجناح المسلح لحركة حماس) دشنت إستراتيجية جديدة في مواجهة الاحتلال الصهيوني، من خلال الأنفاق".
وأضاف هنية، في كلمة له خلال مهرجان نظمته حركة "حماس" في مدينة غزة، الأحد، بمناسبة الذكرى العاشرة لاغتيال مؤسسها الشيخ أحمد ياسين ـن "المجاهدين الفلسطينيين سيخرجون للاحتلال الإسرائيلي من فوق الأرض وتحت الأرض حتى يخرجوه من أرض فلسطين".
كما أعلن الجيش الإسرائيلي، الجمعة الماضي، عن "اكتشاف نفق حفر من قرب الحدود الشرقية لجنوب قطاع غزة ويتوغل مئات الأمتار داخل الأراضي الإسرائيلية".
وقال الناطق باسم الجيش بيتر ليرنر: إن النفق يتوغل مئات الأمتار في الأراضي الإسرائيلية وبناءه كان بهدف تنفيذ هجوم ارهابي.
وأقرت كتائب القسام، خلال مؤتمر صحافي عقدته مساء الخميس الماضي، بـ "مسؤوليتها عن حفر نفق، اكتشفه الجيش الإسرائيلي، قرب الحدود الجنوبية الشرقية لقطاع غزة".
ولم يكن هذا النفق الوحيد الذي أعلن الجيش عن اكتشافه فقد سبقه عدة اكتشافات، كان منها ما أعلن عنه الاحتلال في 13 تشرين الأول/ أكتوبر 2013، بحيث قال: إن النفق كان معدا لتنفيذ عملية ضخمة من غزة تجاه أهداف إسرائيلية.
وتقول سلطات الاحتلال، في تعقيبها على اكتشاف نفق خان يونس، في إحدى التقارير التي نشرت عبر صحيفة "يديعوت أحرونوت": إن الحياة في قطاع غزة تجري فوق وتحت الأرض، ومعروف أن هناك في داخل قطاع غزة خطوط أنفاق لأهداف عسكرية تؤدي إلى مواقع مختلفة.
وفي عام 2001، بعد اندلاع انتفاضة الأقصى ضد الاحتلال الإسرائيلي، برزت ”الأنفاق” لأول مرة كوسيلة قتالية جديدة في قطاع غزة، حيث فجرت كتائب القسام عبوة ناسفة في نفق أرضي أسفل موقع ”ترميت” العسكري الإسرائيلي على الحدود الفلسطينية-المصرية.
ومنذ عام 2001 وحتى الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة عام 2005، واجه الجيش الإسرائيلي عدة عمليات عسكرية اعتمدت بشكل أساسي على الأنفاق الأرضية المجهزة بالمعدات العسكرية القتالية.
واعتبر المحلل السياسي ورئيس تحرير صحيفة "الرسالة" نصف الأسبوعية التي تصدر في غزة (مقربة من حركة حماس) وسام عفيفة، أنفاق المقاومة بمثابة خط الدفاع القوي. ولأن قطاع غزة منطقة ساقطة جغرافيًا وعسكريا ومحاصرة من جميع الجهات، فقد لجأت المقاومة الفلسطينية إلى التغلب على هذه الثغرة من خلال حفر الأنفاق. وقال: تعتبر الأنفاق وسيلة أساسية تستخدمها المقاومة لتصدى للاحتلال الإسرائيلي، وقد تستخدم في اختراق أرضه.
وأضاف عفيفة "أنفاق المقاومة سلاح قوي وفعال ومقلق للاحتلال"، معتبرًا أن "أية مواجهة جديدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين سيكون عنوانها الإنزال خلف خطوط العدو". واعتبر أن "هذه الإستراتيجية الجديدة في المعركة أوجدت صداعًا مزمنًا للاحتلال، خوفًا من تكرار سيناريو خطف الجندي جلعاد شاليط، في حال شنت عملية عسكرية على القطاع". وأضاف "باتت الأنفاق اليوم متطورة ومنتشرة بشكل واسع، وهذا ما يوضحه النفق الأخير المكتشف، الذي يظهر أنها ليست منفصلة إنما هي شبكات متصلة ومواقع كاملة تحت الأرض وذات إمدادات عسكرية قوية".
وأوضح عفيفة أنه" في 25 حزيران/ يونيو 2006، وقع شاليط في قبضة حركة حماس، بعد أن استهدفت قوة عسكرية مدرعة كانت ترابط ليلا في موق "كيريم شالوم"، على الحدود بين مدينة رفح الفلسطينية وإسرائيل. ونجح المقاتلون الفلسطينيون في التسلل إلى الموقع، عبر نفق أرضي كانوا قد حفروه سابقًا تحت الحدود إلى الموقع الإسرائيلي، مما ساعدهم في مباغتة القوة الإسرائيلية، وقتل جنديين، وإصابة 5 آخرين بجروح، وأسر شاليط ونقله إلى مكان مجهول في غزة. وبفعل مدينة المعركة السفلية، التي أوجدتها المقاومة، كما يصفها خبراء، فإن قرار إسرائيل باجتياح القطاع بريًا، بات صعبًا، ومغامرة غير محمودة العواقب، لاحتمالية أسر أي جندي، ولأهمية دور الأنفاق في صد أي هجوم كما كشف العدوان الإسرائيلي الأخير".
ويقول الصحافي المتابع للشئون الإسرائيلية مفيد أبو شمالة: تعتبر هذه الأنفاق حيل قتالية لجأت إليها المقاومة الفلسطينية بعد أن استعصت عليها كل السبل في اختراق الجدران الإسرائيلية. وأضاف "التحصينات التكنولوجية التي تتبعها إسرائيل من أبراج مراقبة وكاميرات وطائرات وغيرها على الحدود مع غزة، تجاوزتها المقاومة الفلسطينية من خلال أنفاقها".
وتابع أبو شمالة: الأنفاق أرعبت الاحتلال منذ أكثر من 10 أعوام، فمن خلالها تمكنت اختراق حدودها وتفجير إحدى مبانيها العسكرية. وأشار إلى أن "أنفاق المقاومة كانت السبب الرئيس في انسحاب الإسرائيلي الكامل من غزة عام 2005"، قائلا: كان يقال إن الجنود الإسرائيليين لا يباتون الليل لشعورهم بأن الأرض تثقب من أسفلهم ويتوقعون خروج أي مقاوم يأسرهم في أية لحظة.
ويرى أبو شمالة أن "أنفاق المقاومة حققت توازن رعب مع إسرائيل"، متوقعًا أن "أية معركة مقبلة ستحمل مفاجئات قوية للاحتلال".
وتوقع أبو شمالة أن "أي عدوان إسرائيلي جديد على غزة سترد عليه المقاومة بسيطرة وقتية على المستوطنات الإسرائيلية، بالإضافة إلى أسر الجنود، مما سيجعل إسرائيل تفكر عشرات المرات وتراجع حساباتها قبل الإقدام على اجتياح القطاع".
ويرى مدرس الشئون الأمنية الإسرائيلية، في أكاديمية فلسطين للعلوم الأمنية في غزة إبراهيم حبيب أن "الأنفاق تعتبر عامل قوة للمقاومة الفلسطينية في التخفي والتمويه والقدرة على مباغتة القوات الإسرائيلية ونصب الكمائن لهم". وأضاف "بفعل هذه الأساليب الخلاقة تمكنت المقاومة من الحفاظ على حياة كوادرها، بعد أن كانت مكشوفة لطائرات إسرائيل وأقمارها الصناعية".
وحولت الأنفاق قواعد المعركة بين المقاومة وإسرائيل إلى 3 اتجاهات، كما يقول حبيب، أولها أن جعلت إسرائيل غير قادرة على رصد من يطلق الصواريخ تجاه أراضيها، من خلال دفنها تحت الأرض عبر استخدام الأنفاق".
وقال حبيب: الدراسات الإسرائيلية تشير إلى أن هناك العشرات من الأنفاق المتطورة تحت الأرض، وأنها تتمتع بحالة من الديمومة والاستمرارية والأمان لمن يعمل بها. وتحاول إسرائيل أن تتفادى القدرات المتطورة لأنفاق المقاومة من خلال التقليل من شأنها، وتضخيم إنجازاتها العسكرية والاستخباراتية في الكشف عن الأنفاق.
واتفق حبيب مع سابقيه في أن الأنفاق تعد أسلوبًا للدفاع والهجوم في آن واحد، وهذا سبب حالة هستيرية لدى إسرائيل ومستوطنيها، من أن تقدم المقاومة على مهاجمتهم في أية لحظة وأسرهم.
وفي موازاة القلق من الأنفاق الحدودية يواجه الاحتلال معضلة أخرى في شبكة الأنفاق التي تحفرها المقاومة في عمق قطاع غزة، والتي تستخدمها المقاومة في أكثر من مجال، مثل عمليات إطلاق الصواريخ وتخزينها، وهو ما يفسر تمكن المقاومة من إطلاق الصواريخ، رغم انتشار طائرات الاستطلاع، بالإضافة إلى اتخاذ المقاومة للأنفاق كمقرات للقيادة والتحكم والسيطرة الميدانية، والتنقل بين المناطق المختلفة داخل القطاع بعيدًا عن الاستهداف بالقصف أو الاغتيال.
وفي ظل هذه التحديات كلها، يواصل الاحتلال جهوده المستمرة للتغلب على هذه المعضلة، فراح يسخر قدراته التكنولوجية في البحث عن الأنفاق وتدميرها، ورغم القدرات الإسرائيلية في المجال التكنولوجي العسكري، إلا أنها وجدت نفسها مضطرة للاستعانة بالخبرات الأميركية في هذا المجال. كل هذا الجهد يتزامن مع نشاط استخباري محموم تقوم به الأجهزة الأمنية للاحتلال، لكشف مكان الأنفاق ومساراتها، بهدف وضعه على قائمة أهدافها، ويدمج الجيش كلا الجهدين في نشاط عملياتي عسكري على حدود قطاع غزة.
وفي مجال الاستعداد للتعامل الميداني مع الأنفاق، أصبح التدرب على التعامل مع الأنفاق أحد أركان استعداد القوات التي تنوي الانتشار على حدود غزة، ولهذا الغرض قام الجيش بحفر مجموعة من الأنفاق في معسكراته شبيهة بتلك التي تحفرها المقاومة في غزة.
ورغم هذه الجهود كلها، تعترف المصادر العسكرية الإسرائيلية، وحتى المستويات السياسية، بأن هذه الجهود كلها لم تصل إلى نتيجة حقيقية في الحرب ضد الأنفاق، لتبقى هذه المعضلة ميدانا لصراع الإرادة والعقول بين المقاومة والاحتلال.