كابل ـ أعظم خان
تبوح وثائق أبوت آباد بأسرار "تنظيم القاعدة"، وزعيمه أسامة بن لادن، وخفايا العلاقات الوثيقة التي تجمعهم بالحرس الثوري الإيراني، إلى حد أن قادة التنظيم فكروا جدياً، بإنشاء مكتب للقاعدة في إيران لاستقبال المقاتلين، وتسفيرهم إلى مواقع خارجها. وبين الوثائق، ثلاث رسائل مهمة، كشفت عن أسماء وتفاصيل إقامة أسرة بن لادن، وقيادات التنظيم في طهران، وتنقلهم بحرية ما بين المدن الإيرانية سواء بالطائرة أو القطار، وصولاً إلى تفاصيل هروب "إيمان"، ابنة أسامة بن لادن، ولجوئها إلى السفارة السعودية في طهران عام 2009، وحيثيات خروج عدد من قيادات القاعدة من الوصاية الإيرانية.
أبرز هذه الرسائل كانت رسالة "أبو سهل"، منسق القاعدة، مع الحرس الثوري الإيراني، الذي أمضى سبع سنوات في إيران.. "أبو سهل" وهو صهر أيمن الظواهري الزعيم الحالي لتنظيم القاعدة، وشقيق "أبو عمار"، المقتول في قضية العائدين من أفغانستان عام 1993م، وغادر إيران بصحبة "سيف العدل"، المسؤول العسكري لتنظيم القاعدة.. كما أن "أبو سهل"، هو والد زوجة خالد نجل "محمد شوقي الإسلامبولي"، شقيق قاتل الرئيس المصري أنور السادات (خالد)، والذي أسهمت مساعيه في توفير ملاذ آمن، لقيادات التنظيم الفارين من أفغانستان بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر.
وقال أبو سهل في تقريره أو رسالته المهمة: "كنت لمدة ثلاث سنوات، مع الإخوة الأفاضل، و"المشايخ" الكرام، أبو الخير، وأبو محمد الزيات، وسيف العدل، وأبو حفص الموريتاني، وأبو غيث، ومحمد شوقي الإسلامبولي، وأبنائك النجباء، عثمان، ومحمد، وحمزة، ولادن، وهم أصدقاء أعزاء لي".
ويركز أبو سهل، على إفادة "بن لادن"، تفصيلا بالأحداث عقب اغتيال ابنه بطائرة دون طيار في أفغانستان، بعد فراره هاربا من إيران، وتحقيقات الإيرانيين بشأن هروبه.. هنا يستكمل أبو سهل قائلا: "بعد هروب سعد من مدينة يزد بإيران، وكان يقيم معه في نفس المكان، كل من سيف العدل، وعثمان، ومحمد، وحمزة، ولادن، مع أسرهم إضافة إلى الحاجة أم حمزة (زوجة بن لادن)، وكريمتك إيمان، وأهل سعد.. بدأ تحقيق روتيني بلا ضغوط واتهموهم بمساعدته في الهروب، مع التضييق عليهم في الطب والأسواق التي كانت من قبل شبه أسبوعية".
انزعاج أبو سهل، صهر الظواهري، من القيود الإيرانية عليهم، عقب هروب "سعد"، سرعان ما تبدل، حسبما يبين من رسالته، موضحا: "بعد مرور شهرين، بدأ الإيرانيون، تخفيف الضغوط، والسماح بالخروج للطبيب والأسواق مرة أخرى، والزيارات، من يزد إلى طهران، لوجود روابط أسرية، فكان عثمان يأتي كل ثلاثة أشهر لزيارة عمه أبو جعفر، ومحمد لزيارة عمته أم حفص، وحمزة مع والدته ولادن وابنتكم يأتون، لزيارة أختهم زوجة أبو غيث، وباقي الأقارب، مرة بالطيران ومرة بالقطار وأخرى بالباصات الخاصة".
وهنا يتحدث "أبو سهل"، عن انتقال "حمزة"، نجل بن لادن، إلى طهران لتلقي الدروس الشرعية، على يد أبو حفص الموريتاني، والزيات، والذي كان ينتظر لحاق إخوانه به بعد تهيئة المكان الذي خصص لجمعهم مرة أخرى فيه.
وبعد عام على إقامة أسرة بن لادن، وقيادات التنظيم في مدينة يزد الإيرانية، انتقلوا للإقامة في مدينة طهران، وهنا بدأت الوعود الإيرانية، لأم حمزة، وزوجة سعد، ولادن، وابنة أسامة بن لادن بالانتقال إلى وزيرستان، إلا أن المماطلات الإيرانية استمرت لعدة أشهر، بحجة خطورة الطريق وانغلاق المنافذ، حسبما يقول أبو سهل، في رسالته، ومشيرا بتوفير الإيرانيين، في السنة الأخيرة، لأسرة بن لادن، وقيادات القاعدة، إمكانية استخدام "الإنترنت" لمدة ساعتين أسبوعيا، دون إرسال أي رسائل.
وبعد التسويف الإيراني المتكرر، أعدت ابنة زعيم القاعدة، "إيمان"، خطة للهروب، مع أخيها لادن قبل عيد الأضحى، أثناء خروجهما، لحي السفارات، برفقة أم حمزة وزوجة سعد، لشراء ملابس العيد.. ما زال "أبو سهل"، يروي القصة لبن لادن موضحا: "كان يحرسهم رجلان وامرأة، فاستطاعت ابنتكم الفرار من الحراسة النسائية، والخروج من المحل، والدخول إلى السفارة السعودية".. بعدها فتح الإيرانيون تحقيقا، في هروب إيمان، وهنا قال أبو سهل: "حققوا معهم بدون ضغوط، ثم أرسلوا إلى عثمان، وحمزة، وأحمد، وقالوا لهم إنكم رتبتم لهروب أختكم، وبعد عدة ساعات، أتوا بكل أفراد أسرتكم إلى بيوتهم".
واستطرد أبو سهل، "أخبرني بن لادن، أنه لم يستطع الهروب مع أخته إلى السفارة السعودية، لشدة التفات الحراسة له، وأن أخته كانت تظن أنه سيلحق بها إلى السفارة". وعقب خمسة أيام تواصلت "أم عبد الله"، زوجة بن لادن المتواجدة في سورية، ووالدة إيمان، عبر شريط شدا، برسالةsms ، إلى أبنائها لطمأنتهم بشأن وصول أختهم إلى السفارة السعودية، وأنها على اتصال دائم بها، بعد توفير السفارة هاتفا شخصيا، وأخبرتهم أن إيمان تسعى للسفر إلى السعودية، وأنها ستلحق بها بعد ذلك".
ولم يقبل الإيرانيون، وفقا لما جاء في التقرير المرسل لأسامة بن لادن، عودة ابنته إلى السعودية، وأمر الحرس الثوري الإيراني، عثمان نجل بن لادن، بأن يكلم والدته، لتطلب من السفارة الإيرانية في سورية، إلحاق ابنتها بها هناك، على أن تتقدم أمهم بطلب للسفارة السعودية، لسفر ابنتها إلى سوريا وليس إلى السعودية".
وأخبر الإيرانيون "عثمان"، وإخوته بأن أختهم ستظل في السفارة، إلى أن يشاء الله، إلا إذا طلبت الخروج إلى سورية، لتبقى إيمان بالسفارة السعودية في طهران شهرين بسبب التعطيل الإيراني، ليتزامن خروجها، مع إخراج باقي عناصر القاعدة من إيران عقب تسرب أمر إقامتهم في طهران إلى وسائل الإعلام.
وبعد مرور ثلاثة أسابيع، أبلغ مسؤول في الاستخبارات الإيرانية، "لادن"، بسفره إلى سورية، وهو ما تم بالفعل، بصحبة المسؤول المباشر للملف أبو محمد (استخباراتي إيراني)، حتى أوصله إلى منزل والدته في سورية. وتابع أبو سهل "بعدها أتوا لنا بحقيبة حامد وأخبروا عثمان أنهم قد اشتروا له ملابس وحقيبة أخرى، وأنهم أخذوا منه جميع الرسائل والصور للأطفال وردوها إلى إخوانه". وقال أبو سهل في رسالته "جاء مسؤول الاستخبارات إلى الأخوة، وأخبرهم أن ملف القاعدة لابد أن يغلق بعد حادث هروب إيمان، وأنهم سيبدؤون بجدية في تسفير الناس، وأخبروا أبناءك، أنه لم تعد لهم أهمية بعد خروج الأخبار إلى الإعلام، وأنه لابد سفرهم بسرعة من إيران، وأن الإيرانيين يفضلون لهم السفر على سورية، وأن السوريين بدورهم، يرحبون باستقبالهم".
وبالمقابل طلب عثمان، ومحمد، أبناء بن لادن من الإيرانيين، الانتقال إلى وزيرستان، وكذلك حمزة ووالدته، أما سيف العدل، وأبو حفص الموريتاني، فهم آخر من سيفرج عنهما، وفقا للتوجيهات الإيرانية. واختتم صهر الظواهري رسالته: "تركت الأخوة هناك على أساس أني وابن الأخ أبو جهاد المصري (هارون) طليعة القادمين من هذه المجموعة، وعلى أن الطريق جديد لم يسلكه أحد قبلنا، فأراد الإيرانيون أن يجعلونا تجربة للطريق".
وقبل نجاح "إيمان" في اللجوء إلى السفارة السعودية بطهران، وتسرب خبر إقامة أسرة زعيم القاعدة، تحت حماية الاستخبارات الإيرانية، كشفت رسائل أخرى عن حيثيات إفراج إيران عن قيادات أخرى من القاعدة وذلك ما بين عامي 2004 و2008.
وإحدى هذه الرسائل، كتبها "عطية الله"، وكشف فيها لأسامة بن لادن، عن خلفية إفراج "إيران"، عن قيادات الصف الثاني والثالث، من "القاعدة"، في عملية تبادل، بـ"القنصل التجاري الإيراني"، الذي اختطفته القاعدة، في بيشاور 2008، وتمت العملية عبر وسيط ومنسق "بلوشي"، في زاهدان، وشملت هذه الصفقة التي تمت على دفعات كلا من عبد المهين المصري مع عائلته، وسالم المصري من مقاتلي جماعة الجهاد مع عائلته، وأبو صهيب المكي وعائلته، يمني الجنسية، وأبو صهيب العراقي مع عائلته، والزبير المغربي مع عائلته، وأحد المقاتلين في الجماعات الليبية، وخليفة المصري وعائلته.
وواصل عطية الله: "أرسلوا خبرا مع المنسق، أخ بلوشي في زاهدان هو الذي يسلمونه إخواننا، وهو يحولهم إلينا، وأنهم سيسلمونه عائلة أزمراي (يقصد أسرة بن لادن) قريبا، وربما خلال أسبوع، وقالوا له العائلة، نساء وأطفال بدون رجال، ونحن من جهتنا جاهزون لاستقبالهم وسأعاون في تيسير الأمور.. وسربوا لبعض الإخوة الذين أطلقوهم أنهم سيطلقون سراح المزيد من الدفعات في القريب.. ويمكن أن يبدؤوا ببعض هؤلاء في دفعة أبي حفص العرب، وأبي زياد العراقي، وأبي عمرو المصري ونحوهم".
وبالمقابل كشفت رسالة أخرى وجهها المكنى بـ"مكارم"، إلى قيادة القاعدة عن دور الزرقاوي التفاوضي مع الحرس الثوري الإيراني، بشأن القنصل التجاري الإيراني في بغداد والذي تم اختطافه بعد معركة الفلوجة في 2004، قائلا: "كان اجتهاد الإخوة أن يرسلوا مع هذا الأسير رسالة شديدة اللهجة إلى إيران بشأن إخواننا الأسرى، وأن تتوقف في الكشف عن هويات الإخوة المعتقلين لديها عن طريق التسريب الإعلامي، فقد سربوا أسماء مثل سيف العدل وأبو غيث وأبو محمد وغيرهم، وتهديدهم بعدم التدخل بشؤون العراق، ومطالبتهم بإطلاق سراح الإخوة"، مضيفا: "بالفعل التزم الجانب الإيراني بعدم تسريب أسماء جديدة إلى الإعلام عن المعتقلين لديهم وتخفيف وضع الإخوة في السجن عندهم شيئا ما".
وحيوية الموقع الجغرافي لتنظيم القاعدة في إيران تظهر من خلال رسالة أخرى، لـ"أبو صالح"، المتواجد في طهران، متحدثا فيها عن مدى استعداد تنظيم القاعدة، عسكريا، وماديا، إعلاميا، وفكرة إنشاء مكتب للتنظيم في إيران، لاستقبال المقاتلين وتسفيرهم لمواقع خارج إيران، قائلا: "كان علينا الاعتماد على أنفسنا حتى إننا فكرنا في عمل مكتب لنا في إيران، لاستقبال من يأتينا أو تسفيره، وربما تأتي شهور، ولا يأتينا أحد أو نسفر أحد ثم تراجعنا عنها للكلفة المالية".