المعهد الفرنسي للآثار الشرقية في القاهرة

يُعد المعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية، الذي يقع في وسط القاهرة وفي حي المنيرة تحديدًا، هو الذراع الثقافية لفرنسا في علاقاتها التاريخية مع مصر، حيث تحتل الصدارة، في إطار الزيارة الرسمية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى القاهرة، مسألة التعاون المشترك بين البلدين في مجال التنقيب الأثري وعلم المصريات؛ ولذلك، استهل الرئيس الفرنسي زيارته بالذهاب إلى آخر نقطة حدودية جنوب مصر حيث يقع معبد أبو سمبل الفرعوني في إطار الاحتفالية الدولية بمرور 50 عاما على إنقاذ آثار النوبة من أن تغمرها المياه إبان إنشاء السد العالي.

وقامت وكالة "فرانس 24"، بمناسبة الزيارة التي يقوم بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مصر من الأحد وحتى الثلاثاء، بتحقيق من قلب هذا المعهد وحاورت فريدريك أبيكاسيس، مدير الدراسات فيه.

ويقع المعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية ومنذ العام 1907، في قصر الأميرة منيرة سلطان "1844-1862" ابنة السلطان العثماني عبد المجيد الأول، وفي الحي الذي يحمل اسمها "حي المنيرة" بالعاصمة المصرية القاهرة.

ويعد المعهد، التابع لوزارة التعليم العالي الفرنسية، حجر الزاوية في هذا التعاون، فقد ساهم عبر تاريخه الطويل في مصر مساهمة فعالة في اكتشاف العديد من الآثار والمواقع الأثرية الفرعونية في البلاد، إضافة إلى العدد الكبير من الباحثين المصريين والأوروبيين الذين يستضيفهم المعهد بين جنباته ويعملون على تطوير هذا المجال ومساعدة السلطات المصرية في الحفاظ على تلك الآثار، وتعول باريس على هذا المعهد كثيرا في توطيد الروابط مع القاهرة.

وزارت "فرانس24" هذا المعهد للتعرف على الدور الذي تقوم به باريس من خلاله في مصر، وأجرت مقابلة مع مدير الدراسات في المعهد فريدريك أبيكاسيس.

تاريخ المعهد

تأسس المعهد في العام 1880 بقرار من رئيس مجلس الوزراء الفرنسي آنذاك جول فيري تحت اسم مدرسة القاهرة (L’Ecole du Caire)، وكان الهدف إنشاء بعثة فرنسية دائمة في القاهرة على غرار معهدي الآثار الفرنسيين في أثينا وروما. وفي العام 1897 تغير اسمه إلى الاسم الحالي: المعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية.

وأوضح أبيكاسيس مدير المعهد إلى "فرانس 24" الخلفية التاريخية لإنشاء المعهد قائلا: "إنه في العام 1876 أدركت فرنسا أن مدير الآثار المصرية في ذلك الوقت ومنذ العام 1858، الفرنسي أوغست مارييت باشا، مريض للغاية وقد يفارق الحياة؛ ولقطع الطريق على الألمان والإنكليز في خلافته، بادرت الحكومة الفرنسية إلى إنشاء المعهد. وقد كان أن حققت غرضها باستلام فرنسي آخر هو غاستون ماسبيرو إدارة الآثار المصرية بعد وفاة مارييت باشا".

واشترت الحكومة الفرنسية في العام 1907، قصر الأميرة منيرة سلطان وحولته إلى المقر الرسمي لمعهد الآثار الشرقية.

أقرأ أيضاً :  إيمانويل ماكرون في زيارة رسمية لمصر للمرة الأولى منذ تولّيه الرئاسة

التعاون الأكاديمي

وشرح أبيكاسيس وهو مدير الدراسات بالمعهد ونائب المدير العام للسياسات العلمية، وهو المسؤول عن إصدارات المعهد الخاصة بالدراسات القبطية والعربية ومنسق برامج الدراسات والمنح العلمية، الهيكل الإداري للمعهد قائلا "إنه يضم ستة أعضاء من الباحثين الشباب الأوروبيين (أربعة فرنسيين وإيطاليان) حاصلين على درجة الدكتوراه، إضافة إلى ثلاثة باحثين مصريين يدرسون بالجامعات المصرية ويعملون مع المعهد الفرنسي في إطار البحث العلمي بمقتضى منحة علمية مقدمة من الحكومة الفرنسية".

وأضاف أن هناك أيضا ثلاثة باحثين مصريين كبار، بين الخمسين والستين عاما، يعملون مع المركز في مجالات مختلفة مثل التاريخ العثماني وعلم المصريات والمخطوطات العربية. هؤلاء الباحثون يمثلون نواة الدراسات والأبحاث في المعهد.

وأكد أبكاسيس أن التعاون بين المعهد والمراكز الأكاديمية المصرية لا يقتصر على الجامعات الكبيرة في مصر، مثل جامعة القاهرة وعين شمس، إنما يتخطاها إلى جامعات الأقاليم أيضا، مثل جامعة كفر الشيخ والمنيا، وذلك عبر ورش العمل والتدريب التي يوفرها المعهد للباحثين المصريين في مجال الآثار وعلم المصريات.

ويساعد المعهد الباحثين المصريين الذين في طور دراسة الدكتوراه عبر تقديم منح دراسية لهم لمساعدتهم على إنهاء دراساتهم العليا، ويضع في خدمتهم مكتبته الكبيرة التي تحوي 92 ألف مجلد وكتاب وتعد مع مكتبة "كوليج دو فرانس" في باريس من أكبر المكتبات في العالم المتخصصة في علم المصريات، ويمنحهم أيضا أماكن للإقامة في القاهرة.

ويقدم المعهد أيضا نحو عشرين منحة أخرى مدة كل منها شهر واحد للباحثين من كافة أنحاء العالم للقدوم إلى مصر والعمل مع المعهد في مجموعات البحث التي يشكلها لتطوير الدراسات المصرية.

تمويل المعهد 
السؤال المطروح هو كل هذه الخدمات والمنح الدراسية التي يقدمها المعهد من يمولها؟ يجيب فريدريك أبيكاسيس قائلا: "إن المعهد يتبع لوزارة التعليم العالي الفرنسية، ومن ثم فإن معظم ميزانيته تأتي من الحكومة الفرنسية، غير أن المعهد أيضا يمتلك مطبعة كبيرة ودارا لنشر الكتب والمطبوعات العلمية وهو ما يدر عليه دخلا إضافيا يساعده على تمويل برامج البحث والتعاون مع العديد من الجامعات الدولية ومراكز البحث العلمي".

ويشارك المعهد بهذه الكتب والمطبوعات في معارض الكتب الدولية، مثل معرض الكتاب في القاهرة ومعرض الكتاب في باريس، وتباع هذه الكتب أيضا على مواقع الإنترنت الخاصة بتجارة الكتب، مثل أمازون، ولكن في ظل الأزمة المالية التي تمر بها فرنسا والاقتطاعات المتوالية من الميزانية العامة للبلاد، وجد المعهد نفسه مضطرا للحد من نفقاته وتركيزها على ما هو ضروري ويخص البحث العلمي، بحيث لا تتأثر مهمته في مصر.

ويلجأ المعهد أحيانا لإطلاق حملات تبرعات لأنشطته وبرامجه ومساعدة الباحثين المصريين على السفر للخارج والمشاركة في المؤتمرات والحلقات العلمية الدولية.

التعاون مع الحكومة المصرية

ويتعاون المعهد مع الحكومة المصرية، عبر وزارة الآثار المصرية هو في قلب مهمة المعهد الفرنسي في القاهرة. وهناك الكثير من الأنشطة المشتركة والخدمات العلمية التي يقدمها المعهد للحكومة المصرية؛ فالمعهد يشارك في 32 بعثة تنقيب عن الآثار تحت إشراف وزارة الآثار. ووزارة الآثار نفسها عضو في المجلس العلمي للمعهد، وهو ما يضمن للحكومة المصرية الشفافية الكاملة في معرفة أنشطة المعهد في البلاد.

ويقدم المعهد لموظفي وزارة الآثار العديد من الأنشطة التدريبية في مجال التنقيب عن الآثار ويوفر لهم مشاركة فعالة في هذا المجال عبر استضافتهم لمدة أسبوعين في مواقع التنقيب الأثري. ويقدم لهم تدريبا نظريا يصل إلى 60 ساعة من المحاضرات.

"العلم للجميع وبلا حدود"

ويدرب المعهد موظفي الآثار المصريين الموجودين في مطارات البلاد المختلفة على التمييز بين القطع الأثرية الحقيقية والمزورة لحماية آثار البلاد من التهريب. ولتسهيل التواصل مع السلطات الفرنسية والعاملين في المعهد يساعدهم أيضا في تعلم اللغة الفرنسية عبر دورات اللغة في المعهد الثقافي الفرنسي بالقاهرة.

ويقوم المعهد بنشاط بارز في التعامل مع المتاحف المصرية، فهو يعدّ الكتالوغات والكتيبات الإرشادية عن الآثار الموجودة بهذه المتاحف كما فعل مع المتحف القبطي بالقاهرة.

وأخيرا، كشف أبيكاسيس أن من أهم العقبات التي يواجهها المعهد في مصر هي البيروقراطية الحكومية والمؤسساتية والحصول على التصاريح اللازمة للتنقيب والتي تستغرق الموافقة عليها وقتا طويلا لأسباب قد تكون متعلقة بمواقع عسكرية أو تابعة للقوات المسلحة المصرية؛ ولكن كل ذلك لا يثبط من عزيمة المعهد والعاملين فيه على تحقيق رسالتهم والعمل على إنجاز مهمتهم التي يحملها الشعار غير الرسمي للمعهد "العلم للجميع وبلا حدود".

قد يهمك أيضاً :

السيسي ونظيره الفرنسي يبحثان تعظيم الشراكة الاقتصادية بين البلدين في "قمة القاهرة"

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يصل القاهرة للقاء السيسي